هل يخسر الجمهوريون البيت الأبيض؟

14-02-2008

هل يخسر الجمهوريون البيت الأبيض؟

فيما يقترب موعد تسمية الحزب الجمهوري لمرشحه في الانتخابات الرئاسية النهائية، يزداد تيار المحافظين في الحزب تأرجحاً بين خياري دعم المرشح الاكثر حظوظاً بالفوز، السيناتور جون ماكين، أو اللحاق بما يصفه أهل البيت المحافظي بأنه «ثورة مجون ماكينفتوحة» لهؤلاء، تفجرت في الانتخابات الراهنة بعد نقمة متراكمة على أداء السياسيين الجمهوريين في السلطة.
لقد حاول ماكين باكراً، في هذه الانتخابات، بناء علاقات جيدة مع المحافظين عبر بلوغ الانجليكانيين النافذين، الذين سبق ووصفهم بالمتشددين. لكن تودده إلى اليمين أبعد عنه المستقلين والمعتدلين الذين أعجبهم خطابه المستقيم. وبحلول تموز الماضي، أصبحت حملة ماكين مكسورة افتراضياً، وترشيحه بحكم المشطوب من قبل المعتدلين والمحافظين على السواء.
والان، بات ماكين «غير راغب بالانحناء وتقبيل الخاتم» لخصومه، كما يقول أحد مستشاريه. ويقول ماكين نفسه «أنا لا أصغي إليهم... أنا لم ألتقِ بهم حتى»، مضيفاً «أنا لا أستمع حتى إلى (الناشط) راش (لمبوغ)... لست مازوشياً».
وراش لمبوغ، الاكثر ظهوراً بين المحافظين، يؤكد أن من شأن تسمية الحزب الجمهوري لماكين مرشحاً رئاسياً «أن تدمر الحزب»، فيما يضيف ناشط محافظ آخر، هو هاغ هيويت، أن ماكين «ليس سوى سيناتور حقير وجمهوري فظيع».
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، وصفت الكاتبة والروائية المحافظة آن كولتر، والتي تعد كتبها بين الاكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، ماكين بأنه «خائن» للمحافظين لدرجة أنها مستعدة لتقترع للمرشحة الديموقراطية السيناتور هيلاري كلينتون فيما لو تمت تسمية ماكين للسباق الرئاسي، مضيفة «الامر الوحيد الذي قد ينفع (لتغيير قراري) هو أن يضع (ماكين) مسدساً في رأسي».
وقد أقدم أحد أبرز القادة الانجليكانيين، جيمس دوبسن، على التدخل لأول مرة في انتخابات الحزب، متبيناً مايك هاكابي بوجه ماكين، لأنه لا يمكن له أن يصوّت «بضمير حي» لهذا الاخير.
رغم هذه الحملة الشرسة ضد ماكين، إلا أن استطلاعات «نيوزويك» الاخيرة تظهر أن له مركز الصدارة بين المحافظين، بفارق طفيف عن منافسه الجمهوري الواعظ المعمداني السابق مايك هاكابي، فيما يقول 76 في المئة من الجمهوريين و69 في المئة ممن يصفون أنفسهم بالمحافظين بأنهم يرحبون بتسمية ماكين مرشحاً للجمهوريين.
هذا المشهد المتناقض في بيت المحافظين الاميركيين ليس جديداً. فالتاريخ يكرر نفسه في الكتاب الجمهوري: في العام ,1988 اجتمع المحافظون خلف جورج بوش الاب بعدما انتقل إلى جناح اليمين، بعدما كانوا حرموه أصواتهم في انتخابات العام 1980 التي فشل فيها كمرشح معتدل. ولم يكن المحافظون قط مرتاحين تماماً لبوش الاب، الذي جردوه من أصواتهم في انتخابات العام 1992 لصالح رئيس ديموقراطي هو بيل كلينتون.
لقد تعلمت الولايات المتحدة، من الانتخابات الرئاسية السابقة في عامي 2000 و,2004 أن كل صوت له قيمته. تزداد قيمة هذا الدرس، مع تقلص هامش الفارق في الفوز المتوقع بين المرشحين في السابق النهائي المنتظر في تشرين الثاني المقبل. وهذا يعني أن حفنة من المحافظين في وسعهم منح البيت الابيض للديموقراطيين، بمجرد الامتناع عن الاقتراع.
السؤال المطروح على المحافظين، اليوم، يكمن في ما إذا كانوا سيقفون إلى جانب ماكين كما فعلوا مع بوش الاب في العام ,1988 أم سيقدمون الرئاسة، بدافع «التأديب»، لمرشح ديموقراطي كما فعلوا في العام 1992؟
وفقاً للاستطلاعات، تقارب حظوظ فوز ماكين، وسط نداءاته المغازلة لمزاج الديموقراطيين المحافظين والمستقلين، تلك التي يحظى بها المرشحان الديموقراطيان الرئيسيان باراك أوباما وهيلاري كلينتون. لكن الاستطلاعات تظهر حماساً أقل لماكين بين الجمهوريين في حزبه، من ذلك الذي يبديه الديموقراطيون حيال مرشحيهما باراك وأوباما.
وفي الكواليس الانتخابية، يقول مستشارون لماكين إنهم يخشون أن يبلغ الامر بنقمة المحافظين عليه حد إلحاق الاهانة به علناً في مشهد انتخابي مشين مثل «رمي البندورة» عليه!
وقد حرص «بطل فيتنام» السابق، خلال خطابه أمام مؤتمر المحافظين السنوي الذي عقد في فندق في واشنطن بين السابع والتاسع من شباط الحالي، على التأكيد على أنه «محافظ فخور». وكرر لست مرات «أنا جمهوري»، فيما بدا جمهوره غير متأثر، وبالكاد صفق بعضهم لباقة في نهاية خطابه.
ويأخذ المحافظون على ماكين خاصة: دعمه مشروعاً مالياً يجرد جماعات الضغط (وبينها المحافظة) من التأثير بواسطة المال؛ انضمامه إلى «عصابة الـ14» عضواً في مجلس الشيوخ التي مهدت الارضية لتسمية موضوعية للقضاة المحافظين؛ دعمه تسوية معتدلة ومتعاطفة نوعاً ما حول الهجرة غير الشرعية؛ دعم قانون يقيد بعض الشيء من حرية حمل السلاح... هذه المواقف وغيرها هي بمثابة «ردات» جمهورية بنظر المحافظين، وهي «أكثر من أن تحصى» كما يؤكد أحدهم.
ويقول الناشط المحافظ العريق ريتشارد فيغاري إن «المحافظين هم الان في ثورة مفتوحة»، مضيفاً «لقد عوملنا بجور من قبل السياسيين الجمهوريين... وكأننا جيران من دولة مجاورة، يدعوننا إلى الزفاف ولكن يجلسوننا في المقاعد الخلفية».
يعرف ماكين أن هذه «الثورة» المحافظية تمثل مشكلة عملية حقيقية تفصله عن البيت الابيض. ويعترف أحد مساعديه بأن حملة جمع التبرعات واجهت شحاً مفاجئاً في العام الماضي، إبان دعمه قانون الهجرة المعتدل، الذي يسمح للمهاجرين غير الشرعيين بالحصول على تأشيرات دخول وفق شروط معينة.
لكن، لماذا لا يسهّل ماكين الامر على الجمهوريين بمكالمة هاتفية بسيطة مع أشخاص مثل دوبسن مثلاً؟
يجيب ماكين بتحد واقتضاب «أعرف ما المطلوب لتوحيد الحزب»، في وقت يلوح فيه أن التيار المحافظ، القوة الاكثر هيمنة على المشهد السياسي الاميركي منذ عهد رونالد ريغان، بات متعصبا لدرجة أنه قد يختار «الطهارة محل النصر».

المصدر: السفير نقلاً عن نيويورك

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...