أربعة مفاهيم خاطئة عن التوحُّد
يُعدّ تاريخ التوحُّد، في أحد جوانبه، تاريخاً من الأساطير المتوارثة كأنَّها حقائق منقولة عن خبراء في الطب، كما أنَّها تشكّل رؤية المجتمع تجاه هذه الحالة المعقَّدة، وأخيراً، هي أساطير كشفت حقيقتها الأبحاث والدراسات المعمّقة. هذه الدائرة من الأساطير، كرَّرت نفسها مرة تلو الأخرى على مر الأجيال، ما ترك آثاراً كارثيّة على حياة البشر المصابين بالتوحُّد وعائلاتهم.
^ الأسطورة الأولى: التوحُّد كان نادراً في الماضي، لكنّه الآن أكثر انتشاراً
مواقع الإنترنت المُخصّصة لأهالي المصابين بالتوحُّد، تعجّ بالاقتراحات الغريبة: في العام 1970، بلغت نسبة المصابين بالتوحُّد من بين تلاميذ المدارس الأميركية، واحداً من كل عشرة آلاف، والآن تبلغ النسبة واحداً من بين كل 68 تلميذاً.
في الحقيقة، يعتبر المساهم الرئيسي في انتشار الخوف من التوحُّد في العقود الأخيرة، هو حقيقة أنَّ عدداً كبيراً من الأطفال والمراهقين والبالغين، تمّ تشخيص إصابتهم بالمرض. حتى عقد الثمانينيات، لم يكن هناك تصنيف للتوحُّد على أنَّه مرض. فقد تم تعريف الحالة في حدود ضيقة جداً وساد اعتقاد خاطئ ساهم الباحث الشهير كانر في نشره، ويقول إنَّ التوحد حالة نادرة.
لم يرغب كانر في وضع تحديد دقيق لتلك المتلازمة - التي تحمل اسمه أيضا «متلازمة كانر» - ولم يشجع التشخيص إلَّا إذا تطابقت صفات الأطفال مع الصفات الجوهرية التي حددها العام 1994.
^ الأسطورة الثانية: المصابون بالتوحُّد، لا يبدون تعاطفاً مع الآخرين
في الأجيال السابقة، وُصِف المصابون بالتوحُّد في لغة الطب والعلاج وفي وسائل الإعلام، بأنَّهم أشخاص لا عواطف لديهم، وغير قادرين على الرأفة. وقد كتبت إحدى الصحف عن «متلازمة اسبرجر» العام 1990 تصف التوحُّد بأنَّه «المرض الذي يصيب الأشخاص الذين ليست لديهم المقدرة على الإحساس».
في الواقع، عادةً ما يكون المصابون بالتوحُّد على درجة عالية من الإحساس والاهتمام بشعور من حولهم إلى درجة كبيرة. لكنّهم يجدون صعوبة في استعمال الإشارات الاجتماعية من قبيل التغير في تعبير الوجه، ولغة الجسد، ونغمة الصوت، التي تعتمد عليها الأنماط العصبية في نقل الحالة العاطفية من شخص إلى آخر.
^ الأسطورة الثالثة: ينبغي أن يكون الهدف هو جعل الأطفال المصابين بالتوحُّد غير مميزين عن أقرانهم
خلال عقد الثمانينيات، أثار عالم النفس ألغ ايفار لوفاس قلق أهالي الأطفال المصابين بالتوحُّد بقوله إنَّ بعض الأطفال يمكن جعلهم غير مميزين عن نظرائهم بإخضاعهم لبرنامج مكثّف وفردي لتعديل السلوك. الطريقة التي اخترعها معروفة باسم تحليل السلوك التطبيقي، ولا تزال أكثر أساليب التدخل المبكر المتبعة لمعالجة التوحُّد على مستوى العالم.
وقد اعترفت زميلته السابقة كريستين لورد، الباحثة الشهيرة في مجال التوحُّد، بأنَّ ادعاءه بالشفاء لدرجة العودة إلى السلوك الطبيعي والذي تحدث عنه الإعلام بلا كلل، «لا يعكس ما حدث فعلاً، وبالتأكيد لا يمكن استخدامه كدليل علمي».
فضلا عن ذلك، يسترجع بعض البالغين الذين كانوا مصابين بالتوحُّد تجاربهم من حيث أنَّ إرغامهم على التصرّف كنظرائهم الطبيعيين، أدَّى إلى إصابتهم بتوتّر على مدى الحياة.
^ الأسطورة الرابعة: نحن فقط نبالغ في تشخيص الأطفال غريبي الأطوار ممَّن لديهم اضطراب عصري
كل سمة من سمات التوحُّد يملكها أيضاً الأشخاص غير المصابين بالتوحُّد، لكن بدرجات مختلفة. المصابون بالتوحُّد يتميّزون بالتحفيز الذاتي، بينما الأشخاص العاديون يتحرّكون في محيط معيّن. العاديون لديهم وظائف ومشاعر، أما المتوحّدون، فلديهم حساسيّات مفرطة.
بيد أنَّ التوحد إعاقة في واقع الأمر. إنه إعاقة عميقة ومتفشية تؤثّر في مناحي الحياة كافة، كما يعلم المصابون بالتوحُّد، أو من له عزيز عليه مصاب بالتوحُّد. إنَّ إنشاء طرق وممرّات ليستخدمها المعوقون شيء يعرف المجتمع جيداً كيف يقوم به.
ما هو الشيء الموازي معرفياً لمثل تلك الممرات الممهدة الخالية من الأدراج وممرات الكراسي المتحركة؟ لقد بدأنا فقط في البحث عن الإمكانيات، برغم أنَّ العصر الرقمي وسَّع من خياراتنا على سبيل المثال، لتطوير مناهج تناسب أسلوب التعلّم الخاص بكل طالب على حدة.
على كل حال، لم يمض وقت طويل عندما اعتبر الطفل الذي يتواصل مع صديقه عن طريق الكتابة على لوحة المفاتيح معوقاً... الآن يعتبر هؤلاء مجرد مراهقين.
(«بي بي سي»)
إضافة تعليق جديد