نقلة بسيطة في آلية عمل مجلس الشعب
"لو قام شهداؤنا اليوم، كما قام المسيح بالأمس، حاملين جراحهم المدمّاة ليسألوننا: هل أزهرت دماؤنا في حقولكم، وهل ستجنون ثمارها أم أنكم ستتركونها تنسرب في رمال الفوضى ومجارير الفساد ؟ إذاً ماذا فعلتم كي ترتقي الأمة بأرواحنا ودمائنا ؟ فنقول لهم : لقد صالحنا القتلة لنصنع سلاما هشاً ومؤقتاً، وزدنا في إطعام الجندي مئة وخمسون ليرة أما القوات الرديفة فلها الله والمحاسب المالي الذي لم يعطِ أسر شهدائها رواتبهم منذ ثمانية أشهر، وأن الحرة ستضطر أن تأكل بثدييها عندما يجوع أولادها."
هذا بعض من مداخلتي اليوم تحت قبة مجلس الشعب في الجلسة الأولى من دورته العادية السابعة بحضور رئيس الحكومة و 24 وزيرا وغياب وزيرا الدفاع والأوقاف (كالعادة).. وكانت جلسة ماراثونية تحدث فيها 63 نائبا واستمرت وقائعها لسبع ساعات إلا ربع صُلب فيها أعضاء الحكومة على مقاعدهم مستمعين ، وكان المميز في الجلسة أن رئيس المجلس حمودة الصباغ سمح للنواب بمراجعة رئيس الحكومة في الأجوبة الناقصة، أو تلك التي يحاول فيها الوزراء تعمية الموضوع، حيث تعرض وزيرين لتكذيب أجوبتهم هما وزيرا الصحة والداخلية .. ويمكنكم متابعة نقاشات الجلسة التي غطت مجمل حاجات الناس ومطالبهم على موقع مجلس الشعب ولم يعكر مصداقيتها سوى بعض نواب "كول وشكور" الذين شكروا الحكومة على ماهو واجبها.. وفيما يلي مجمل كلامي الموجه إلى السيد عماد خميس رئيس الحكومة:
عندما يكون دم الشهداء صراطنا المستقيم فإننا لن نضل أو نشقى وسنكون مثلهم خالدين وأبقى.. فقد ارتقت الأمم من قبلنا بدماء شهدائها كما حصل لأوربا وروسيا واليابان بعد الحرب العالمية، بينما مازلنا نحن العرب نعيد انتاج أنفسنا وكلماتنا دون أن نأخذ عظة الدم الذي قدمناه، فنعيد انتاج خطابنا السياسي والديني والقومي والشعبي كما لو أن الزمن لم يمر بنا، حتى ليبدو الأحفاد كنسخة مطابقة للأجداد في المتحف الوطني ؟!
لو قام شهداؤنا اليوم كما قام المسيح بالأمس حاملين جراحهم المدمّاة ليسألوننا: هل أزهرت دماؤنا في حقولكم، وهل ستجنون ثمارها أم أنكم ستتركونها تنسرب في رمال الفوضى ومجارير الفساد ؟ إذاً ماذا فعلتم كي ترتقي الأمة بأرواحنا ودمائنا ؟ فنقول لهم : لقد صالحنا القتلة لنصنع سلاما هشاً ومؤقتاً، وزدنا في إطعام الجندي مئة وخمسون ليرة أما القوات الرديفة فلها الله والمحاسب المالي الذي لم يعطِ أسر شهدائها رواتبهم منذ ثمانية أشهر، وأن الحرة ستضطر أن تأكل بثدييها عندما يجوع أولادها.
إذا هل نعيد استقراء حربنا هذه لكي نتوقف عن إعادة إنتاج أسبابها؟
هذا الأمر منوط بمؤسساتنا التشريعية والتنفيذية والحزبية، التي تتقدم بسرعة سلحفاتيه نحو ما لسنا متأكدين أنه المستقبل، بل قد يكون انتكاصا نحو الماضي..
أين هي مشاريع القوانين التي يتقدم بها مجلس الشعب الذي مازال يكتفي بما تقدمه له الحكومة من مشاريع قوانين الجباية التي تصب في خزينة الدولة ولا يصل أغلبها إلى مستحقيها ! ولماذا مازال الارتجال يحكم أعمال أعضاء الحكومة الذين يغطون تقصيرهم بلحاف الحرب ؟ أين هي الخطط العشرية لاستثمار طاقاتنا البشرية، ولماذا ما تزال مؤسسة الجيش المنقذة خارج رقابة مجلس الشعب، إلا إذا كانت مؤسسة كاملة العدل والنقاء، وإذا كانت كذلك فلماذا يشكو جنودنا وأسرهم من العوز والاستغلال ؟ وهنا نذكر بأن لجنة الأمن الوطني لم تجتمع منذ العام الماضي على الرغم من أننا في حالة حرب والسبب ليس لتقصير من المجلس وإنما لأسباب أخرى يجب مناقشتها بشجاعة وشفافية إذا كنا حريصين على هذه المؤسسة التي وسمناها بالمنقذة .
وأزيد: في عيد الشهداء لا شيء يزداد لدينا سوى أعداد الشهداء، وكل ما تبقى إلى نقصان.. إذا فلنواجه أنفسنا ونعالج مشاكلنا بكل شجاعة وصدق حتى لا تنام الحرب في أحضاننا مرة أخرى، كما حصل في ثمانينات القرن الماضي، ذلك أن الشرور قد تهجع ولكنها لا تنام طويلا.
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد