«أحرار الشام»: الانشقاقات تتواصل
تأكيداً لما نشرناه في حزيران الماضي حول الهزّة التي أصابت «أحرار الشام» بسبب وصول الخلافات بين قادتها في مدينة حلب إلى درجة إطلاق النار على بعضهم بعضاً، أعلن القائد العام الأسبق لقطاع حلب أبو العباس العسكري انشقاقه عن الحركة، وأنه لم يعد يتبع لأي فصيل عسكري أو حزب سياسي بدءاً من يوم الأحد الماضي.
يأتي انشقاق أبي العباس عن الحركة بعد ثلاثة أشهر من التكتم حول حقيقة الخلافات التي تصاعدت بين قيادات الصف الأول في الحركة في حلب، وتطورها إلى اعتقال وإطلاق نار مباشر، في مشهدٍ وشى بضراوة الصراع الداخلي الناشب بين تيارات الحركة.
وكنا قد كشفنا في تقريرٍ منشور بتاريخ 25 حزيران الماضي عن حادثة إطلاق النار التي تعرض لها أبو العباس وتسببت بإصابته بجروح خطيرة. وورد في التقرير أن الحادثة بدأت عندما أمر أبو العباس دير حافر، قائد «لواء الإسلام» التابع لـ «أحرار الشام»، وأحد أبرز قادة الحركة في حلب، باعتقال «أمير» الحركة في قطاع حلب، أبو عبد الرحمن، فأرسلت قيادة الحركة مندوبين إلى أبي العباس للتوسط لإطلاق المعتقل لديه، وهما الشربيني المصري وأبو عابد الشرعي. وعندما رفض أبو العباس إخلاء سبيله، قام أحد المندوبين بإطلاق النار عليه، فأصيب بطلقات في بطنه وأخرى في ساقه، حيث نقل إلى المستشفى وهو في حالة حرجة.
وقد حاولت بعض التقارير الإعلامية وبعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تضخيم الحادثة، وتحويلها إلى محاولة انقلاب تعرضت لها قيادة الحركة. وأشهرُ الحسابات التي ذهبت بهذا المنحى حساب «ويكيليكس أحرار الشام» على «تويتر». لكن الحقيقة أن الحادثة لا تتعدى أن تكون ترجمةً لطبيعة الخلافات التي تعصف بين التيارات التي تنقسم إليها «أحرار الشام»، والتي تحولت إلى عداوة شخصية بين بعض قادتها. ومن المعلوم أن «أحرار الشام» تكاد تنقسم في حلب إلى قسمين، الأول يُمثله «لواء الاسلام» الذي يقوده أبو العباس، والثاني «لواء العباس» بقيادة أبي الفاروق. ولطالما شكلت الخلافات بين هذين اللواءين هاجساً لقيادة الحركة بسبب استحالة حلّها ولتداعياتها الكبيرة على أداء الحركة في حلب، والتي ظهرت بشكل جلّي في معارك عدة، أهمها معركة ريف حلب الجنوبي الأولى التي أطلقها الجيش السوري أواخر العام الماضي.
ويُعدّ أبو العباس من أبرز قادة «أحرار الشام» العسكريين، فهو من قاد معركة السيطرة على مطار الجرّاح التي أصيب فيها إصابةً منعته من ممارسة مهامه لمدة تزيد عن ستة أشهر. وهو من مواليد العام 1980 في بلدة دير حافر في ريف حلب الشرقي، حيث كان يتولى إدارة إحدى المدارس فيها قبل اندلاع الأزمة السورية. وفي العام 2014، عيّنه أبو خالد السوري قبل مقتله قائداً عسكرياً على قطاع حلب، بعد ذلك عيّنه أبو هاشم الشيخ أميراً على قطاع حلب، وذلك قبل أن يُعزل ويُعين مكانه أبو عبد الرحمن السياسي أوائل العام الحالي.
وكانت الحركة قد تعرضت خلال الفترة الماضية لحالات انشقاق عدة، أهمها انشقاق قسمٍ كبير من «ألوية صقور الشام» بقيادة أبي عيسى الشيخ عنها، ثم انشقاق لواء «اشداء» بقيادة أبي محمد المنبجي، كما انشق عنها مؤخراً اثنان من كبار قادتها الشرعيين من الجنسية المصرية، وهما أبو اليقظان وأبو شعيب، بسبب رفضهما الفتوى الخاصة بإجازة الاستعانة بالجيش التركي في شمال حلب.
كما حصلَ مؤخراً خلافٌ كبير بين «أحرار الشام» و «أنصار الشام» على معبر خربة الجوز، حيث قامت الحركة بإرسال رتلٍ ضخم، وسيطرت على المعبر بعدما طردت جميع عناصر «أنصار الشام» منه، متهمةً إياهم بالفساد. علماً أن «أنصار الشام» كان منضوياً تحت راية «أحرار الشام» منذ العام 2014، حيث قاد قائده العسكري أبو موسى الشيشاني الهجوم على مدينة كسب باسم «الجبهة الاسلامية». ويبدو أن الخلافات بعد ذلك دفعت هذا الفصيل إلى الانشقاق عن الحركة ومحاولة الاستفراد بإدارة معبر خربة الجوز الذي افتتحته تركيا العام الماضي ويدرّ أموالاً طائلة لمن يسيطر عليه، الأمر الذي اعتبرته الحركة خطاً أحمر.
وأخيراً، وفي خطوة تُؤكد حجم التباينات داخل «أحرار الشام»، أقدم عناصرٌ من الحركة على معبر باب الهوى على التمثيل بجثة القيادي في «الجيش الحر» أبي علي كفرحايا الذي قتل اثناء عملية «درع الفرات» التي أجازتها الحركة، ومنعوا دفنه في قريته، وذلك في وقت اتخذت فيه الحركة خطوات عدة للتقارب مع «الجيش الحر» و «الائتلاف الوطني المعارض»، منها توقيع بيان مشترك حول رفض تسوية حي الوعر.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد