الكلاب الشاردة تسرح وتمرح بنهش لحم السوريين
لم تعد الأزمة وحدها بما تحمله من عبء غلاء المعيشة، مسؤولةً بشكل مباشر عن نهش لحم المواطن السوري، الذي يردح تحت وطأة الحرب وارتفاع الأسعار، بل شاركت الكلاب الشاردة المنتشرة في دمشق وريفها، ومعظم المدن السورية، بهذه المهمة لتزيد وضعه مشقة، ولا سيما في مدن ريف دمشق التي تلقينا منها أكثر من خمس شكاوى، لمواطنين عضتهم كلاب شاردة قدمت من مناطق مجاورة، ولا سيما مدينة جرمانا، وباتت تتجول في الشوارع والأزقة وبين المارة حيث يثير منظرها الرعب، وخاصة بين الأطفال والنساء، بعد أي يتسلل الظلام إلى تلك الأماكن. وقد امتدت هذه الظاهرة لتشاهَد في أحياءٍ توصف بـ “الراقية”، كباب توما، وكفرسوسة، والقصاع، ما يسبب هلعاً بين السكان، وإزعاجاً من النباح، بحسب الشكاوى.
لجنة إسعاف سريعة
“محافظة ريف دمشق” شكّلت لجنةً مركزيةً سريعة، برئاسة محمد خير شمس الدين، عضو المكتب التنفيذي لقطاع الصحة والمياه والصرف الصحي، مهمتها لملمة الموضوع استشعاراً منها بتفاقم الظاهرة، وخروجها عن مستوياتها الطبيعية، وتمحورت مهامها حول متابعة عمل فرق ومفارز مكافحة الكلاب في كل وحدة إدارية، والتنسيق مع قيادات الشرطة في المحافظة لتأمين الرصاص الحي، ومتابعة مراكز مكافحة الكلب لتأمين المصل الخاص.
يقول شمس الدين رئيس اللجنة أنه تم القضاء على عدد كبير من الكلاب في مناطق عدة، وصل عددها كالتالي: “40 كلباً في منطقة دير علي، و200 في يبرود و40 في الديماس عن طريق التسميم”، موضحاً أنه جرى التنسيق مع بلديات ريف دمشق التي يبلغ عددها 141 بلدية، تستطيع المحافظة الوصول إلى حوالي 100 منها.
رئيس “بلدية جرمانا” تامر قسام، أكد أن الجهات المعنية قتلت 35 كلباً، 15 منها في حي النسيم بالتعاون مع شرطة البلدية.
بين التسميم والقنص
وأضاف قسّام، أن هذه الكلاب قُتلت بمادة “لانيت” السامة، لكنه أوضح أن هذه الطريقة مفعولها بطيء، ولا تحقق النتائج المرغوبة لذلك لجأت البلدية لاستخدام الأعيرة النارية وقنص الكلاب، لافتاً إلى أن الكلاب قُتلت في جرمانا قنصاً وسمّاً.
يخالفه الرأي محمد شمس الدين، الذي يوضح أن نسبة التسميم عالية وتستطيع القضاء على الكلاب بسرعة ومرونة، مشيراً إلى أن مناطق “جديدة الوادي، ببيلا، حرستا، رأس المعرة، الكسوة، المراح، بين جن، ضاحية الأسد، قلعة جندل، تلفيتا” يتم التعامل مع الكلاب فيها بمادة “لانيت” السامة بسبب عدم توفر الأعيرة النارية المناسبة لقنص الكلاب. هذا التضارب بالتصريحات يفتح أبواب تساؤل حول إمكانية القضاء على الكلاب الشاردة، التي غذتها الحرب وضحاياها المنتشرة.
48 حالة والرقم بتزايد
في غياب تام للإحصاءات الرسمية حول عدد الحالات التي تأثرت بعض الكلاب، أكد الطبيب صالح صادقة، رئيس دائرة الأمراض السارية والمزمنة، بـ”مديرية صحة ريف دمشق” أن 48 مواطن تعرضوا لحالات عض من حيوانات مختلفة، خلال الربع الأول من عام 2015، مشيراً إلى أن أكثر من 80% منها عضات كلاب، فيما توزعت باقي العضات بين القطط والحمير والبقر وابن آوى، وأضاف أن جميع الحيوانات تلجأ إلى العض عندما تشعر بالجوع المفرط.
بدوره كشف مصدر طبي من الممرضين في قسم الإسعاف بمشفى جرمانا، أن العضات في هذه المنطقة وحدها تفوق 50 حالة، وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته أن معظم الحالات كانت تسبّب عمليات جروح ورضوض عادية تحتاج إلى تعقيم وإسعافات أولية وعلاج، فيما تكون هناك حالات خطرة عندما يكون الحيوان المهاجم مصاباً بإحدى الأمراض الخطيرة.
داء الكلب مجهول المعالم
المصدر يضيف، أنه في حالات العض وعندما يكون الحيوان المهاجم مصاباً بداء الكلب تتحول العضة إلى حالةٍ في غاية الخطورة، وقد تؤدي إلى الموت في كثير من الأحيان، حيث تكمن خطورتها الكبرى، في تأخر ظهور أعراض الداء لأنه لا يظهر على مكان الجرح أي علامة تنبه لخطورة العضة، لذلك يتم تخريج المريض بعد تضميد جراحه مباشرةً، وإذا كان مصاباً بداء الكلب تتدهور حالته الصحية بعد عدة أيام تصل إلى أسبوع أو أكثر قليلاً، وهنا تكمن الصعوبة لأنه لا أعراض مرضية واضحة لهذا المرض القاتل، ولأن المشفى لا يستطيع احتجاز المريض عشرة أيام أو أسبوعين، يشاطره الرأي الدكتور صالح صادقة، الذي يشرح آثار عضة الكلب على نمطين:
الأول: عندما يكون الحيوان المهاجم سليم صحياً، ويكون دافع العض الشعور بالجوع، حيث يؤدي الهجوم لإحداث جرح عادي، أو رضوض في العظام على أكثر تقدير ويتم علاجها بالتعقيم والتضميد.
الثاني: عندما يكون الحيوان المهاجم مصاباً بـ فيروس “السعار” ويكون هذا المرض دافعاً للعض بسبب تحوّل الحيوان إلى مسعور يهاجم المواطنين بشكل عشوائي وشرس، لكن هذه الحالة تؤدي إلى الموت الحتمي بعد عشرة أيام.
وأشار صادقة، إلى أن داء الكلب لا يصيب الكلاب الضارية فقط، بل ممكن أن يصيب معظم الحيوانات، وبالأخص القطط والخفافيش، والذئاب، وغيرها.
السموم نتائجها محصورة والقنص هو الحل
بما أن الكلاب لا تزال تشارك المواطنين شوارعهم، وأحيائهم وطرقاتهم، حاولت الحكومة القضاء عليها بالمطلق، وهو ما حاولت فعله بطريقتين، الأولى بتسميم رؤوس الدجاج ورميها بالشوارع لتأكلها الكلاب، والثاني عبر عمليات القنص، وهو ما لم يكن فعالاً بدرجة واضحة بحسب مراسلات بين بلديات ريف دمشق والمحافظة وذلك رغم أن اصطياد الكلاب بالأعيرة النارية ودفنها لاحقاً تعتبر الطريقة الأكثر سلامة للمواطنين والأسرع في القضاء على الكلاب.
وبالتالي فكانت السموم هي الأجدى في مكافحة هذه الظاهرة على ما يؤكد محمد خير شمس الدين، رغم بطء عملية التخلص من الكلاب بسبب ضعف قدرات وفاعلية السمّ، وهو ما ذهب إليه الطبيب البيطري محمد بسام قلعجي، الذي أكد أن حاسة الشم القوية عند الكلاب تجعلهم يستشعرون وجود مواد كيميائية في بعض الأحيان، ما يؤدي لتراجعهم عن تناول الطعم المسموم، وفي أحيانٍ أخرى، عندما يعاني الكلب من جوع شديد فيلتهم الطعم دون أن يكترث لرائحة المواد الكيميائية ، وهنا يمكن تحقيق الفائدة المثلى من عملية التسميم.
ونفى قلعجي أي تأثير لمادة “اللانيت” الكيميائية على المواطنين، لأنها مخصصة لـ”اللواحم” أي الحيوانات الشاردة التي تتغذي على اللحم وتجوب الشوارع والبراري، موضحاً أن السم عبارة عن مادة تتحلل في المعدة، ويبدأ تأثيرها خلال عملية الهضم أي بعد ساعة من تناولها، حيث تصيب الجملة العصبية بشكل مباشر، وتؤدي لوفاة من تناولها بشكل مباشر، مشيراً إلى أن إمكانية استخدام الأعيرة النارية، والقنص أمر في غاية الصعوبة خلال الفترة الراهنة، ولا سيما في المناطق المأهولة بالسكان، خوفاً من إثارة الزعر بين المواطنين، إضافةً لصعوبة تأمين الأعيرة النارية المخصصة لهذا النوع من الصيد.
يخالفه الرأي الطبيب البيطري نضال محسن، الذي أكّد أن فعالية المواد الكيميائية الموجودة في “لانيت” تؤثّر على الجملة العصبية بشكل مباشر وسريع في حال لمسها، واستنشاقها من أيٍ كان وخاصة البشر وهنا مكمن الخطورة.
وأضاف محسن أن ثمة نشرة صحية كاملة تجهزها دوائر أطباء البياطرة لإرشاد المواطنين على كيفية استعمال “اللانيت” دون أن يتأثروا بها مشدداً على ضرورة تنبيه المواطنين عند استعمالها، ونقل جثث الكلاب المتضررة منها بعد نفوقها مباشرةً لا أن تترك بالشوارع.
مصل الكلب “السعار” متوفر ولكن بعد العضة!
فيما يخص اللقاحات والعلاجات المقدمة لهذه المشكلة من المراكز الصحية التابعة للمحافظة، كشف الطبيب صالح صادقة عن توفر ستة مراكز صحية، ومركزين مؤقتين في بلودان والزبداني، والباقي دائمين في كل من سعسع، والنبك، والقطيفة، وجديدة عرطوز، يضاف إليها المراكز الرئيسية في العاصمة دمشق وأبرزها “مشفى ابن النفيس” الحكومي، موضحاً أن اللقاح يعطى للمواطنين بعد أن يتعرضوا للعض، وذلك على الرغم من ارتفاع احتمال وفاة الشخص بشكل كبير جداً، في حال تعرّضه لعضة حيوان مصاب بالسعار.
الحذر واجب
قد لا تكون الكلاب، وحدها مسؤولة عن معاناة السوريين مع أزمتهم، لكنها حتماً بتشردها بهذا الشكل البشع في الشوارع، أمر مخيف، يتوجب معالجته، ناهيك عن أن المرض ممكن أن ينتقل حتى للحيوانات الأليفة التي تربى داخل المنازل مع الأطفال.
أحمد حاج حمدو
المصدر: الاقتصادي
إضافة تعليق جديد