تطور الطفل
نختلف نحن البشر فيما بيننا. لن يحلم أحد بأن يصف نمو الشخص البالغ ٣٦ عاماً بأنه شيء تقليدي يسري على عموم البشر. ونفس الشيء ينطبق بالطبع على تطور الطفل. فنحن نعلم اليوم أن الأطفال لهم شخصيات من أول يوم. وأن هذه النظرة تعود بالفائدة على نموهم وستعيننا في دور الأمومة/الأبوة للعثور على ما يناسب طفلنا تحديداً.
وهناك، على الرغم من أننا أفراد، أمور توحدنا في تطورنا. فتطور الدماغ مثلاً تحكمه التجارب التي يخوض الطفل غمارها. وكذلك الترتيبات تنضج أيضاً في وتيرة مرتبطة إلى حدٍّ معين بالسن. وتكون الفرصة متاحة أمام الأطفال في سن الالتحاق بالروضة لتعلم عدة لغات في آن واحد ولكن تعلم لغة جديدة بطلاقة في سِنِّنا معشر البالغين أمرٌ أصعب بكثير. وينطبق نفس الشيء على تطور الطفل جسدياً. جميع الأطفال يضعون أيديهم في أفواههم قبل أن يتعلموا التصفيق بها. والقاسم المشترك بين جميع الأطفال هو الرغبة في التواصل واللعب والتنعم بحب الآخرين والتناغم معهم.
إن القاسم المشترك بين الأغلبية هو أن التطور لا يجري كالنهر الراكد بل هو أقرب ما يكون إلى التنقل بين الركود وجَرَيان الشلال. ويجري الحديث أحياناً عن أن التطور يحدث في طَفَرات. ويُبنى الإحباط عند كثير من الأطفال قبل وقوع هذه الطَّفَرات في التطور. ويبدأ الطفل بإدراك أنه من الممتع أن يتقن بعض الأمور ويشعر بالاغتياظ عندما لا تسير الأمور على ما يرام. وقد يكون الإحباط حافزاً جيداً للتطور. فمن المرجح أن الأطفال لم يكونوا ليحصلوا أبداً على ما يرغبونه إن لم يجرؤوا على محاولة قول ما يريدون قبل تمكنهم من التعبير عن أنفسهم تعبيراً صحيحاً.
إن النصوص الموجودة هنا تحاول وصف التطور كما قد يبدو في مختلف الأعمار. فإن لم يتطابق نمو طفلك فإن هذا لا يعني أن طفلك متأخر أو أن أنه مبكر أو أن أنه مختلف. بل تعني فقط أن طفلك شخص منفرد. وعثوركما على أسلوب عَيْشٍ لكما ترتاحان منه، أنت وطفلك، أمر لا نهاية لأهميته مقارنةً بتطور الطفل وفقاً لبعض المعايير. أو أنك، مَعَاذَ الله، تلتزم منحنى تطور الأشخاص البالغين ٣٦ عاماً.
الحياة مع الطفل البالغ ٣ أعوام
لا يزال سن العِناد في أَوْجِهِ لكثير من الأطفال البالغين ٣ أعوام. فإرادة الطفل طاقة يجب أخذها في الحسبان ولغة كثير من هؤلاء الأطفال تتدفق بسلاسة. إلا أن هذا لا يعني أن إرادة الطفل يمكن التنبؤ بها على نحو معين أو أنها ثابتة. فعندما ينمو الدماغ بهذه الكثافة قد ينتاب الطفل شيء من الشعور بعدم الاستقرار في الحياة. ومزاجه قد يتأرجح صعوداً وهبوطاً دون أن يكون للطفل أي فرصة في السيطرة على ذلك. إن الطفل في طريقه لاغتنام الكثير من القدرات. ولكن أغلب الأطفال البالغين ٣ أعوام لم يصلوا حقيقةً إلى ذلك الموضع بعد. وقد ينتابنا الشعور بأن هناك فرقعة في دماغ الطفل. ويقول بعض الباحثين أن هناك مليون مَشْبَك عصبي، أي وصلات بين خلايا الدماغ، في دماغ الطفل. كل ثانية. ومن السهل أن نتصور أن مثل هذا النشاط قد يسبب بعض التقلبات المزاجية.
إن الطفل بحاجة لتوجيه آمن على يد أحد الوالِدَيْن خلال هذه الفترات. إلا أن التحلي لقابلية التنبؤ بما سيجري والتحلي بعدم التناقض لا يُجْدِيَان إلا نادراً. فمزاج الطفل قد يتبدل بسرعة والروتينات التي عَلِقَت بذهنه يوم أمس قد تتهاوى كبيت من قش في اليوم التالي. ولهذا فمن الأفضل في الحقيقةً في حالة أغلب الأطفال في هذا السن التحلي بقدر من المرونة بدلاً من من الالتزام بروتينات صارمة. فالتحلي بشيء من المرونة مع شخص في مرحلة انطلاق التطور أمر قد ييسر الأمر.
يتمتع الكثير من الأطفال البالغين ٣ أعوام بقدر جيد من التوازن والسيطرة على الجسم لدرجة أنهم قادرون على إنجاز معظم الأمور. قد يكون بمقدور الطفل ركوب دراجة العجلات الثلاث ودفع الأُرْجُوْحَة والمشي على أطراف الأصابع والتسلق. وقد يبني الطفل كوخاً من المِخدَّات والبطانيات وقد يفكر في كيفية تشييد الأكواخ ويغضبون إن انهدمت أو إن لم تثبت البطانية. بناء الأكواخ والسفن وتركيب قطع الليجو وتشييد ذلك أمر يتطلب إدراك المكان والجسد وتنسيق الانطباعات وإحساس بحجم الأشياء ووزنها ونسبتها إلى بعضها بعضاً. ينتاب الأطفالَ شعورٌ رائعٌ عندما يتمكنون من بناء عالمهم الخاص بهم.
الكثير بإمكانهم رسم الخطوط والدوائر التي قد تصبح رِجْل برأس. ويجدر الاحتفاظ بأول رسومات يرسمها الطفل. فالتحدث مع الطفل عنها أمر مشوق غالباً ويمنح إحساساً بكيفية رؤية الطفل للعالم.
إن بعض الأطفال قادرون الآن على القص وتصفح الكتب وارتداء أغلب الثياب (على الأقل في روضة الأطفال) بأنفسهم. أما تزرير الملابس فلا يزال أمراً صعباً. وفتح الأزرار أمر أسهل. ويتضح الآن إن كان الطفل أيسر أم أعسر — إن لم يكن هذا اتضح قبل ذلك.
الحياة مع الطفل البالغ ٤ أعوام
تبدأ القدرات والحالة المزاجية عند بعض الأطفال البالغين ٤ أعوام في الاتضاح. قد يكون أساس اللغة والتفكير والأمان العاطفي والسلامة البدنية موضوعاً وبإمكان الطفل (وأنت بوصفك والده) الاستمتاع بكل ما تعلمه. وعندما يبدأ الطفل على هذا النحو في الشعور بقدر أكبر من الاستقرار بخصوص ما يمكنهم إنجازه فإن أطفالاً كثيرين يأخذون قفزة للخروج إلى العالم. وهذه قد تكون تقريباً طَفْرة عاطفية وذهنية للطفل. إن الطفل يعرف كيف سيتواصل ويتصل بالآخرين. فالأصدقاء والأشخاص الموجودون خارج نطاق الأسرة قد يصبحون أكثر أهميةً مقارنةً بالماضي. ولكون الطفل غالباً ما يمكنه إيصال مراده لغوياً فإن الوالد بوسعه الاطلاع أكثر على تساؤلات الطفل. وقد ينطوي تَنْوِيْم الطفل مساءً على أكثر الأسئلة تنوعاً.
أن يكون للطفل أصدقاء يلعب معهم ويكون قادراً على تلقي التحفيز والتحديات أمر يعني الكثير. ومن المهم أن ينتاب الطفلَ الشعورُ بأنه قادر ومسيطر على أشياء في حياته اليومية. وتهدئة رَوْعِ الأخ الأصغر أو دفع عربة الطعام في روضة الأطفال أو تمكن الطفل من ارتداء والأوفرول بنفسه أمر قد يجعله يشعر بالفخر ويمنحه الشعور بأنه ذو أهمية. فالأنواع المختلفة من اللَّعِب أو الخروج إلى الحديقة مع الآخرين أو قضاء وقت في هدوء وسلام مع صديق لطيف أو التمكن من الالتزام بقواعد لعبةٍ ما هي إلا أمورٌ تمنح الطفل مجموعة واسعة من التجارب.
وبطبيعة الحال فإن الأسرة لا تزال نقطة انطلاق للطفل بخصوص الأمان ولكن مشاركة الطفل للقيام بأشياء مع أطفال آخرين أمرٌ يمنح الطفل حافزاً آخر.
يبدأ الطفل البالغ ٤ أعوام في الاتسام بقدر أكبر من الثقة في حركاته. فالطفل يركض أسرع وأكثر انضباطاً ويحب القفز مسافة طويلة ويتحدى نفسه لاجتياز العقبات في أماكن التسلّق أو ما هو متاح. ولربما يكون قد تعلم التأرجح بنفسه في الأُرْجُوْحَة ويحب البقاء في تلك الحركة. إن حاجة الطفل ورغبته الكبيرتان في الحركة أمر يشجع تطوره! ومن المهم إتاحة المجال أمامه للركض والتسلق واللَّعِب. وأما في حالة الأطفال غير الماهرين حَرَكِياً فإننا ننصح بأن يتحركوا في الغابة والمناطق الأكثر وعورةً لأن الجسم يعمل وقتها على تكييف الخطوات وعلى التوازن تلقائياً تماماً. عندما يركل الطفل الكرة أو يقذفها بعيداً فإن التعاون بين العين واليد والقدم يتقدم. وتتاح الفرصة أمام الوالِدَيْن في الغابة أو في الملعب أو ساحة لكرة للإعجاب بكل ما تعلمه الطفل ومنحه التأكيد!
الحركية الدقيقة والتنسيق بين العين واليد مهارتان تكون قد نَمَتَا لدى الطفل البالغ ٤ أعوام وكثير من الأطفال قادرون الآن على استخدام السكين والشوكة ونظم الخرزات بالحبل وارتداء ثيابهم بنفسهم — ما لم تكن الأزرار صعبةً جداً. من كان طبع أقرب إلى التَّمَلْمُل فقد تكون الألعاب اليدوية والمهام الحركية الدقيقة مَبْعَث إحباط سريع ويجب أن يسيروا بخطوات صغيرة، في حين أن غيرهم من الأطفال يرغبون في الجلوس والانشغال لمدة طويلة ويستمتعون بالقدرة على الإبداع. ويبدأ الطفل في هذه السن أن يرسم الأشياء انطلاقاً مِمَّا يرى ويمر به. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب الأطفال قادرين في سن ٤ أعوام على رسم رِجْل برأس، أي رأس مستدير به عينان والساقان مثبتتان بالرأس. فإننا حتى إن قلنا ”يُجَسِّد“ فإنه ليس من المؤكد أننا معاشر أولياء الأمور ندرك ما الذي تصوره هذه القطعة الفنية. اسأل الطفل؛ فلربما أعطاك شرحاً مفصلاً!
مالين بريستروم- أخصائية نفسية مُجازة
إضافة تعليق جديد