نتنياهو يرفض مؤتمر باريس... ويراهن على «الانبطاح» العربي
لم تنفع محاولات المسؤولين الفرنسيين بطمأنة إسرائيل في تخفيف حدة معارضة رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو للمؤتمر الدولي في باريس. ولم يحل تأكيد أنه لا يوجد بديل من مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين دون وصف المؤتمر، المنعقد أمس، بـ«العبثي» الذي يؤدي إلى إبعاد التسوية، وكونه ينتمي إلى «العالم القديم».
وتأتي توصيفات نتنياهو، وموقفه الحاسم من مؤتمر باريس، ووضعه في سياق «محاولة فرض شروط لا تتلاءم مع الحاجات القومية لإسرائيل»، امتداداً للسياسة الإسرائيلية التي ترفض كل محاولة تدويل للقضية الفلسطينية، بل إبعاد أي طرف دولي عن الصراع، بما في ذلك الولايات المتحدة. كذلك تنسجم مع توجهات الحكومة اليمينية الحالية التي تجهد لتهميش الموضوع الفلسطيني دولياً.
نتنياهو عمد إلى تلخيص منطلقات موقفه، خلال جلسة الحكومة الإسرائيلية أمس، في اتهام المؤتمر بأنه يبعد التسوية. والسبب في رأيه أنه «يُصلّب مواقف الفلسطينيين ويبعدهم أكثر عن إجراء مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة». ويكشف التدقيق في كلامه أنه يرى ضرورة ألا يتمتع الفلسطينيون بأي أوراق، ولو كانت سياسية، على طاولة المفاوضات، لأن ذلك سيؤدي إلى «تصليب» مواقفهم. بعبارة أخرى: يريد نتنياهو أن يواصل الضغوط على السلطة، من أجل انتزاع المزيد من التنازلات، والتي لم يعد أمامها سوى التسليم باستمرار الواقع القائم.
وعندما يرى رئيس حكومة العدو أن ذلك سوف يؤدي إلى إبعاد التسوية، فهو من منطلق أن وجود ما تراهن وتستند إليه السلطة سيدفعها إلى التمسك بسقفها السياسي، المنخفض أصلاً، ورفض الإملاءات الإضافية، وهو ما سيؤدي، في المقابل، إلى رفض إسرائيلي مطلق، ثم شلّ محاولات تحريك التسوية. أما عن تشديده على المفاوضات المباشرة، فيأتي ذلك من أجل الاستفراد بالسلطة، ومنع استنادها ورهانها على أي موقف خارجي يحاول الضغط على الطرف الإسرائيلي حتى ضمن سقوفها السياسية.
هكذا يكون نتنياهو قد اكتشف وصفة سحرية للحؤول دون التسوية النهائية، وفي الوقت نفسه إلقاء التهمة على الطرف الفلسطيني على أساس أنه اكتفى بالتنازلات التاريخية التي قدمها حتى الآن، في حين أن المطلوب منه تقديم المزيد من التنازلات. ومع أن الموقف الإسرائيلي المتصلب ليس وليد تطورات ظرفية، لكنه تعزز بنتائج الانتخابات الأميركية، وهو ما دفع نتنياهو إلى وصف مؤتمر باريس بأنه «التشنجات الأخيرة لعالم الأمس، والغد سيكون مختلفاً تماماً، وهو قريب جداً»، مشيراً بذلك إلى تبدل الإدارة الأميركية وتولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه خلال الأيام المقبلة، كما أنه رهان على أن مواقف الأخير ستكون أكثر قرباً من إسرائيل في كل ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية.
وبلحاظ الرؤية التي يتبنّاها اليمين الإسرائيلي عامة، ونتنياهو خاصة، إزاء تطورات المنطقة، يظهر أن تشدده المتصل بالساحة الفلسطينية، الذي تجلى في هذه المرحلة بالرفض المطلق لمؤتمر باريس، ينطلق من الرهان على أن الوقت يعمل لمصلحة إسرائيل بفعل التحولات الإقليمية التي أدت إلى تراجع مكانة التسوية لدى معسكر «الاعتدال العربي»، والأخير بات أكثر استعداداً للانفتاح على إسرائيل وتطوير العلاقات معها والانتقال إلى مرحلة الاتصال والعلاقات العلنية، من دون تقديم أي تنازلات إسرائيلية جدية تتصل بالمسار الفلسطيني.
هذا الأداء الرسمي لـ«الاعتدال» العربي دفع نتنياهو إلى مخاطبة المجتمع الدولي من على منصة الأمم المتحدة كي يتعامل مع إسرائيل كما تتعامل الأنظمة العربية المعتدلة، وعمد إلى وضع المصالح الإسرائيلية في قالب رؤية ابتدعها لتبرير مواقفه التي تتجاهل التسوية بالدعوة إلى «مؤتمر سلام إقليمي»، ينتقل فيه معسكر «الاعتدال» العربي إلى مرحلة تطوير العلاقات الرسمية العلنية مع إسرائيل، على أمل أن يكون ذلك مدخلاً لتحريك عملية التسوية على المسار الفلسطيني.
بذلك، يقلب نتنياهو المعادلة التي كانت ترى أن التسوية على المسار الفلسطيني هي المدخل للعلاقات الإسرائيلية ــ العربية، ويهدف أيضاً إلى قبض الثمن مقابل وعد بتسليم بضاعة لم يلتزم بأي مواصفات تتعلق بها. وهو في السياق نفسه يروّج لمقولة أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية الملحّة والمركزية في منطقة الشرق الأوسط، وأن على الدول أن تكون أكثر اهتماماً بحل مسألة انعدام الاستقرار في هذه المنطقة.
يأتي كلّ ذلك في مقابل الموقف الذي تنطلق منه فرنسا، وعبّر عنه وزير الخارجية جان مارك إيرولت، خلال افتتاح المؤتمر، بالقول: «جميعنا هنا ندرك إلى أي حدّ الوضع ملحّ، وإلى حدّ يوجد حاجة ملحّة لتجديد عملية السلام»، مؤكداً أن «على المجتمع الدولي أن يوضح أن لا حل للنزاع باستثناء حل الدولتين».
ومع أن مساحة الإجماع حول الثوابت الإسرائيلية في التسوية تشمل أكثر القوى السياسية، بما فيها المحسوبة على الوسط واليسار، فإن لرئيس المعارضة الإسرائيلية، إسحاق هرتسوغ، مقاربة أخرى في كيفية التعامل مع مؤتمر باريس، إذ رأى أنه كان من الضروري مشاركة إسرائيل في المؤتمر. ولفت هرتسوغ إلى أنه كان على «نتنياهو أن يقدم موقفاً واضحاً للسياسة الإسرائيلية في النزاع وتجنّب الهرب من المعركة». كذلك، رأى آخرون أن «من غير الممكن عقد منتديات دولية ذات تأثير في حياتنا، من دون ممثلين إسرائيليين يقدمون الحقيقة بنظر دولة إسرائيل».
علي حيدر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد