09-02-2018
كيف صارت الأساطير جزءًا من عقيدة بعض المسلمين؟
عندما أراد الكفّار تكذيب الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) في دعوته، وصفوا القصص التي يرويها في القرآن بأنّها مجموعة من «أساطير الأولين»، للتأكيد على أنّها قصص كاذبة، فالأساطير في اللغة هي الأباطيل من الحديث.
بهذه المقدمة يبدأ الكاتب وليد فكري كتابه «أساطير مقدسة». يذكر الكاتب كيف أدى اهتمام المسلمين بمعرفة تفاصيل القصص التي يرويها القرآن، حتى وإن ترتب على ذلك قراءتهم للتفاصيل في كتب اليهود أو الثقافات الأخرى المختلفة عن الإسلام؛ إشباعًا للفضول والرغبة في معرفة المزيد عن هذه القصص، إلى أن دخلت هذه التفاصيل تدريجيًا في كتب القصص الدينية للكتّاب المسلمين الذين اهتموا بهذا الشأن.
«هؤلاء الكتاب قد تأثروا كثيرًا بـ «أساطير الأولين» على اختلاف أصولها، فضمنوها كتبهم ورواياتهم، وبينما سهل على المنشغلين بعلم الحديث النبوي والتفسير القرآني تفنيدها والرد عليها، فإن الآلاف من «العوام» قد تقبلوها وصدقوها دون التزام بمعايير التمييز والانتقاء بينها، فأصبحت في وجدانهم الجمعي قصصًا مقدسة وجزءًا من معتقداتهم الدينية، مهما بلغت من اللامعقولية أو التعارض مع النصوص.. وتبعا لذلك فقد أصبحت مهمة المشتغل بعلمي تفسير القرآن والحديث أكثر صعوبة» (ص12).
وهذه هي الأزمة الحقيقية، أنّ هذه الأساطير أصبحت جزءًا من الوعي الجمعي للعديد من المسلمين، فبينما على المفسر الانشغال بتفسير القرآن والحديث، أصبحت مهمته تحتوي على جزء آخر، وهو نقد التفسيرات والقصص الموجودة في الكتب؛ محاولًا إبراز الصحيح من الخاطئ منها، ثم العمل على تغيير هذه الأفكار في عقول بقية المقتنعين بهذه القصص، وهي مهمة صعبة، لأنّ ما يستقر في وجدان الناس، لا يمكن تغييره بسهولة.
الأساطير المقدسة: أساطير الأولين في تراث المسلمين
يتكون الكتاب من 15 أسطورة، يتعرّض لها الكاتب بالبحث، ويذكر أغرب القصص الواردة في هذه الأسطورة. ثم يفنّدها في محاولة لتوضيح الخاطئ في هذه الأساطير من عدم منطقية في تفاصيلها، أو لوجود ردود عليها توضح الخطأ الفعلي الموجود بها.
تأتي البداية بإجابة سؤال كيف بدأ الخلق؟ ثم بعد ذلك الحديث عن خلق البشر واختلاف مصائرهم، وعن الحن والبن والجن الذين سكنوا الأرض قبل الإنسان، وإبليس وجنوده.
من بعد هذه الأساطير الأربعة، يمكننا تقسيم البقية إلى تصنيفين رئيسيين:
1. أساطير ذكرت شخصيات لها قصص متعددة: النبي إدريس وإن كان هو أوزوريس المصري فعلًا أو لا، هاروت وماروت معلّما السحر في بابل، الخضر، عوج بن عنق العملاق المعمّر، ذو القرنين، بلوقيا.. الباحث عن الرسول محمد قبل بعثته بقرون، والشيطان الذي استولى على ملك سليمان.
2. أساطير ذكرت أشياءً وأماكن محددة: عصا النبي موسى ومنافعها الخارقة، العنقاء، دمار برج بابل وهلاك الملك النمروذ، رحلة إلى إرم ذات العماد.
وفي كل قصة يحاول الكاتب توضيح الأسباب التي جعلت هذه الأسطورة تلقى القبول الكبير لدى المسلمين، على الرغم من عدم منطقية بعض الأحداث، فالقارئ لا يهتم بهذه النقطة، ويركز فقط على الفكرة العامة من القصة، وهذا ما دفعه غالبًا للتغاضي عن تلك التفاصيل، بل ربما يفسرها على أنّها جزء من معجزة من الله.
كيف بدأت الأساطير في الإسلام؟ وكيف لاقت رواجًا واسعًا بين المسلمين؟
في الواقع توجد أسباب قوية تلك التي أسهمت في نشأة الأساطير في الإسلام، تبدأ من الفضول الذي تحدثنا عنه لدى المسلمين ورغبتهم في المعرفة، وتزامن ذلك مع دخول شخصيات من ثقافات مختلفة في الإسلام، وحديثهم عمّا يوجد لديهم من تفسيرات لقصص ذكرها القرآن، ومن أبرز هذه الشخصيات: كعب الأحبار.
ولم يكن الرسول أو الخلفاء من بعده يمنعون تداول هذه الروايات، لكن الرسول وضّح أنّه لا يجب قبول أو رفض هذه الأساطير، إنمّا فقط الاستماع لها.
لكن ما حدث هو أنّه بعد فترة من الزمن بدأ البعض في التعامل معها على أنّها حقيقة، لا سيّما وأنّ هذه الأساطير دائمًا ما لامست أشياء اعتاد العرب وجودها في القصص، أو لأنّهم يبحثون عن تفسيرات معينة لم يجدوها إلا في هذه الروايات.
من بين هذه الأشياء يذكر الكاتب الأسباب التالية:
1. تعليل بعض الوقائع
يأتي هذا السبب على رأس القائمة، فالأسطورة تأتي لتوضيح بعض التفاصيل الناقصة، وتقدم تفسيرًا مقنعًا لها حسب ظن راويها.
ولأنّ بعض المستمعين قد يهتم بوجود تفسير، أكثر من اهتمامه بمنطقية هذا التفسير، فنجده يقبل ما يُقال له بسهولة.
فمن القرآن نجد قول الملائكة: «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»، وهو ما يجعل المتلقي يبحث عن السبب الذي دفع الملائكة للاعتقاد بأنّ الخليفة الذي سيخلقه الله سيقوم بسفك الدماء والفساد في الأرض، وأنّ هذا معناه أنهم عاصروا حادثة شبيهة لذلك، جعلتهم يعتقدون أنّ الخلق القادم في الأرض سيكرر الأمر، فتبدأ القصص الأخرى في تقديم تصوّرات عمّا تواجد في الأرض قبل خلق الإنسان.
2- ارتباط القصص مع التيمات المعتادة للعرب
في أي ثقافة، نجد دومًا أنّ هناك بعض التيمات المعتادة في القصص، فكلما جاءت هذه الأساطير متضمنة التيمات المعتادة للعرب، يصبح من السهل على المتلقي تقبل القصص لأنّها مألوفة بالنسبة له.
من بين هذه التيمات، يعرض الكاتب الأساطير التي تحتوي التيمات التالية:
أ. رجل ضل طريقه عثر على مدينة لها سر مثير وبها ثروات باهرة (ص114) في قصة «الرحلة إلى إرم ذات العماد».
ب. المسافر بحثًا عن الحقيقة (ص128) في قصة «بلوقيا.. الباحث عن الرسول محمد قبل بعثته بقرون».
ج. المعراج إلى العالم العلوي (ص128) في نفس القصة السابقة.
د- الشخص مجهول الأصول غير محدد الشخصية غامض التفاصيل المذكور في القرآن (ص147) في قصة ذي القرنين.
ونظرًا لشيوع هذه التيمات بين العرب كما ذكرنا، فلم يكن من الصعب تقبل القصص، والشعور بأنّها غريبة أو كاذبة، بل لقيت القبول لديهم، لأنّهم يدركون أنّها قريبة إلى ثقافتهم.
كذلك فإنّ الفضول الذي تحدثنا عنه يلعب دورًا رئيسيًا هنا، لأنّ القارئ يريد تفسيرًا لما يقرأ، لا يهمه منطقية التفسير قدر اهتمامه بأن يجد التفسير.
نجد هذا الأمر يحدث دائمًا في حالة الشخص مجهول الأصول غامض التفاصيل، فالكثير من الناس يهتم بالبحث عن قصة الخضر على سبيل المثال، لعلّه يعرف من هو ذلك الشخص الذي قاد النبي موسى في رحلة المعرفة، ثم لم يرد ذكره مرة أخرى في أيٍ من الآيات التالية، لذلك قد يقبل الناس تفسيرًا غير منطقي يحدثهم عن الخضر ويرضي فضولهم، على أن تبقى القصة مجهولة ومبهمة.
3. الرسائل التي توجهها هذه الأساطير
ندرك أنّ الغرض الرئيسي من القصص هو تقديم عظة ونصيحة إلى المتلقي، بدءًا من القصص القرآنية ذاتها، ومرورًا بأي قصص أخرى نقرؤها، ونعرف أنّها تلعب دورًا تنويريًا في حياتنا في المقام الأول، لا دورًا تثقيفيًا من ناحية المعلومات.
فنجد في أسطورة «بلوقيا.. الباحث عن الرسول محمد قبل بعثته بقرون» تظهر رسالة واضحة، أنّ اليهود يعرفون أن رسالة الرسول محمد هي الحق ويتنكرون لها طوال الوقت، كما يظهر في الأسطورة.
كذلك نجد في قصة ذي القرنين الحديث عن مبدأ «البركة في القليل» تشجيعًا للإنسان على مبدأ الرضا بالموجود معه، وأنّه ربما يكفيه في الدنيا.
وتبعا لذلك من المقبول للمتلقي في هذه الحالة أن يقبل القصة ما دامت تقدم له رسالة قوية ذات نفعٍ له.
لا تقبل كل شيء!
في مقدمة الكتاب يطرح الكاتب فكرته عن الغرض من الكتاب، ثم يعود مرة أخرى في الخاتمة للإجابة على السؤال، ويؤكد على أنّ الغرض من الكتاب ينقسم إلى جزءين:
الأول، في التأكيد على أنّ الحضارة الإسلامية تملك موروثها من «أدب الأساطير» كما كان للحضارات الأخرى في التاريخ موروثها كذلك، وأنّها تستحق العرض والتحليل مثل غيرها من أساطير الشعوب.
الثاني، وهو السبب الأهم، هو دعوة المتلقي دائمًا إلى إعمال العقل، فلا يجب أن يصدق كل ما يسمع أو يقرأ، لمجرد وجود اسم شخص معين في رواية القصص، بل من المهم تحليل القصص وبحثها، دون أي تحيّز مسبق إلى رواية بعينها، فالبحث في التاريخ دائمًا يجب أن يكون منفصلًا عن التوجهات والأفكار المسبقة، حتى يمكن التعامل مع النتائج بصورة سليمة، تعطي معنى لعملية البحث في النهاية.
إضاءات
إضافة تعليق جديد