البابايعتذرعن انتهاكات الكهنةالكاثوليك لتشددالكنيسةفي اختيارالرعاة

20-08-2008

البابايعتذرعن انتهاكات الكهنةالكاثوليك لتشددالكنيسةفي اختيارالرعاة

اعتذر البابا بينيديكتوس السادس عشر علنا عن الانتهاكات الجنسية التي ارتكبها بعض الكهنة الكاثوليك بالقاصرين، وعبّر عن شعوره بالعار ازاء هذه التجاوزات، ودعا الى مثول المسؤولين عنها امام العدالة. لا شك في ان هذا الاعتراف البابوي خطوة شجاعة، ومثال ينبغي الاحتذاء به لدى رؤساء الكنائس الاخرى ولدى مرجعيات الاديان غير المسيحية، ذلك ان الانتهاكات الجنسية لا تقتصر على فئة من رجال الدين الكاثوليك وحدهم، بل تطول بعض رجال الدين من الانتماءات الدينية والطائفية كلها.
صحيح انه ليس امرا جديدا ان يسقط اسقف او كاهن في الخطيئة. لكن العثرة التي يسببها هذا السقوط هي اعظم من خطيئة المؤمن العادي. ذلك ان الناس يرون في رجال الكهنوت قدوة لهم في الترقي الروحي والسلوك اليومي. وهذا خطأ شنيع، فالمثال واحد وهو المسيح، و ليس من مثال سواه. من هنا، لا ينبغي ان يصاب المرء بالصدمة جراء انكشاف خطيئة احد الحاملين سر الكهنوت، فالكاهن كائن بشري كسائر البشر قابل ارتكاب الخطايا طالما هو يحيا في الجسد، وبخاصة حين يستغل بشكل منحرف سلطته الروحية والادبية على مريديه الذين سلموه امرهم لكونه بالنسبة اليهم يمثل المسيح على الارض. وحين يقترف كاهن ما الخطيئة فالغالب ان تكون تجاه من هم تحت سلطته المباشرة.
الكنيسة منذ نشأتها سنّت قوانين وتشريعات لتضبط انحرافات المؤمنين وعلى رأسهم رجال الكهنوت، ذلك انها ادركت الاغراءات التي يمكن ان تكون لهم سببا لسقطات مريعة. وليس للكنيسة توهمات او رؤى غير واقعية في هذا الصدد. فالقوانين تقرّ صراحة ضرورة عزل رجل الدين الى اي رتبة انتمى عن وظيفته لأمور عديدة اكثرها مما يمت بصلة الى سلوكه في حياته الجنسية ان كان متزوجا، او الى عدم التزامه بالانقطاع عن الممارسة الجنسية ان كان عازبا. وقد كانت الكنيسة حازمة في تطبيقها روح هذه القوانين على مر التاريخ الى ان تراخت بعض الشيء في عصرنا الراهن.
يبدو لنا، ومن دون ان نشاء الاختزال، ان ثمة نزعتين في الكنائس الغربية. النزعة الاولى تنحو الى التشدد في الحياة الجنسية لرجال الدين اذ ما زالت ترفض الى الان تكريس كهنة متزوجين، مع العلم ان العديد من الكهنة اقاموا علاقات خارج اطار الزواج وانجبوا اطفالا واعترفوا بهم ابناء شرعيين لهم. الزواج الذي تسمح به الكنائس الشرقية لكهنتها قد يكون حلا يمنع بعض الحالات الشاذة، لكنه في المقابل قد لا يحصن بعض الكهنة فيمنعهم من اقامة علاقات غير سوية مع غير زوجاتهم.
اما النزعة الثانية فتميل الى التفلت الكلي في ما يخص الحياة الجنسية الى حد السماح بالزواج المثلي حتى بين القساوسة كما هو الحال في بعض الشيع البروتستانية غير التاريخية، وحيث بات التشريع المدني في بعض الدول الاوروبية يقبل به. وفي هذا مخالفة صريحة لتعاليم العهد الجديد. وبولس الرسول يذكر بين الذين لن يرثوا الملكوت السماوي "الفجار والفاسقين والزناة ومضاجعي الذكور ومرتكبي الفحشاء" (كورنثوس الاولى 9,6).
لا يكفي ان يعتذر قادة الكنائس عن اعتداءات الاساقفة والكهنة على ضحاياهم من القاصرين او من البالغين، فثمة ضحايا ما زالت تعاني من هذه الاعتداءات التي تركت فيهم جروحا بليغة في ارواحهم من الصعب ان تندمل سريعا. ينبغي ان تكون الكنائس اكثر صرامة حين اختيار المسؤولين عن الرعاية. فلا يمكن تسليم النعاج الى رعاية ذئاب خاطفة لا ترغب الا بتشهّيها ونهشها. ما ينفع اكثر من الاعتذار هو خطوات عملية تمنع الاضطرار اليه.
لكن تبقى في الختام كلمة حق تقال عن اساقفة وكهنة قديسين ما زالوا يشهدون للمسيح من خلال عيشهم في عالمنا اليوم بحسب الاخلاقية المسيحية. ولولا هؤلاء لما تحدثنا عن عمل الروح القدس الذي يقود الكنيسة الى ان يبطل هذا الدهر وشياطينه.\


الأب جورج مسّوح 

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...