النظام الضريبي يساوي الموظف مع التاجر الكبير
يدفع الموظف صاحب الدخل المحدود ضرائب أكثر من التاجر والصناعي أو صاحب رأس المال، معادلة ضريبية غير منطقية، قد لا تجدها إلا في نظامنا الضريبي، الذي يفتقر إلى العدالة باعتراف أهل «المالية» أنفسهم، من دون أن يسهم ذلك في معالجة هذا الملف المتخم بالتناقضات والتجاوزات، حيث يعد ذلك حاجة ماسة ولاسيما أن إصلاح حاله سيؤدي إلى رفد الخزينة بمليارات الليرات يستفيد منها اليوم كبار المكلفين، بلا أي عوائد على الاقتصاد .
مدير السياسة الضريبية في الهيئة العامة للضرائب والرسوم -منذر مسوغ برر تقاضي الحكومة الضرائب والرسوم من الموظف صاحب الدخل المحدود أكثر من أصحاب الشركات والمهن الحرة بأن المبدأ المطرح بين الضريبتين مختلف، قائلاً : إنه لوضع مقارنة منطقية وعملية للإيرادات الضريبية من أصحاب الدخل المحدود وأصحاب الشركات والمهن الحرة يجب أن يتم اجراء مقارنة بين المطارح، مضيفاً أن الحد الأدنى المعفى من الدخل مختلف أيضاً.
المقارنة غير دقيقة لاستنادها إلى مؤشرات واسعة لا تستطيع إعطاءها الوثوقية، وما تجدر الإشارة إليه أن وزارة المالية والهيئة العامة للضرائب والرسوم تعمل حالياً على إعادة دراسة الضريبة على الدخل الحالية, بهدف الوصول إلى الضريبة الموحدة على الدخل المبنية على عدالة أكبر بين جميع الفئات وموضوعية وإيرادات أكبر (حسبما قال ونوس).
امة للضرائب والرسوم تعمل حالياً على إعادة دراسة الضريبة على الدخل الحالية, بهدف الوصول إلى الضريبة الموحدة على الدخل المبنية على عدالة أكبر بين جميع الفئات وموضوعية وإيرادات أكبر (حسبما قال ونوس).العدالة الضريبية
الخلل الواضح في النظام الضريبي الحالي يضع الموظف وصاحب رأس المال في خانة واحدة، وهو ما عدّه الباحث الاقتصادي د.مدين الضابط، أمراً غير منطقي، «الأدبيات الضريبية تتضمن أن يكون العبء الضريبي الذي يتحمله العامل على أجوره أقل من العبء الذي يتحمله التاجر على الأرباح التجارية والصناعية وغير التجارية». ولفت الضابط إلى أن جوهر الثقة بين المكلفين بالضرائب هو العدالة، وهذا ما نص عليه دستور الدولة.
مدير السياسة الضريبية نفى ذلك بطريقة الهروب إلى الأمام «إنه لا يمكن حساب التهرب الضريبي بشكل دقيق لكونه مخفياً عن الإدارة الضريبية أساساً وفي حال وصولها إلى مطرح يمكنها فرض القوانين الضريبية الخاصة, وتالياً يصبح التهرب من التسديد ولها أدواتها في تحصيله».وأشار مدير السياسة الضريبية إلى ارتفاع نسبة الايرادات الضريبية خلال عام 2019 بنسبة 35% مقارنة مع التقديرات المشار إليها بعام 2018، نظراً لتحسن الظروف الاقتصادية للأعوام الأخيرة, إضافة إلى تحسن ظروف وإمكانات الإدارة الضريبية.
تهرب ولكن
التهرب الضريبي من قبل التجار ووجود تلاعب في الدفاتر التي يسجل عليها الأرباح لم ينفه رئيس غرفة تجارة دمشق غسان قلاع، الذي أكد أنه ليس بالحجم الكبير الذي يتم الحديث عنه، موضحاً، أنه «يوجد لدى كل تاجر دفتر خاص بالأرباح الحقيقية لا يمكن العبث به، إلا في حال التآمر مع الشاري من خلال وضع دفترين أو طقمين من الدفاتر، حيث يقوم التاجر بتسجيل الأرباح الحقيقية على دفتر والأرباح الوهمية على دفتر آخر، وهذا يستوجب الاتفاق مع التاجر المشتري لأنه هو أيضاً يقوم بتسجيل المشتريات».
مجرد حكي!
ولوّح قلاع في حديثه أن كبار المكلفين من تجار التعهدات والمناقصات وغيرها لا يمكنهم الهرب من الضرائب، ولكن في النهاية وزارة المالية هي من تقدر إذا كان المكلفون على الأرباح يدفعون أقل مما يتوجب عليهم أم لا، وهذا يبقى مجرد «حكي» من دون وجود برهان يثبت ذلك. وتابع رئيس غرفة تجارة دمشق قائلاً: لا يستطيع الموظف الهروب من الضرائب لأنه لا يستطيع أخذ راتبه من دون أن يدفع الضريبة، وفي المقابل فإن التجار والصناعيين المكلفين بضريبة الدخل على الأرباح المقطوعة والحقيقية سوف يقومون بدفعها، فالمقطوع لا يستطيعون تقليل ضريبته.
الصناعي يدفع أكثر من التاجر
دفع الموظف للضرائب أكثر من الصناعي سببه أن الموظف تحت يد الحكومة بشكل مباشر لذلك تأخذ الضرائب منه كاملة برأي خازن غرفة صناعة دمشق وريفها ماهر الزيات، قائلاً: «إذا قارنا ما بين الصناعي والتاجر فإنه يمكن القول إن التاجر لا يدفع ربع ما يدفعه الصناعي، فالتاجر وحسبما يشاع يستورد باسمه أو باسم غيره، إضافة إلى أن التاجر يستورد المواد ويدفع عليها جمركاً بسيطاً نوعاً ما ويقوم ببيعها في السوق المحلية، في حين يتكلف الصناعي أكثر بكثير لإنتاج سلعة محلية يعزز بها السوق، ويمكن أن نعد أن الصناعي أيضاً تحت يد الحكومة مثل الموظف.
وحسب خبير قانوني رفض الكشف عن اسمه فإن الموظف لا يستطيع التهرب من الضرائب لأنه يأخذ راتبه من الدولة فيتم اقتطاع الضرائب منه بشكل مباشر، في حين يمكن لبعض التجار والصناعيين وغيرهم التهرب.
معدل الاقتطاع الضريبي من الرواتب والأجور يفوق المقطوع من الأرباح، حيث أشار مدين الضابط إلى أن ضريبة الدخل على الرواتب والأجور مفروضة على صافي دخل قوة العمل، وتالياً فإن مفهوم صافي دخل قوة العمل يحسب على أساس الدخل الذي يحققه العاملون من قوة العمل مطروحاً منه الحد الأدنى من تكاليف المعيشة الضرورية للمحافظة على هذه القوة وتجددها باستمرار»، متسائلاً: هل الحد الأدنى المعفى البالغ (15000) ل.س يساوي فعلاً الحد الأدنى من هذه التكاليف التي تزيد على (150000) ل.س شهرياً؟، مضيفاً أنه «عبر هذه المقاربة يمكن القول إن معدل الاقتطاع الضريبي من هذا الدخل يزيد على معدل الاقتطاع الضريبي على مكلفي الأرباح إذا ما تمت مقارنته بمستوى الدخل وصافي الربح».
وتابع الخبير الاقتصادي قائلاً: «إن نقص الحصيلة الذي يمكن أن يحصل على مستوى هذا المورد لا يشكل مبلغاً جوهرياً في تمويل الإنفاق الحكومي، ويمكن التعويض عنه بمكافحة التهرب الضريبي بالوصول إلى التزامات حقيقية لمكلفي الأرباح في قطاع الأعمال، أو بالحد من اقتصاد الظل، أو بتصحيح الخلل في أنظمة التسعير والفوترة والرسوم الجمركية…..إلخ».
الأمور نسبية فيما يتعلق بالضرائب والرسوم المفروضة على التجار والصناعيين والموظفين برأي رئيس غرفة تجارة دمشق، فالرواتب والأجور المدفوعة من الخزينة، إضافة إلى نسبة الضرائب معروفة، ويوجد حد أدنى معفى تدرج من الـ5% وما فوق.
ضرائب الصناعيين مقبولة
الضرائب على الصناعيين مقبولة ولكن هناك ضغوطات أخرى تواجه الصناعة السورية، حيث أكد خازن غرفة صناعة دمشق وريفها ماهر الزيات أن الضرائب التي يدفعها الصناعيون مقبولة وإن ارتفعت قليلاً، فسابقاً كان الصناعيون «شبه لا يدفعون ضرائب»، أما في هذه الايام فالصناعي تضاعفت عليه الضرائب وازدادت عليه مصاريف أخرى، مشيراً إلى أن التأمينات الاجتماعية تضغط بشكل كبير حيث تأخذ ما يقارب 24% من نسبة الأجر الذي يتم منحه للعامل كتأمين اجتماعي. وبين الزيات أن المشكلة التي يعانيها الصناعيون هي دوريات الكشف الضريبي ففي زيارة لأي معمل ممكن (يخربوا بيتو للصناعي).
مطالبة بإلغاء الضرائب
الاتحاد العام لنقابات العمال بصفته الجهة المسؤولة على الدفاع عن حقوق العامل يطالب بإعفاء الموظفين من ضريبة الدخل التي تفرضها وزارة المالية ولكن القوانين والأنظمة تمنع ذلك، وهنا قال بشير الحلبوني- أمين الشؤون الاقتصادية والقانونية في الاتحاد: إن الضرائب والرسوم هي قانون يجب العمل فيه ولكن المطالبات تصب في إلغاء ضريبة الدخل وإبقائها من اساس الراتب ليستفيد منها العامل.
وأضاف الحلبوني: «نحن في الوضع الاقتصادي الراهن نعمل في جميع السبل للتخفيف عن العمال، ونرحب بأي فكرة تصب لمصلحتهم سواء بزيادة الرواتب أو الغاء الضرائب وهي من أهم مطالبنا»، مشيراً إلى أن «الموظف يعفى من الضرائب بالنسبة للـ10 آلاف ليرة الأولى، أي إذا كان راتبه 17 ألف ليرة فإن الضرائب تكون عن الـ7 آلاف ليرة فقط». نسبة الضرائب المفروضة على الموظفين وغيرهم بحاجة إلى إعادة النظر بها، وهذا ما أكده منذر ونوس قائلاً : «إن إعادة دراسة النظام الضريبية ستشمل إعادة النظر في الشرائح وطريقة الاحتساب والحقوق والواجبات.
إصلاح ضريبي
موضوع ضريبة الدخل على الرواتب يمس قضايا عديدة أخرى منها تهرب بعض أرباب العمل من التصريح بكامل الأجور في قطاع الأعمال، أو عن جزء منها، والتأمينات الاجتماعية وغيرها من القضايا التي تثير العديد من التساؤلات التي تتعلق بقانون العمل، حيث نجد التزاماً كاملاً بالضريبة من قبل العاملين في القطاعات الحكومية، وهو ما يثير التساؤل مرة أخرى عن مدى توافر العدالة الضريبية على هذا المستوى، حسب د.الضابط، الذي أكد ضرورة رسم سياسة وطنية عامة لتبني إصلاحاً ضريبياً حقيقياً ينطلق أساساً من دراسة موضوعية للطاقة الضريبية والعبء الضريبي القائم، وتوزع الدخل والثروة، والواقع المعيشي، وحجم الاقتصاد غير الرسمي، والتوجه الحكومي الحالي الذي يشدد على الإصلاح الإداري والمالي والرقابي كضرورة لا غنى عنها لإحداث نقلة نوعية في الواقع الراهن.
تشرين -منهل الصغير
إضافة تعليق جديد