منظروا البعث ينقلبون على آبائهم المؤسسين: دخل الله يهاجم العلمانيين ويشبههم بداعش !
قد يساوي خطر الداعشية العلمانية خطر الداعشية الدينية، والفرق بينهما سكين في اليد واستعداد للذبح، أما نهج التفكير ومنهجية الممارسة فهما واحد..
إنه نمط محكوم بالدوغمائية…
والدوغمائية تعني الالتزام بمقولات مسبقة ومطلقة، مقدّسة، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. مقولات تتعدى الواقع والوقائع إلى مجال التأمل والغوص في وحول المطلق..
رأيي صحيح بالمطلق، خالد خلود الخيال، وهو يسبق الواقع، ويعلو عليه، يقيّده، ويستبيحه تماماً، أما رأيك فهو الخطأ بعينه، مناقض للحقيقة نقض الظلام للنور، باطل كله من رأسه حتى أخمصه..
هي داعشية بكل ما في الكلمة من معنى، حيث يتحوّل النقد إلى نقض، والبناء إلى هدم، والتعقل إلى تزمت، والجذب إلى تنفير..
داعشية علمانية تقابل داعشية دينية.. أو لنقل تكفيرية علمانية تقابل تكفيرية دينية. منطق أساسه النفي والتكفير، إنه منطق اللا منطق، حيث ينسحب الاستدلال مهزوماً ومقهوراً..
وكما الداعشية الدينية نفي للدين أصلاً.. كذلك الداعشية العلمانية نفي للعلمانية في الجوهر.. ذلك لأن الدين لا ينفي العلمانية، كما أن العلمانية لا تنفي الدين. فلكل من الأمرين مجاله ودائرته. العلماني يمكن أن يكون متديناً، كما أن المتدين يمكن أن يكون علمانياً..
أدهشني مارأيته مرة في لقاء حواري بين ممثلين للمؤسسة الدينية عندنا ومجموعة من العلمانيين، وكان بعضهم داعشياً علمانياً، أما ما أدهشني، فهو أن المتدينين حاوروا العلمانيين بهدوء ملتزمين ثقافة الحوار، وقالوا لهم: إننا علمانيون مثلكم، لكننا مؤمنون ومتدينون، وهذا لا يعارض ذاك. كان جواب فرسان الداعشية العلمانية رافضاً ومنفراً..
هؤلاء الفرسان تراهم دائماً متأففين مشمئزين، لا يعجبهم العجب، ولا يطربهم الطرب. الإيمان عندهم مجرد وهم وجهل، والمؤمنون غيبيون ضائعون، والحزبيون ضالون مضلون. تراهم مثل زبون حلاق «المنفلوطي» الذي هرول من دكان الحلاق لاعناً الحلاقة والحلاقين والسياسة والسياسيين والناس أجمعين..
تخالهم يعلمون، لكنهم لا يعلمون… لا يعلمون أن النظرية الفرنسية التي كانت أول من دعا للعلمانية لا تفرض الإلحاد شرطاً لهذه العلمانية، وإنما تراها فصلاً للدين عن الدولة، حمايةً للدين وحفاظاً له من آفات السياسة، أما الإيمان وعدمه، فهذه مسألة شخصية تماماً… حتى الحزب العلماني الألماني الحاكم اسمه الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ودول أوروبا العلمانية جميعها تحترم المؤسسة الدينية، وتدعمها لدرجة أنها تعترف، على علمانيتها، بالكنيسة الدولة (الفاتيكان)..
فهل نكون ملكيين أكثر من الملك؟؟.. ثم لنعد إلى الدولة «الإسلامية» الأولى في المدينة وفي العصر الأموي، ألم تكن هناك ظاهرة المواطنة بغض النظر عن الدين؟؟.. ألم تقم الدولة الأموية والعباسية بالتوسع نحو أصقاع الأرض شرقاً وغرباً بالسيف، فيما يعد أمراً منكراً في الدين مقبولاً في العلمانية، حيث أمر الله عباده أن يقاتلوا الذين يقاتلونهم (فقط – دفاعاً عن النفس)، وأمرهم ألايعتدوا إن الله لا يحب المعتدين؟.. لذلك فإن الدولة الأموية والعباسية تعاملت مع العالم بطريقة سياسية علمانية، وليس بطريقة دينية تبشيرية ورحيمة…
ألا ينقص الداعشية العلمانية الكثير من التفكر والتبصر، ناهيك عن معرفة هذا العالم وتاريخه معرفة حقيقية؟..
د. مهدي دخل الله: جريدة البعث
إضافة تعليق جديد