ازدواجية الانتماء متعبة لكنها جسر تواصل لشبان سوريين
أفضل ما ورثته زينة عن والديها المنتميين إلى مجتمعين ودينين مختلفين هو «التفكير المنفتح»، الذي يعطيها القدرة على تقبل الآخر مهما كان انتماؤه الاجتماعي سواء من حيث الجنسية أو القومية أو الدين.
في صغرها اعتقدت زينة أن نموها بين ثقافتين، إحداهما غربية والأخرى شرقية، أمر طبيعي مقارنة بإخوتها الذين يشاركونها النصف العربي المتمثل بأب سوري والنصف الغربي من أم تشيكية. لكن دخولها إلى المدرسة جعلها تدرك أن ما تحمله من دماء مختلطة حالة لا تتوافر بين بقية زملائها في الصف.
انتماء زينة بيطار (22 سنة) التي تمتهن الصحافة، إلى عائلة مختلطة اجتماعياً بالنسبة الى الجنسية والدين، أمر يمنحها واخوتها طابع الخصوصية لشخصيتهم، لكنه لا يبقي وضعهم متفرداً في مجتمع سوري عدد أبنائه المغتربين يوازي عدد المقيمين في البلاد، وهؤلاء المغتربون أو من كانوا مغتربين لمدة معينة بغرض الدراسة أو العمل هم من تزوج من أجنبيات بعضهن قبلن العودة مع أزواجهن والاستقرار في سورية، وأخريات رفضن. وفي الحالتين فإن مجرد الارتباط وتكوين عائلة كان عاملاً لنشوء جيل مثل زينة، جزء منه اندمج في مجتمع الأب واستقر فيه، بينما ظل جزء آخر ميالاً للهجرة إلى بلد الأم. يقول هاني (26 سنة ويدرس الطب ): «كوني من أم فرنسية أمر يجعلني متميزاً لإتقاني اللغة الفرنسية إلى جانب العربية، لكن ما يثير حسد زملائي هو الجنسية وجواز السفر الأجنبيان، خصوصاً عندما يدور الحديث عن مخططات الشباب بعد التخرج، والرغبة في استكمال دراستنا العليا في أوروبا مثلاً».
إلا أن هاني الذي يقول إنه يستفيد من زواج والده السوري من أمه الفرنسية، لا يخفي أن ذلك سبّب تناقضاً في شخصيته بين تصرفاته التي لا تنم بالضرورة دائماً عن معتقداته، وتشكو من ذلك صديقته غاليــة التي تستغـــرب تبنيه أفكاراً ومعتقدات متناقضة مع تصرفاته التي يهم غالية منها نظرته الى المرأة، فهاني كما تقول، «ساعات يكون متحرراً بطابع غربي، وساعات محافظاً بمزاج شرقي».
إلا أن «شريف» (24 سنة) وهو من أب فلسطيني وأم بلغارية، لديه رأي مغاير، فهو لا يصف حالته بأنها ازدواجية في الانتماء بقدر ما هي حالة من المزج بين مجتمعين يجد أن من حسناتها قدرة الشاب المنحدر من أصل مختلط على أن يكون جسراً بين المجتمعين بتبنيه إيجابيات الطرفين.
غير أن الشباب يصعب عليهم أن يكونوا جسراً عندما يتعلق الأمر بالانتماء الديني، ذلك أبرز ما يمكن تلخيصه من تجربة يامن (23 سنة) طبيب الأسنان الذي يقر بأنه لن يكرر تجربة زواج والديه المنتمي أحدهما إلى الإسلام والآخر إلى المسيحية. ويصف يامن تجربة زواج والدته المسلمة من والده الذي كان مسيحياً بأنها «تجربة جريئة، تمرد فيها الحب على ما ألفه المجتمع»، لكنه لا ينصح أحداً بها.
ويحاول يامن أن يثني صديقاً طلب مشورته في تكرار ما فعل والداه، بإعطائه أمثلة عن يوم العيد الذي لم يكن لا يامن ولا إخوته يسعدون بقضائه وحيدين بعيداً من العائلة الكبيرة والأقارب... فلا أخوال ولا خالات ولا أعمام ولا عمات. وحتى الآن لم ينجح في لم أوصال عائلةٍ فرقها قرار ارتباط شخصين كانا مختلفين منذ 24 سنة في انتمائهما الديني.
في المقابل تنفي هلا السباعي الاختصاصية في التربية والإرشاد الاجتماعي، إمكان أن تسبب الزيجات المختلطة اضطراباً في تكيف الشباب مع المجتمع، إذا توافر الوعي الكافي لدى الزوجين منذ اتخاذ قرار الارتباط. وتقول إن «من الجائز حدوث مشاكل إذا كان أحد الوالدين متعصباً لانتمائه، فبهذه الحالة سيصعب على الأولاد التأقلم مع البيئة الاجتماعية».
وتجد زينة أن أصعب ما يمكنها التأقلم معه في المجتمع الشرقي هو التعامل مع الآخر بأساليب تغيب عنها الصراحة والصدق اللذان تعتبرهما أقرب من الصفات الغربية.
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد