مشافي غزة: مقتل 90 مريضاً و1500 آخرين ينتظرون مصيرهم
تحوّلت المسنّة عطاف العامودي إلى مجرد رقم على قائمة شهداء الحصار من المرضى في قطاع غزة، قبل أن يتحقّق حلمها وتكتحل عيناها برؤية جثمان نجلها الشهيد فادي، الذي تحتجزه قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ أربعة أعوام.
رحلت أم فادي بعد صراع طويل مع أمراض عديدة، أصيبت بها حزناً على استشهاد فادي، ومن بعده نجلها الثاني باسل. والتحقت بنحو 90 مريضاً على قائمة «شهداء الحصار»، الذين فقدوا حياتهم بفعل منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي سفرهم للعلاج في الخارج.
وقال أدهم، شقيق الشهيدين، إن والدته «أصيبت بالضغط عقب استشهاد فادي، قبل أن تشتد عليها الآلام وتنخر في جسدها الهزيل، ويصيبها مرض الفشل الكلوي، حزناً على فادي، الذي دأبت سلطات الاحتلال على رفض تسليم جثته لوداعه ودفنه».
وأضاف أدهم «كانت الحاجة أم فادي تتمنى أن يكون لابنها قبر تزوره كلما اشتد بها الشوق إليه». وتابع «لم تكن والدتي تتمنى الشفاء من أمراضها بقدر دعواتها الدائمة بأن ترى فادي وتودعه قبل موتها»، مشيراً إلى أن آلامها كانت تشتد كلما شاهدت جنازات تشييع الشهداء، فتتذكر فادي الراقد في «مقبرة الأرقام الإسرائيلية». وقال أدهم، الذي تبرع لوادته بإحدى كليتيه من أجل إنقاذ حياتها، إن سلطات الاحتلال رفضت السماح لها مراراً بمغادرة القطاع للمراجعة في مصر من خلال معبر رفح، أو السفر عبر معبر بيت حانون.
الحصار وإغلاق المعابر المضروب على القطاع، يُلقي بظلاله الكئيبة على الأوضاع الإنسانية، ليبقي نحو مليون ونصف مليون فلسطيني داخل سجن كبير، وسط ظروف إنسانية قاهرة.
وبحسب المصادر الطبية، فإن أكثر من ألف مريض في القطاع تتعرض حياتهم لخطر الموت جراء الحصار، وفي ظل ضعف الإمكانات في مستشفيات القطاع، ومنع دخول الدواء.
الطفلة أميرة جحا (15 عاماً) تمثل نموذجاً آخر لمعاناة المرضى في القطاع. ولدت أميرة وهي تعاني تضخماً وتليفاً في الكبد والطحال وإغلاقاً في القنوات المرارية، وتحتاج إلى العلاج بسرعة كي لا تتدهور صحتها أكثر فأكثر، تستصرخ قائلة: «افتحوا المعابر، أنقذوا حياتي».
منذ نحو شهرين لا تجد أميرة أي صنف من الأدوية السبعة التي تُعالج بها، وهي تدرك، رغم حداثة عمرها، ما يدور حولها والمصير الذي ينتظرها بفعل الحصار. تقول بصوت حزين «سأكون واحدة من هؤلاء المرضى الذين فقدوا حياتهم، إن لم تدركني رحمة الله». وتضيف «أحتاج إلى إجراء عملية زراعة خلايا كبد، على أمل أن أعود إلى حياتي الطبيعية وأشارك صديقاتي في الدراسة واللعب».
تلعثمت أميرة وهي تلهث بكلمات بسيطة عن المرض والموت، سبقتها دموعها وهي تناشد الجميع أن يسمحوا لها بالسفر للعلاج. تحكي قصتها بلهجة تهز المشاعر، إنها تشعر بأن الموت يقترب منها يوماً بعد آخر. لهجتها تدل على وعيها لمعنى الموت ونهاياته.
كُتب على الطفلة أميرة أن تعيش لتكابد الآلام، فالحصار الذي قضى على كثير من جوانب الحياة الإنسانية في غزة لم يستثنها. الطفلة التي أنهك جسدها النحيل المرض جاء الحصار ليكمل على ما بقي من آمال أسرتها التي باتت ضحية أخرى لحصار تمنياتها لابنتها بالشفاء.
أميرة تحلم كثيراً بأنها تؤدي مناسك الحج، وترفع يديها إلى السماء وتدعو أن يشفيها الله. الأحلام الكبيرة التي رسمتها في مخيلتها تتبدّد يوماً بعد آخر وتنتظر مصيرها الذي طاول حياة الكثيرين من أمثالها صغاراً وكباراً.
قصّة وسام أبو سلطان معاناة جديدة تضاف إلى القائمة المفتوحة. مرضه القديم الحديث يحتاج الى متابعة دائمة لدى أطباء متخصصين، فحالته نادرة ومرضه غير مسبوق. غالبت الأحزان والأسى نبرات الطفل وهو يناجي العالم لينظر إلى معاناة مرضى غزة بعين الرحمة.
بدأت قصة وسام مع المرض مع الساعات الأولى التي تعلّمت فيها قدماه أولى خطوات المشي، قبل نحو أربعة عشر عاماً، حين ذهب أول مرة إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة يشتكي من بعض الندبات التي نمت في باطن القدم، ليتطور الأمر بشكل سريع ويتحوّل إلى تكلّسات جلدية على كامل منطقة الكعب والمشط، ويحار الأطباء في تشخيص هذا المرض. ولا يزال يبحث مع والده عمن يساعدهما على إيجاد أي حل لهذا المرض الجلدي الغريب، الذي أثّر في معظم المهمات في جسمه، بفعل التشخيص الخاطئ، ليعيش رحلة عذاب قاسية مع المرض.
يقول والد وسام: «بعد سنوات طوال، وجدنا الأمل في شفاء وسام بأن أسافر بصحبته إلى أحد المستشفيات المصرية، التي تمكّنت، بحسب المعلومات، من التوصل إلى تشخيص لهذا المرض. لكن ما زلنا ننتظر منذ ثمانية شهور إذن المغادرة، بينما تكاد الآلام تفتّت كبد ذلك الصغير الذي يجهل مرضه ولا يعرف منه إلّا المعاناة».
قد لا يكون وسام معرّضاً للموت، إلا أن حجم الآلام التي يعايشها أقوى من أن يتحمّلها عقله وجسده، فوسام، كما يقول والده، «لا يتعدّى وزنه 30 كيلوغراماً، فهو لا يأكل ولا يعرف طعماً للنوم بسبب الألم الذي يبقيه يتلوّى طوال ساعات الليل والنهار».
رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، النائب جمال الخضري، يقدر عدد المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج في الخارج سريعاً بنحو 1500 مريض، وإلّا فسيتعرّضون لخطر الموت في كل لحظة. يقول «رغم إطلاق الكثير من التحذيرات من جانب جهات حقوقية وطبية متعددة، إلّا أن شيئاً لم يتغير، فالفلسطينيون يفارقون الحياة، ومنهم من ينتطر ذلك المصير المحتوم نظراً لحرمانهم تلقّي العلاج في الخارج».
وتعاني مستشفيات وزارة الصحة في القطاع ومستودعاتها من نفاد 107 أصناف من الأدوية الخاصة بمرضى الكلى والسرطان، بينما يوشك نحو 97 صنفاً من الأدوية على النفاد خلال أسابيع قليلة.
رائد لافي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد