معادلة ليبرمان: إعمار غزة مقابل سلاح «حماس»
قاد التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وسائل الإعلام للتساؤل حول جدوى إيحاء وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان بتغيير سياسة الردّ على إطلاق الصواريخ سواء من قطاع غزة أم من الأراضي السورية. ولكن هذا التصعيد بالذات منح ليبرمان الفرصة لإعلان أن إسرائيل «لن تسمح لحماس بالتسلّح».
وقال ليبرمان، أمس، بعد سلسلة الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة: «أنتم تعرفون آرائي ولا حاجة لأن أُضيف جديداً، ولكن ما ينبغي فهمه هو أن مقاربتي هي الترميم في مقابل نزع السلاح، وهذه هي الصيغة. فالخرسانة يبنون بها أنفاقاً وهم لا يستخدمونها لإعادة الإعمار. إنهم لا يريدون الاهتمام بالسكان، وإنما بالأنفاق وبالصواريخ. فهم لا يُمكنهم أن ينتظروا من دولة إسرائيل أن تسمح لهم بالتسلّح، وسلب الأموال من مواطني غزة. إن حماس تجبي منهم ضرائب لا يبنون بواسطتها بيوتاً للسكان، ولكنّهم يبنون بـ 70 في المئة منها أنفاقاً ويُسلّحون قواتهم. وهم يعرفون أنه إذا نشبت أزمة حقيقية فإن هناك من سيحلّها، وهي دولة إسرائيل، الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي». وشدّد ليبرمان على أن حماس «غير معنية بالسكان، ومن يتحدّث عن إزالة الحصار وعن تسهيلات لغزة، لا مشكلة لدينا، ولكن هذا ينبغي أن يأتي في إطار إعادة الإعمار في مقابل نزع السلاح».
وتُعتبر إشارة ليبرمان حول الربط بين إعادة الإعمار ونزع السلاح ذات أهمية كبيرة خصوصاً أن هذا كان شرطاً إسرائيلياً أثناء الحرب لكن لم تستطع حكومة نتنياهو فرضه على المقاومة. ومن غير المستبعد أن يقود هذا المنطق إلى تعقيدات كثيرة وربما إلى تسخين ميداني فعلي إذا تبيّن أن هذه سياسة إسرائيلية رسمية. والواقع أن هناك عددا من المُعلّقين الإسرائيليين يرون أن تصريحات ليبرمان وسياسته الهجومية في القطاع لا تُعبّر عن رأي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
وكان مُعلّقون إسرائيليون قالوا مؤخراً إن كثافة الردّ الإسرائيلي على إطلاق صاروخ باتجاه سديروت يُفيد بوجود «تحسّن نوعي في مجال استخبارات الجيش الاسرائيلي والذي عانى من النقص في حملة الجرف الصامد قبل نحو سنتين. ومقارنة بالصورة الاستخبارية عن «حزب الله» والتي تُعتبر ممتازة، كانت لإسرائيل ثغرات حيال «حماس» أغلقتها بعمل مجتهد وبتفضيل للوسائل والقوى البشرية للساحة الجنوبية».
لكن المتابعين للشأن الميداني في القطاع ركّزوا على أن ليس في الغارات الإسرائيلية شيء يزيد عن حجمها لأنها استهدفت مواقع علنية لحماس على طول الحدود فضلاً عن مواقع تدريب عدة معروفة. وعلى الرغم من التفاخر، فإن «يديعوت أحرونوت» كتبت في ملاحظة ذات مغزى أنه «رغم كل شيء، ومع قيود الرقابة العسكرية ينبغي التساؤل بشأن مسألة إدارة المخاطر في شعبة العمليات في الجيش الاسرائيلي. فهذه هي المرة الثالثة في غضون سنة يتبين فيها بأنه توجد مشكلة في شكل الإدارة وأخذ المخاطر».
وكتب المعلّق العسكري لـ«يديعوت» اليكس فيشمان أن إطلاق الصاروخ من غزة، وفّر لإسرائيل فرصة لتعزيز قدرتها الردعية انطلاقاً من التقدير بأن «حماس» غير معنية بالتصعيد. وأشار إلى أن «المصلحة السياسية لوزير الدفاع التقت بالمصلحة المهنية لرئيس الأركان، لا سيما الذراع الجوي، فانضم الاثنان تحت مظلة التقدير الاستخباري بأن حماس لا تعتزم توسيع المواجهة مع اسرائيل».
وأوضح أن «مصلحة ليبرمان السياسية هي تعزيز الردع الاسرائيلي حيال حماس وفي نفس الوقت تأكيد صورته الفاعلة أمام الجمهور في اسرائيل وتمييز نفسه عن وزير الدفاع السابق. ولكن حتى هو ما كان ليُصادق على هجوم لمستوى عنيف كهذا لولا خطّة عرضها الجيش وكان يُبرّر فيها أخذ مخاطرة التصعيد». وأضاف أنه «من ناحية مهنية، يُمكن الافتراض أن رئيس الأركان آيزنكوت هو الآخر لا يُريد أن يجرّ القيادة السياسية إلى مؤامرة فيها ما يُدهور الوضع لدرجة المواجهة الشاملة». وفي كل حال رأى أن «الجولة الأخيرة هي استغلال للفرصة».
وذهب بن كسبيت في «معاريف» أبعد من ذلك ليكتب أنه «من المبكر معرفة سبب الردّ الشاذ والقوي من الجيش الاسرائيلي ليلة أول أمس على الصاروخ الذي انفجر في سديروت. من الصعب أن نُصدّق بأن الحديث يدور بالفعل عن نوبة غضب من ليبرمان إثر ازعاجات وسائل الإعلام عن الفرق بين أقواله وأفعاله. فالجهاز العسكري لا يعمل بطريقة تسمح بردود انفعالية عفوية من هذا النوع».
وأضاف كسبيت أن «ما يتبقّى هو محاولة أن نفهم الأمور كما هي ببساطة. فقد نقل عن مصدر أمنىي اسرائيلي أمس كمن ينقل رسالة واضحة لحماس: معادلة ردود الجيش الاسرائيلي على حماس تغيّرت، ويجدر بالجميع أن يعتاد القواعد الجديدة. إذا كانت هذه هي القصة بالفعل، فينبغي الترحيب بذلك. وخلافاً لباقي أفعال ليبرمان حتى الآن في وزارة الدفاع، فإن هذا التغيير حيوي ومطلوب. قواعد اللعب التي كانت مُتّبعة حتى الآن كانت تقترب من التسيّب».
وأوضح كسبيت أن «من يُغيّر قواعد اللعب بشكل آحادي الجانب ينبغي أن يكون مستعداً لأن يسمح للطرف الآخر بأن يُحاول بلورة قواعد خاصة به. والسؤال هو هل لدى اسرائيل ما يكفي من الهواء، كي تحتمل جولة عنف مع حماس في التوقيت الحالي، مع نهاية الصيف وبداية السنة الدراسية؟ وهل نتنياهو، الذي أظهر مناعة متدنية جداً في الجرف الصامد، هجر سياسة الاحتواء التي اتّخذها مع موشيه بوغي يعلون في صالح المعادلة الجديدة لليبرمان؟». وأضاف أن «الاسناد الذي أعطاه نتنياهو لليبرمان الآن غير ذي صلة. والسؤال هو كيف سيتصرّف عندما ستدوي المدافع ويجلس السكان في الملاجئ. من أجل تغيير معادلة استراتيجية هناك حاجة لكفاءة مناعة، قدرة امتصاص واستعداد لدفع الثمن. نحن قبيل نهاية الصيف الثاني على التوالي بلا مواجهة في غزة. فهل نتنياهو مستعد لأن يأخذ الرهان لاشتعال واسع قُبيل أعياد تشري العبرية؟».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد