اصطياد جائر للأراضي على سرير الفرات
يتعرض نهر الفرات لغزو مستمر جارف لن يترك من النهر إلا مجراه الذي تسير فيه المياه فمنذ انحسرت مياه النهر والخلق يزحفون عليه لقد كان النهر حدا لأرض فلان أو علان,لكن هؤلاء كلما انحسر النهر ساروا وراءه وحازوا الأرض التي تركها النهر بل لم يعودوا يكتفون بما تنحسر عنه المياه فهم يأتون ببقايا مقالع ويردمون المياه الضحلة من النهر فيكسبون أرضا لا تقدر بثمن هي بطبيعتها ملكية عامة لأنها جزء من مجرى نهر الفرات
والوثائق التي يبرزونها على أساس أنها وثائق ملكية هي لأرضهم التي يحدها النهر وليست للأرض التي ينحسر عنها النهر.
وهم لا يعرفون أنها ذر للرماد في العيون أو تخدير للضمائر التي ما زالت حية...إلا أن الحقيقة أن ذلك لا يمنح هؤلاء ولا أولئك وهما يغطي النوايا التي لا يمكن الدفاع عنها إلا إذا تلفعت بأردية شرعية لا يملكها أحد! فهم لا يتوهمون بل يدركون أنهم يدافعون عن أرض لا يملكونها ولكنهم يريدون الاستيلاء عليها وهذه الإدعاءات مداخل لذلك الاستيلاء غير الميمون!.
لا أحد ينكر أن هؤلاء بحكم موقع أرضهم يجاورون النهر لكنهم لا يملكون مجراه,لا أحد يملك هذا المجرى من قبل ولا أحد سيملكه من بعد فالنهر ومجراه ملكية عامة وله حرم لا يمكن اختراقه علما أن عرض مجراه في أشهر الشح تزيد على مئتي متر وتصل في الفيضان إلى كيلو متر واحد وربما بلغت 9 كيلو مترات في بعض الفيضانات!نهر الفرات ليس ساقية!.
شهادة زور
لا أهمية لشهادة البلدية التي تمنحها بعض البلديات الواقعة على النهر في أن فلانا أو أرضه تحاذي النهر إن شهادة الحق هذه تبطن شهادة زور وتحاول أن تغطي نوايا الاستيلاء التي في قلوبها مرض بشبهة حقوق مجرد الشهادة بأن الرجل مجاور...وهذا جسرها-من الجسارة والإقدام-على أن تدافع عن هذه الشهادة التي لا تنطلي على أحد ولا تمنح حقوقا لمن لا يملكونها في الأرض العامة لكنها تهوش لغايات في نفس البلديات لأن البلديات لم تتحول بعد إلى مؤسسات عامة تحرص على حقوق الناس أجمعين وحين تصبح كذلك لن نكون بحاجة لكتابة ما كتبنا!.
ماذا تنتظرون?
بعض المواطنين يبنون في مجرى النهر المنحسر المياه وهم يقولون إن لم نفعل ذلك سيأتي غيرنا وسيبني بيننا وبين النهر وقال أحد هؤلاء:إن الناس حرضوهم على البناء في سرير النهر و قالوا لهم:هل ستنتظرون حتى تسرق الأرض منكم?!( لقد أسدوا لهم النصيحة وليت هؤلاء ينصحون أنفسهم) ويضيف: حتى لو لم يعمر هؤلاء بيننا وبين النهر فإن هناك آخرين يستولون على الأرض المحاذية للنهر أو في سريره بحجج إقامة المشاريع السياحية أو بإقامة المتنفذين جمعيات سكنية أو سياحية أو حتى مسامك لتربية الأسماك التي نقتلها على طول مجرى النهر والبحيرات بصيدنا الجائر لها وها نحن إذ نقوم بعملية صيد جائر للأراضي العامة,الأراضي التي ليست لنا بل هي للوطن كله وهي إن أجرت لجهة عامة تظل لنا فيها حقوق وإن أجرت لجهة خاصة للاستثمار نالت بلدياتنا حقوقا على ذلك مع بقاء الاعتراف بأنها ملكية عامة..!
أما الطرق التي لم يتم فيها الاستيلاء على الأراضي حاليا فإنها تشبه الصيد الجائر فهي استيلاء جائر أىضا سيجعل أهل الرقة دون نهر الفرات فعلا إذ لن يبقى لهم طريق للوصول إليه وعلى المعنيين أن يزوروا ضفاف النهر بين الجسرين وشرقهما وغربهما فالأراضي توزع ويجري الاستيلاء عليها دون إعلان!.
في قلب مجرى النهر من الضفة اليمنى ( الشامية) أقيمت أسوار تحدد حدودا لمنشآت غامضة-إضافة إلى الفيلات الواضحة على النهر-لا أحد يعرف ما هي إذ لا يقوم منها إلا السور الغامض المشرف على المياه وهو يضم بضع شجيرات متناثرة ستزداد يوميا ما يذكرنا بالزيتون المحتال في برارينا والذي ما زال يواصل احتياله على الأراضي,فالزيتون يضع يده عليها ويحرم الخلق منها في البراري وفي سرير النهر أيضا ولا يتوقف الأمر هنا فقط بل إن الحوائج أو الجزر التي تظهر في النهر نفسه يتم غزوها من قبل المشمرين,المحتزمين,الجاهزين للمكاسب التي تحتاج إلى ( كمزة) وثبة إذ يبادر كثيرون لوضع يدهم على الحوائج بحجة إقامة منشأة سياحية شعبية لا يصرفون فيها أحمر ولا أصفر ولهذا فهي منشأة خلبية عادة أو قد يسمحون لبقراتهم أن تعبر إلى الحويجة لتكون مرعى لها وهكذا تصبح البقرات هي الحيالة التي تضع يدها على الحويجة .
والحقيقة أنهم لو استثمروا تلك الأرض الخصبة في زراعة المحاصيل أو رعاية البقر لهان الأمر وظل مقبولا فهذه الأعمال لا تغير طبيعة الأرض بل تحتفظ لها بوظيفتها الأساسية ريثما تقوم الجهات العامة بتوظيفها واستثمارها لكن ما يحدث هو تغيير للبيئة وكسب للمزيد من العقارات للبناء وهم بهذا كله يتصرفون كما تصرف سلفنا البدوي الذي عطش في شهر رمضان فغطس تحت مياه النهر وشرب حتى ارتوى وقال لرمضان:أنت لا تعرف حيل الرجال.
أخيرا نقول: نحن نعرف حيل الرجال بل إن حيل الرجال والزيتون والجمعيات والمنشآت والمتنفذين والفيلات والأسوار الغامضة والبقر كلها مكشوفة إذ يتم الاستيلاء على المستقبل السياحي للمنطقة وذلك بالاستيلاء على النهر وعلى الضفتين شامية وجزيرة,يوما إثر يوم ويخسر المواطنون نهرهم وضفافه وسيكونون خالين منه ومن ضفافه قريبا جدا إذ لا نهر في الرقة فما لا تستطيع الجهات العامة أن تملأ فراغه سيملؤه المتصيدون للفرص العكرة...وما أكثرهم..إنهم نحن جميعا..!
محمد جاسم الحميدي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد