تشكيك إسرائيلي بجدوى تقرير حرب غزة: ورقة إعلانية مطولة
شككت أوساط إسرائيلية بجدوى التقرير الذي نشرته وزارة الخارجية، حول مدى أخلاقية أداء الجيش الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، والمعروفة بحرب «الجرف الصامد».
ورأت هذه الأوساط أنه إذا كان التقرير يهدف إلى إقناع العالم بأن جرائم الحرب التي ارتكبت في قطاع غزة ضد المدنيين كانت مبررة، فإن هذا أشبه بعلاج حجامة لجسد ميت.
وفي العموم، فإن التقرير الإسرائيلي، الذي امتد على 270 صفحة، وتفاخر به رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يشكل في أفضل الأحوال خط الدفاع الذي سوف تنتهجه إسرائيل في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية، التي سترسل نهاية حزيران الحالي وفداً إلى الأراضي المحتلة لفحص ما إذا كانت ارتكبت جرائم حرب أم لا.
وأشارت «هآرتس» إلى أن مئات ساعات العمل، وجهد محامين وديبلوماسيين، وضباط لإنتاج تقرير من 270 صفحة منمق وشامل ومفصل هي حلم كل رجل قانون. مع ذلك فإن الشكوك تعتري جدوى هذا التقرير، و «ليس مبالغاً فيه القول بأن أثره على المكانة الدولية، والوضع القضائي والصورة العامة لدولة إسرائيل سيكون أقرب إلى عمل كؤوس هواء لميت».
وقالت «هآرتس» إن التقرير الإسرائيلي، الذي نشر أمس الأول، جاء ليستبق تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للبحث في الحرب على غزة، والمفترض نشره اليوم أو غداً. وأضافت أن أحد الأهداف المركزية للتقرير هي محاولة التأثير على طابع التغطية، وعلى الرواية التي ستنشر في وسائل الإعلام الدولية في الأيام القريبة. وشككت الصحيفة في ما إذا كان بالوسع تحقيق هذا الهدف.
ولاحظت الصحيفة أنه برغم الأهمية التي منحتها إسرائيل للتقرير، إلا أن الحضور الإعلامي الإسرائيلي والأجنبي كان ضئيلاً في المؤتمر الصحافي الذي عقدته الخارجية الإسرائيلية لعرض التقرير، وقالت إنه برغم «جدية العمل المستثمر في التقرير فإنه لم يقدم أية معلومات جديدة، فضلاً عن ذلك فإن رجال القانون الثلاثة، الذين تم اختيارهم لعرض التقرير، تعذر عليهم أن يثيروا الاهتمام، أو أن يلخصوا الوثيقة بعناوين مدوية تقود التغطية الإعلامية».
وأشارت إلى أنه برغم جدية التقرير، إلا أنه «في نهاية المطاف ليس أكثر من ورقة إعلانية مطولة اجتهدت حكومة إسرائيل لإعدادها. وهكذا سيُنظر إليها من جانب القلة القليلة التي ستقرأها من البداية إلى النهاية، أو من القلة التي ستقرأ ملخص أسس استنتاجاته. في عالم 2015، خصوصاً في دول الغرب، هذا لم يعد كافياً».
ودعت «هآرتس» حكومة إسرائيل، إذا كانت فعلا تريد إقناع العالم بصحة ما فعلته في الصيف الماضي، إلى إنشاء لجنة فحص مستقلة تشارك فيها جهات دولية. وهو ما حدث فعلا في لجنة «تيركل»، التي حققت في أحداث سفينة «مرمرة» التركية، حيث كان لتقريرها أثر حاسم في قرار لجنة تحقيق عيَّنها الأمين العام للأمم المتحدة بإعلان أن إسرائيل لم تخالف القانون الدولي عندما سيطرت على سفينة «مرمرة».
ووصفت «هآرتس» التقرير بأنه «ليس أكثر من مناورة أكاديمية»، عازية ذلك لواقع أن إسرائيل قررت مقاطعة لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان. وبرغم إشارة الصحيفة إلى أن مجلس حقوق الإنسان يميل ضد إسرائيل إلا أن القرار بمقاطعته كان أقل منطقية بعد استقالة القاضي شافاس، وتعيين القاضية الأميركية ماري ماكغفين ديفيس. وقالت «لو أن إسرائيل تعاونت مع لجنة التحقيق ربما كانت التحقيقات التي عرضت في التقرير أكثر تأثيراً».
عموماً لخصت «هآرتس» المشكلة الأصعب في التقرير، وقالت إنه يعاني من المشكلة ذاتها التي تعاني منها سياسات حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو. ففي السنوات الست الأخيرة، بدا أن نتنياهو ورجاله يحاولون حل كل مشكلة سياسية تواجهها إسرائيل عن طريق اكتشاف تبريرات ملتوية تقنع العالم كله أن إسرائيل على حق. لكن المشكلة هي أن تجنيد العالم يحتاج، ليس إلى الأقوال، وإنما إلى الأفعال. وبوسع مبادرة سياسية إسرائيلية لإعادة إعمار غزة، بالتعاون مع الأسرة الدولية، أن تشكل عملاً أفضل كثيراً من نشر أي تقرير.
في كل حال شمل التقرير الإسرائيلي معلومات استخبارية تثبت ادِّعاء إسرائيل أن إستراتيجية «حماس» كانت تركيز الحرب في مناطق مأهولة، واستخدام السكان المدنيين كدروع بشرية. ويتحدث التقرير عن حالات تستَّر فيها مقاتلون بين المدنيين، وأدلة بأن «حماس» أنشأت مراكز قيادية في البيوت المدنية واستخدمت المساجد كأماكن للقناصين، والمدارس كمخازن للسلاح. ويشير إلى حالات أجبرت فيها «حماس» المواطنين على البقاء في مناطق الحرب، والتغاضي عن تحذيرات الجيش الإسرائيلي قبل القصف لأهداف إرهابية. وأضاف «هذا العمل لمنظمات الإرهاب يعتبر جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية وإخلال واضح بالقانون الدولي».
جزء آخر من التقرير يستعرض العمليات التي قام بها الجيش الإسرائيلي من أجل تقليص إصابة المواطنين والعمل حسب القانون الدولي خلال الحرب. وتعرض فيه وثائق عسكرية تلخص التدخل الكبير لرجال قانون باتخاذ القرار إذا ما كان الهدف عسكرياً ويمكن ضربه. ويفصل التقرير أيضاً الأعمال الإنسانية لإسرائيل، بما في ذلك إدخال مواد طبية وغذائية أثناء الحرب. ويؤكد أن 44 في المئة من الشهداء الفلسطينيين كانوا مشاركين في الحرب، وبعض الشهداء تم الاشتباه بهم، لكن لا يمكن التأكد من ذلك.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد