«موظف جديد» في الخامسة من عمره...
يدور لؤي ابن الخامسة حول أمه التي لم تنه عملها بعد. يعبث بأوراق على مكتبها للفت انتباهها، فتناديه حنان زميلة أمه في العمل لتلهيه بقطعة «شوكولا»، وتطلب منه خفض صوته، وإلا تسبب بعقوبة تطاول كل الموظفات اللواتي جلبن أبناءهن إلى مكان العمل.
منذ بدء العام الدراسي، انضم لؤي إلى شريحة «الموظفين الجدد»، كما تسميهم حنان، وهي تعني الأولاد الذين يذهبون بعد دوام المدرسة إلى مكان عمل أحد الوالدين، ليبقوا ساعتين أو أكثر ينتظرون انتهاء العمل، قبل عودة العائلة إلى البيت.
تقول أم لؤي: «تنتهي المدرسة في الواحدة بعد الظهر، ويأتي إلى مكان عملي القريب من مدرسته، ويبقى حتى الثالثة لنعود سوية إلى البيت. أنا أخشى عليه من الطريق، ولا أدعه يعود بمفرده». تحاول الأم ضبط طفلها الذي عاد ليعبث بأوراق المكتب، وتشير إلى أن المدير يتغاضى عن الأمر، «ربما لأن ابنته تأتي أيضاً إلى هنا ليذهبا سوية إلى البيت». وتعلق زميلة أخرى على الحديث الدائر: «هذه حال معظم الموظفين في الحكومة. لو كانت أجورنا تكفي لسجلنا الأولاد في مدارس خاصة، وضمنا أن تكون مواصلاتهم آمنة».
اختار أحمد عاشور، وهو موظف ثلاثيني في نقابة المعلمين، أن يوصل ولديه إلى المدرسة، قبل التوجّه إلى عمله، على أن تعيدهما والدتهما إلى البيت بعد انتهاء عملها. ويعتقد أحمد أن التعامل مع موضوع مواصلات الأبناء إلى المدرسة يحتاج إلى تفاهم وتنسيق بين الوالدين على تقاسم الأدوار، حتى يكبر الأبناء ويعتـــمدوا على أنفسهم. «ولكن، قبل ذلك»، كما يقـــول، «لا بد من اختيار المدرسة الأنسب موقعاً وجودة، فالأمر لم يعد مشروطاً بجودة التعليم فقط بل يتعداها أيضاً إلى المـــسافة بين المدرسة والبيت».
وتشكل المواصلات المدرسية عبئاً على الأسرة في حالات، أبرزها أن يكون الأولاد صغاراً، أو من ذوي الحاجات الخاصة، أو أن تكون المسافة طويلة، ودخل الأسرة لا يحتمل أجور النقل التي ارتفعت.
ويشكّل نقل التلاميذ مؤشراً إلى فرز طبقي وفقاً لمستوى الدخل، إذ يتوزع معظم الطلاب على المدارس الحكومية التي لا تفتقر إلى وسائل نقل. والآخرون، أعدادهم أقل نسبياً، هم في مدارس خاصة تقدّم خدمة النقل وتتميّز بها. ويلجأ أبناء ذوي الدخل المحدود إلى النقل العام. وفي هذه الحال، لا بد من مرافقة الصغار، وتقع هذه المسؤولية على الأخ الأكبر أو الوالدين أو ربما ابن الجيران. أما الأسر المتوسطة الدخل فمنها من يستطيع تأمين النقل بسيارة العائلة، أو بالتعاقد مع «ميكروباص» أو سيارة أجرة، «تاكسي»، والدفع يكون بدلاً شهرياً، وفقاً للمسافة.
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد