رحلة إلى الحياة الثانية
توجهت إلى الحياة الثانية لتغطية أخبارها.. وقد يتساءل البعض وأين توجد هذه الحياة؟ وهل ستعود منها؟ أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابة..
بداية .."الحياة الثانية" أو "السكند لايف" هي عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد أطلقه فليب ليندن عام 2003 من مختبره في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، ويبلغ عدد سكانه 1.3 مليون نسمة وتنتعش به السياحة حيث يزوره سنويا حوالي 7 مليون سائح.
والمشترك يبدأ حياته في "الحياة الثانية" بالتسجيل في خدمتها ليصبح أفاتار avatar وهي كلمة تعني بالهندية التجسد، وبعد التسجيل يصبح شخصية افتراضية يمكنه التفاعل والتعايش مع أمثاله بالصوت كما يمكنه ممارسة مختلف أنواع الأنشطة.
بعد أن أتممت التسجيل أصبحت في "الحياة الثانية" المواطن ويلي بومونت Welly Beaumont وقد حرصت في اختيار الاسم أن تكون حروفه الأولى مماثلة للحروف الأولى من إسمي الحقيقي، كما اخترت شكلا لرجل يبدو شارد اللب مندهشا ومن ثم فانه يشبهني إلى حد كبير.
لم تكن بدايتي سهلة في الحياة الثانية فقد كان علي تعلم المشي والحركة.. تماما كالطفل الصغير وبعد الكثير من الصعوبة والتعثر أمكنني ذلك.
ثم تعلمت الطيران وحلقت فوق أسوار "الحياة الثانية" شاقا طريقي داخل هذا العالم الجديد.
بدأت جولتي في المكان بالملابس التي تفضل بها الموقع علي، وهي في الواقع ملابس رثة أشبه بالملابس الداخلية وقد جعلت هيأتي أقرب إلى المتسول، ولكن ما العمل حيث لم أستطع لأسباب تقنية ارتداء الملابس المجانية المتاحة، كما لم أقدر لأسباب اقتصادية على شراء ملابس جديدة.
ظللت أسير وأحلق لساعات بغير هدى بين المروج الخضراء والصحاري والجبال وتحت الماء، انطلقت إلى أماكن رومانسية خلابة في العديد من البلدان الافتراضية كايطاليا واليابان.
بحثت عن زملاء المهنة حيث أن لوكالة رويترز للأنباء مكتبا كبيرا هناك، فقمت بزيارة مبنى الوكالة الفاخر (الافتراضي طبعا) واستعرضت بعض الأنباء.
بهرتني المراكز التجارية حيث أن لكبريات الشركات العالمية فروعا في هذا العالم الذي تجاوز الخط الرفيع بين الحقيقي والافتراضي فيما يتعلق بالاقتصاد.
واصلت رحلتي حيث زرت مسجدا ومعبدا يهوديا وكنائس مسيحية..
وبعد قضاء نحو الساعة في رحاب الرب إرتأيت قضاء ساعة أخرى للقلب فطرت إلى منتجع دهب المصري الافتراضي وإلى بلاد المغرب الافتراضية.
وفي الواقع فان "الحياة الثانية" تحظى بالاعتراف الدبلوماسي من قبل المالديف والسويد حيث افتتحت كل منهما سفارة لها هناك.
واصبحت الحياة الثانية بمثابة هايد بارك افتراضية فقد انتشرت بها المنابر السياسية وكانت جبهة ساخنة خلال الانتخابات الفرنسية الأخيرة حيث احتدم الجدل بين أنصار نيكولا ساركوزي وسيجولين رويال.
كما افتتحت السيناتور هيلاري كلينتون التي تسعى للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية مركزا انتخابيا في الحياة الثانية.
وأقامت أكثر من 70 جامعة فروعا لها في الحياة الثانية. ويستعد المركز الثقافي البريطاني لافتتاح ثلاث جزر لتعليم اللغة الانجليزية في الحياة الثانية.
وقد وقعت عدة هجمات إرهابية في الحياة الثانية باستخدام قنابل نووية افتراضية.
وقد أعلنت مجموعة تطلق على نفسها جيش تحرير الحياة الثانية مسؤوليتها عن تلك الهجمات، وقالت إن هدفها هو الاطاحة بالحكومة الفاشية للشركة التي تدير الموقع وإقامة نظام ديموقراطي في الحياة الثانية.
ولم تخل الحياة الثانية من مختلف أشكال الجريمة..
فمنذ مدة اعتقلت الشرطة اليابانية رجلا كان يبيع مسروقات افتراضية مقابل أموال حقيقية.
كما فتحت الشرطة البلجيكية مؤخرا تحقيقا في جريمة اغتصاب افتراضية وقعت في الحياة الثانية.
وكما هو الحال في الحياة "الأولى" يوجد أيضا من يتعاطى المخدرات في الحياة الثانية.
أردت زيارة أحد النوادي الليلة لألتقي بالشباب في هذا الموقع ولكنني وجدت نفسي في ناد من نوع آخر، ومن باب الفضول الصحفي قررت إلقاء نظرة على ما يحدث هناك.
ارتمت حسناء افتراضية أمامي على طاولة بلياردو كما ولدتها أمها (الافتراضية طبعا)، تذكرت زوجتي، وهي بالمناسبة حقيقية وليست افتراضية، كما تذكرت أمرا آخر وهو أنني لا أعرف في هذا العالم سوى المشي والطيران فطرت وأنا اسأل نفسي .. هل يوجد في العالم الافتراضي علاج لهذه الحالة؟ حينئذ خيل لي أنني رايت نظرة ساخرة في عيني ويلي .. يا له من خبيث.
وتتمتع الحياة الثانية باقتصاد قوي و270 دولارا من عملتها الافتراضية "ليندن دولار" تساوي دولارا أمريكيا واحدا.
وكان الناتج القومي للحياة الثانية قد بلغ عام 2006 حوالي 64 مليون دولار أمريكي.
وهناك العديد من كبريات الشركات العالمية تمارس نشاطها في الحياة الثانية مثل آي بي ام، وتويوتا، وكوكاكولا، وسوني، وأديداس وغيرها.
وتزدهر السياحة هناك لذلك أنشأت شركة "ستار وود" للفنادق نسخة افتراضية من سلسلة فنادق لوفت التي تعتزم افتتاحها عام 2008.
وإلى جانب رويترز، كانت بي بي سي من المؤسسات الاعلامية التي أبدت اهتماما بالحياة الثانية فنظمت مهرجانا موسيقيا هناك حضره نحو 200 ألف شخص.
كما بثت بي بي سي إحدى حلقات "برنامج المال" في دار سينما ريفرس ران ريد في الحياة الثانية في نفس وقت عرضه على قناة بي بي سي الثانية.
وهناك أيضا قناة سكاي نيوز وهي لها جزيرتها الافتراضية المطابقة تماما لمواصفات الاستوديو الخاص بها في الواقع.
واصلت تجولي في الحياة الثانية وتعرفت في أحد النوادي الليلية على ليندا أول من يعرض علي المساعدة في "الغربة".. علمتني الجلوس وتحريك يدي وعرضت علي النوم في بيتها بدلا من الأرصفة الافتراضية كما عرضت تعليمي كيفية تناول الطعام والشراب وكل شئ.
بعد أن تحمست لهذه الدعوة الكريمة فتر حماسي بعد أن علمت من ليندا طبيعة عملها في الحياة الثانية.. إنها تمتهن "البغاء الافتراضي" وبررت ذلك بأنها بحاجة للأموال كي تعيش..
أمرت ويلي بأن يعتذر لها عن قبول الدعوة، فهيئ لي أنني لمحت خيبة أمل في عينيه.. آه منك أيها اللعين ويلي.
اعتذر ويلي مكرها وطار..
أرسلته مرة أخرى إلى المسجد والمعبد والكنائس لعله يتعظ ويتذكر آخرته الافتراضية بعد أن أغوته الحياة الافتراضية.
وبعد زيارة بيوت الله، ارتأيت أن أرفه عن "ويلي" قليلا فطار إلى أحد الشواطئ حيث تعرف على الفتاة ميرا وأخذا يرقصان..
بحثت عن الوجود العربي في هذا العالم فوجدت عددا من مواطنيه من أصول عربية أو بمعنى أدق ينتمون إلى العالم العربي في الحياة الواقعية.
ومن بين هؤلاء السكان المواطن الافتراضي ميم بيك mem beck الذي يحمل في العالم الحقيقي إسم عزت القمحاوي الصحفي في جريدة الأخبار المصرية ويقول "إن فكرة وجود موقع على الانترنت يعرض حياة بديلة للحياة الواقعية كانت فكرة مدهشة بالنسبة لي، فدخلت الموقع".
ولكن لماذا يهجر الانسان حياته الواقعية إلى مثل هذه الحياة الافتراضية؟ يجيب عن هذا السؤال الدكتور أحمد البحيري استشاري الطب النفسي ومدير مستشفى العباسية في مصر قائلا" إن التخيل كان دائما يحتل مكانا بارزا في حياة الانسان وهو أساس تطور الانسان فكل ما تم إنجازه كان يرتكن أصلا إلى الخيال ولكن الاغراق فيه أمر سلبي".
وتقول التقارير إن سكان الحياة الثانية يقضون ما بين 4 و10 ساعات يوميا في هذا العالم الافتراضي، وعن ذلك يقول الدكتور كمال عمران رئيس قسم الاجتماع بجامعة دمشق "إنها ظاهرة هروب من الحياة الحقيقية إلى حياة متخيلة بسبب عدم التكيف مع الواقع".
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد