12-01-2018
خواطر عابرة
لم ينته موسم الكلام عن الصاروخ الذي كاد يغتال وزيري الداخلية والدفاع معًا، حتى جاء الحادث الإرهابي المروع في حلوان. بصراحة لم أتوقع أن يحدث شيء لأن الأمن لُدغ من نفس الجحر مرارًا، فتوقعت أن البعوضة لن تستطيع الوصول لتجمعات الأقباط، وكما هي العادة في كل مرة آلى هؤلاء أن يحرموا الأقباط فرحة العيد.
مثل الجميع رأيت الفيلم الغريب الذي يجول فيه الإرهابي كأنه يتنزه مع حبيبته غير عارف بالخطوة التالية، وخطر لي أنه لن يموت إلا بالشيخوخة أو الملل، ومن ضمن ما خطر لي أنه تحت تأثير عقار معين. قال الشهود إنه كان يمضغ اللادن. ماذا عن نوع مخدرات يفقده رهبة الموقف على طريقة حشاشي الصباح قديمًا؟ في حادث الأقصر – الدير البحري – الذي وقع أيام مبارك قال الشهود إن الإرهابي كان يصدر أصواتًا غريبة وكانت حدقتاه غريبتين.
كُتب كل شيء عن الموضوع، وقيل الكثير فلم تبق لي سوى نقاط مختصرة أذكرها هنا:
– ذكر أحد المعلقين الأذكياء أن مصر أخيرًا دخلت عصر التخصص؛ فالإرهابي متخصص في قتل الشرطة والمسيحيين فقط، لهذا لم يقتل سائقي التوك توك والناس المارين. بالمثل تعرف مدرعة الشرطة أنها مخصصة لاعتقال المتظاهرين السلميين فقط، لهذا مرت جوار الإرهابي وألقت عليه السلام ثم ولت مبتعدة، وهو نفس ما قالته حرفيًا الأستاذة أماني الخياط.
– طريقة كيد النساء تبدو واضحة جدًا مع الإعلام المصري. لو لاحظت لوجدت نوعًا من أسلوب نساء الحواري والجرسة وفرش الملاءة في التعامل. هكذا هللوا فرحًا بالبطل عم صلاح الذي ألقى بنفسه على إرهابي مسلح حي، وخصصوا صفحات لمدحه. كانت هناك حادثة منذ شهور لام فيها الإعلام المواطنين لأنهم لم يدافعوا عن الشرطة. عندما بدأ نجم صلاح يعلو وراح الناس يقارنون بينه وبين مدرعة الداخلية الهاربة، قرر الإعلام أن يبدأ في تدمير سمعة صلاح: الرجل مسجل وصاحب سوابق. عندما تقابل إرهابيًا يطلق الرصاص وأنت قادر على قهره فلا تتهور.. سوف يمزقك الإعلام فيما بعد لأنه يغار كالنساء: أنا ياختي جوزي جاب لي وجاب لي.. ثم تسكب ماء الاستحمام أمام باب جارتها لتثبت أن زوجها ما زال يضاجعها!
– استلفتت نظري الكلمة التي قالها الإرهابي لعم صلاح: «أنت مش فاهم حاجة». باستثناء مشهد فيلم (البريء) الرائع – حيث سقط صلاح قابيل تحت أحمد زكي في الصحراء – فهذه ثالث مرة أسمع فيها شيئًا مشابهًا. وفي حادث الأقصر قال الإرهابي للترجمان الذي توسل له كي يطلق الرصاص على الأطفال ولا يذبحهم: «أنت حمار مش فاهم حاجة.. روح اقرا دينك وافهم». ثم ضربه رصاصة في فخذه قائلًا: «خد دي عشان تقرا دينك كويس». وعاد لعمله المقدس في ذبح الأطفال اليابانيين (مجلة روز اليوسف).
يعني لو انغمس الترجمان في دراسة الدين لوجد آيات تدعو للذبح وليس لإطلاق الرصاص. من أين جاء بهذا الغرور وهذه الثقة؟ النتيجة هي أعوام من سماع الدعاة إياهم وفهمهم الخاص جدًا للبراء والجهاد… إلخ. ما يتم غرسه أولًا في نفوس هؤلاء هو أنهم قد عبروا محيطات عميقة من فهم الدين الصحيح، بينما أمثالنا ما زالوا واقفين عند الضفاف.. عند كتاب دين أولى إعدادي، ونصائح رد الأمانة وإكرام الجار والرفق بالوالدين، بينما هم وصلوا لقلب الحقيقة.. الحقيقة التي تمجد القتل والذبح. أنا كنت أتابع قناة اقرأ بعناية فلا تجادلني في هذه النقطة لو سمحت. بصرف النظر عمن يخطط فوق وأغراضه.. سواء كان شيخًا متطرفًا أو ضابط مخابرات مركزية، فالنتيجة واحدة تحت؛ هي الإرهابي العقائدي الذي أقام لنفسه حفل تكريم، ويشعر أن الملائكة تنتظره بعد إنهاء العملية لتقوده للحور العين.
– المشكلة هي أنك قادر على أن تجد كل ما تريد في النصوص. أحد أصدقائي أرسل لي مقتطفات من كتب فقه لم أسمع بها، ليثبت بها أن داعش متساهلة في الدين جدًا، وأن الحقيقة أبشع بكثير! المشكلة فيمن يفسر ويجد. التراث يحتاج لعملية تصفية دقيقة بدلًا من ترك أمثلة شاذة يجدها هؤلاء فيعتقدون أنهم عالمون ببواطن الأمور وخبايا الدين.
– الحل يمكن أن يبدأ بالبيت والمدرسة حاليًا، لكننا سننتظر الجيل القادم غير المتعصب طويلًا جدًا، لذا يجب أن نبدأ بالحل الأمني الذي لم يستعمل بما يكفي كما نرى. العنف في تفريق مظاهرة يختلف كثيرًا عن تأمين كنيسة. ونحن رأينا فرار المدرعة بوضوح تام.
– كنت عائدًا اليوم في العاشرة مساء في شارع متسع مضيء عندما رأيت صفًا من الفتية يحمل كل منهم سنجة أو سيفًا وهم ذاهبون لخناقة ما. خطر لي أنه لو قامت سيارة شرطة واحدة من الـ 40 سيارة التي استعرضها مدير أمن الغربية في المحلة منذ أيام.. سيارة واحدة تقضي الليل تجوب هذه الشوارع ببطء، فلسوف يعود الأمن للشوارع. ماذا تفعل الداخلية بالضبط؟ أعتقد أنها ما زالت تعاقبنا بعد جريمة 25 يناير.
– في فيلم عمر المختار يبيد المجاهد الليبي فرقة كاملة من الإيطاليين ويستبقي شابًا واحدًا يحمل العلم. عندما يعود الفتى للسفاح جراتسياني حاملاً العلم، فإن جراتسياني يغطي على خيبة قواته الثقيلة بأن يمنح الفتى وسامًا لأنه حافظ على كرامة الفرقة. يجعل منه رمزًا وبطلًا. وفي أول معركة تالية يتم قتل الفتى المزعج. تذكرت هذا المشهد وأنا أرى تكريم قيادات الأمن على نجاحها… أي نجاح؟ لقد قررت الداخلية أن تغطي على الفشل بأن تعلن الانتصار وتحتفل بنفسها.
ما زلت أرى أن الحل أولاً يبدأ بوزارة الداخلية، ثم يأتي دور البيت والمدرسة.. لابد من عشرين عامًا على الأقل لغسل هذه العقول من الدم.
إضاءات
إضافة تعليق جديد