الطاقة النووية في خدمة السياسة
بعد العرض السابق للتقنيات النووية، لا تكتمل الصورة إلا بالإطلالة على الاستخدامين المتداولين للطاقة النووية: السلمي والعسكري والناتج عنهما. في هذا الشأن نعرض ما يلي:
أ الاستخدامات السلمية:
1 توليد الطاقة الكهربائية: يكفي أن نعرف أن 3 كيلوغرامات من اليورانيوم الجيد التخصيب يمكن أن يعطي طاقة كهربائية لمدينة تعداد سكانها مليون نسمة لمدة عام كامل. ويمكن تقدير المعادِل النفطي لهذا ومدى أهميته في أية دورة اقتصادية.
2 الاستخدام الصناعي: المجالات هنا كثيرة ونعطي بعض النماذج على سبيل العد لا الحصر. ان تحلية مياه البحر تعتمد على مبدأ التبخير فتحتاج الى طاقة حرارية يمكن توليدها بمفاعل نووي صغير نسبياً.
وكما هو معلوم، تسير السفن الضخمة وحاملات الطائرات والغواصات بواسطة توربينات تخلق قوة دفع الى الأمام، يمكن تشغيل هذه التوربينات بمفاعلات نووية على مبدأ البخار بحيث يمكن تسييرها مئات آلاف الأميال بمفاعل صغير ايضا.
3 الاستخدام الطبي: عندما تنشطر ذرة اليورانيوم، تعطي نواتين أخف من مواد مشعة من قبيل: كريبتون، كزينون، كوبولت، أيودين، رصاص، باريوم... هذه المواد تستخدم في الطب النووي وفقا لما يلي:
معالجة الأورام السرطانية بتسليط الاشعاع المناسب نحو الخلايا المريضة.
ضخ مواد مشعة الى بعض أعضاء الجسم لقتل خلايا مريضة، كعلاج الغدة الدرقية بواسطة الأيودين المشع.
الاستخدام الأهم هو التصوير الطبقي بالاشعاع. على سبيل المثال، تُرسل مادة الكوبولت المشع عبر الجسم لتصل الى الكبد فيمتصها لتشع من داخله. تلتقط لاقطات متخصصة هذه الاشعاعات فتعطي صوراً واضحة عن عمل الكبد من الداخل. وكذلك يحصل مع الدماغ وأعضاء حيوية أخرى.
استقراء أمراض مستقبلية في الشرايين من قبيل التصلب وترقق الجدران بواسطة ضخ مواد مشعة عبرها.
4 الاستخدام الزراعي: ذُكر ضمن باقة الحوافز لإيران، تقديم تكنولوجيا زراعية. لا يزال الاستخدام الزراعي للطاقة النووية في المجال البحثي على ما نعتقد، لكن يمكن استنتاج التالي:
تأخذ النباتات الاشعاع من الضوء فتحوله عبر عملية كيميائية معقدة الى مادة سكرية هي أساس غذائها (glucose). تُعرف هذه العملية بالتحليل الكلوروفيلي أو التخليق الضوئي. بنفس الطريقة يمكن استخدام إشعاعات نووية مناسبة لتحسين مستوى الغذاء.
تحسين المحاصيل الزراعية كماً ونوعاً عبر معالجة إشعاعية لجينات النباتات الوراثية، وهذا الاستخدام هام لارتباطه بتزايد النمو السكاني. (في الهند على سبيل المثال، تجرى بحوث مكثفة بهذا الشأن بسبب أزمة النمو السكاني الخطيرة هناك).
تستخدم آلية الاشعاع المعكوس (irradiation) لحفظ مخزون الطعام ومنعه من الاهتراء والتآكل.
ب ما بعد الانفجار النووي:
1 الغيمة الفطرية (mushroom cloud) : عند بؤرة الانفجار تكون الحرارة بالملايين المئوية، ويسخن الهواء بشكل كبير، فيصعد حاملا معه كل الغازات والأبخرة والأتربة الى ارتفاع يقارب 7 كيلومترات. هناك يبرد وينتشر فيأخذ الشكل الفطري (لاحظ انفجار هيروشيما من الطائرة أو التجربة الأولى في صحراء نيفادا).
2 عصف الانفجار: أو ما نصطلح عليه بالضغط. عند بؤرة الانفجار الهائل، تهتز ذرات الهواء بشكل عنيف وتنتقل عبر موجة صدمية تدمر كل ما يقع في طريقها على دائرة يمتد شعاعها من 800 م الى 8 كيلومترات بحسب قوة القنبلة.
3 حرارة الانفجار: ينقل الهواء ايضا من بؤرة الانفجار الحرارة الهائلة، فتحرق كل ما هو حي وغير حي ضمن الدوائر المذكورة أعلاه.
4 التلوث الاشعاعي: يطلق الانفجار النووي كمية ضخمة من الاشعاعات المميتة أو الخطيرة على الحياة بحسب البعد عن المركز أو بحسب الجرعة الاشعاعية التي يمتصها الجسم. ومن تداعياتها:
تدمير المادة المسيلة للدم مما يؤدي الى وفاة فورية.
تعطل الجهاز العصبي وسلسلة الأوامر التي ينقلها الى الأعضاء الحيوية في الجسم مما يؤدي ايضا الى وفاة فورية.
حروق جلدية تكون درجتها بحسب البعد عن مركز الانفجار.
وأخطر من كل ما ذكرناه حصول تشوهات جينية تمتد الى أجيال كثيرة، حيث يأتي الأولاد حاملين إما أمراضاً سرطانية وإما تشوهات خلقية.
5 الشتاء النووي: إذا كان الانفجار من العيار الثقيل، تحصل رياح وتغيرات مناخية تشكل غيوماً تمطر ما يعرف بالمطر الأسود (black rain). هذا المطر مشبع بالمواد المشعة، تمتصه التربة وينزل الى المياه الجوفية فيلوثها قاضياً على الدورة الغذائية بالكامل. والخطير بالموضوع ان بعض هذه المواد المشعة يحتاج الى عشرات ومئات آلاف السنين ليزول.
في الختام يمكن للطاقة النووية أن تكون وسيلة حياة كما يمكن أن تكون وسيلة فناء. المعضلة تكمن في ان الانسان بأهوائه ونوازعه هو من يختار.
اسعد رشيد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد