اليمن: الصراع السياسي يعطل الثقة بحكومة بحاح
مرّة جديدة يدفع الأبرياء في اليمن ثمن الصراع السياسي المحتدم في البلاد، والذي بات مؤكداً ان جهات في الداخل والخارج تسعى الى إطالة أمده، وإيصاله الى تخوم حرب اهلية تحصد ارواح مزيد من الابرياء، وتوفر التربة الخصبة لتمدد القوى الارهابية، التي قتلت بالامس 25 شخصاً، بينهم 15 طفلاً، في تفجير استهدف موقعاً للحوثيين في محافظة البيضاء، في جريمة ترافقت مع تعثر اتفاق المصالحة الوطنية، والذي تبدّى في فشل حكومة خالد بحاح في الحصول على ثقة البرلمان، بعدما رفض النواب المقربون من الرئيس السابق علي عبد الله صالح التصويت.
وقتل 25 شخصاً على الاقل، بينهم 15 طفلاً، الثلاثاء في هجوم بسيارة مفخخة على موقع للحوثيين في وسط اليمن، وفق ما اعلنت مصادر امنية.
وقتل الاطفال حين اصاب الانفجار الذي استهدف منزل عبد الله ادريس، القيادي الحوثي في رداع في محافظة البيضاء، حافلة مدرسية كانت تقلهم بحسب المصادر الأمنية التي اكدت ان الاعتداء يحمل «بصمات تنظيم القاعدة».
وأكدت وزارة الدفاع، عبر موقعها على الانترنت هذه الحصيلة، مشيرة الى «اعتداء جبان» على منزل مواطن وحافلة مدرسية.
ونقل موقع الوزارة عن مسؤول عسكري أن الهجوم أدى الى مقتل «15 تلميذاً وعشرة مواطنين» متهماً «إرهابيي شبكة القاعدة» بتنفيذه.
ويسعى الحوثيون وإرهابيو تنظيم «القاعدة» منذ أشهر للسيطرة على مدينة رداع التي تشهد مواجهات عدة وعمليات عسكرية دامية بين الطرفين.
وتزايدت هذه العمليات منذ أن عزز الحوثيون حضورهم في رداع في سياق هجوم بدأوه من معقلهم في صعدة (شمال)، وأتاح لهم في 21 ايلول الماضي السيطرة على العاصمة صنعاء، قبل أن يزحفوا باتجاه وسط البلاد وغربها.
واصطدم الحوثيون اثناء تقدمهم بمناهضة بعض القبائل وتنظيم «القاعدة»، الذي توعّد بشن حرب لا هوادة فيها ضد المقاتلين الزيديين.
وزادت هذه المواجهات من إضعاف سلطة الدولة، وكان آخر فصول هذا الضعف قيام الحوثيين، يوم امس، بمحاصرة مقر وزارة الدفاع لفترة قصيرة، بحسب ما افاد مصدر عسكري.
ومنع الحوثيون العميد الركن حسين ناجي هادي خيران، وهو الرئيس الجديد لهيئة الأركان العامة اليمنية، من الدخول إلى مبنى وزارة الدفاع، في استعراض جديد للقوة بعد يوم على اتهام الجماعة المسلحة للرئيس عبد ربه منصور هادي بتسهيل الفساد ومطالبتها بمراقبة الإنفاق الحكومي.
ويزيد تصاعد التوتر بين الحوثيين - الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء - وهادي المدعوم من الولايات المتحدة من احتمال مواجهة مفتوحة بينهما بعد أشهر سعى خلالها الرئيس اليمني إلى إرضائهم.
وكان زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي اعتبر، في خطاب ألقاه أمام مجموعة من الزعماء القبليين في معقله في صعدة في شمال اليمن مساء أمس الاول، أن هادي «كان يتصدّر قوى الفساد» في البلاد. وأضاف ان «الرئيس عبد ربه منصور هادي كان خلال الثورة الشعبية والتصعيد الشعبي يتصدر قوى الفساد في الإساءة إلى الشعب اليمني» مشيراً إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي كانت تقودها جماعته قبل سيطرتها على العاصمة. وتابع «أنا هنا أقول له شعبنا اليمني صحيح شعب عظيم ومتسامح وكريم ولكنه لن يبقى متغاضياً إلى ما لا نهاية.» وكان يتحدث إلى شيوخ قبائل خولان التي أيدت جماعته منذ البدايات وحتى صعودها.
ورداً على هذه الاتهامات قال مسؤول كبير في مكتب الرئيس اليمني إن الخطاب يظهر أن الحوثيين، الذين اخترقوا مؤسسات الدولة منذ استيلائهم على صنعاء في أيلول الماضي، يخططون لإسقاط الحكومة و»استكمال السيطرة على الدولة». وأضاف المسؤول الرئاسي أن خطاب الحوثي «كان خالياً حتى من لغة التخاطب السياسي مع رئيس الدولة وبالتالي نتوقع أن يكون لدى الجماعة مخطط آخر شبيه بمخطط إسقاط صنعاء».
وقال الحوثي إنه تم تشكيل لجان لمتابعة عمل الوزارات بعد سقوط صنعاء، وإن هذه اللجان كشفت محاولات بعض المسؤولين تقاسم مليارات الريالات الفائضة في ميزانيات بعض الوزارات خلال عملية الجرد السنوي التي تجري هذه الأيام. ولم يذكر أسماء هؤلاء المسؤولين. كما طالب أيضاً بضرورة «أن تخضع ميزانية العام 2015 لمراجعة دقيقة، وذلك حتى لا تكون أيضاً دعماً إضافياً وهائلاً للفاسدين والعابثين»، مطالباً الحكومة بتسليم الأجهزة الرقابية لـ»الثوار»، وذلك لكي «يراقبوا ويتابعوا ويتأكدوا حتى لا تضيع أموال هذا الشعب».
وفي السياق، اقتحمت مجموعة أخرى من الحوثيين مقر صحيفة «الثورة» الرسمية، وأمرت بإقالة رئيس مجلس إدارتها فيصل مكرم، بحسب ما ذكر مصدر في هيئة التحرير.
وعين الحوثيون رئيساً جديداً للصحيفة الرسمية، وأكدوا انهم تحركوا بناء على تعليمات من زعيم «انصار الله» (الإطار السياسي للحوثيين) عبد الملك الحوثي الذي «أمرهم بالدخول الى مؤسسات الدولة كافة لإنهاء الفساد فيها»، بحسب المصدر ذاته.
وبالتزامن مع ذلك، دخل الى مدينة تعز، كبرى المدن في جنوب غرب اليمن، مئات المسلحين الحوثيين وأدوا شعائرهم الخاصة في أحد مساجد المدينة السنية، وذلك بشكل غير مسبوق.
وبحسب مصادر محلية، فقد دخل المسلحون الحوثيون الى المدينة بحجة تشييع جثمان احد الضباط القريبين منهم.
ويعد هذا أول دخول مسلح للحوثيين الى تعز التي اكدت قياداتها المحلية رفض دخول المسلحين اليها.
يأتي ذلك، في وقت فشلت حكومة خالد بحاح في الحصول على الثقة في البرلمان، بعد رفض نواب «حزب المؤتمر الشعبي العام»، الذي يهيمن عليه علي عبد الله صالح، التصويت احتجاجاً على اغلاق مقر الحزب في عدن، كبرى مدن الجنوب.
واشار موقع «براقش نت» الإخباري على الانترنت، وهو المقرب من حزب صالح، إلى أن الحكومة أخفقت اليوم في الحصول على ثقة البرلمان لأسباب منها اقتحام مقار حزب المؤتمر ورفض الحكومة بإلغاء العقوبات الدولية المفروضة على صالح واثنين من جماعة الحوثي.
وأضاف ان رئيس البرلمان يحيى الراعي رفع الجلسة بعدما سادت القاعة حالة من الفوضى، وانسحاب كتلة «المؤتمر الشعبي العام».
وقال الراعي «بما أن القلوب ليست عند بعضها نرفع الجلسة»، في إشارة مباشر إلى تعنت كتلة «المؤتمر الشعبي» في عدم التصويت على منح الثقة.
وخاطب الراعي البرلمان والحكومة قائلا ً»علينا ان نتحمل بعضنا البعض وألا نشتغل بالريموت من خارج البرلمان والحكومة».
ويشكل الحزب الذي يتزعمه صالح غالبية في البرلمان، كما يشارك في الحكومة من خلال مقربين منه.
وعقدت جلسة التصويت على الثقة في البرلمان للحكومة التي تشكلت بموجب اتفاق سياسي بين مختلف الاحزاب في اعقاب سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية، إلا أن نواب «المؤتمر الشعبي» العام انسحبوا ولم يتم التصويت.
وخرج وزراء الحكومة غاضبين من قاعة البرلمان، في حين لم يحضر رئيس الوزراء نفسه الجلسة، وهو قد يكون ابلغ برفض «المؤتمر الشعبي» التصويت بشكل مسبق.
وقال رئيس كتلة «حزب المؤتمر الشعبي العام» سلطان البركاني للصحافيين إن «اقدام اجهزة الامن على اغلاق مقر الحزب في عدن قد لا يخدم الحكومة، وهو يشبه عملية اغلاق قناة (اليمن اليوم) قبل اشهر»، في إشارة الى اغلاق القناة التابعة لصالح في اطار صراع بين الرئيس السابق والرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، وهو ايضاً من قياديي «المؤتمر الشعبي».
وشن الرئيس عبد ربه منصور هادي، أمس الاول، هجوماً عنيفاً لا سابق له على سلفه صالح وقال «منذ تسلمنا السلطة وقيادة الوطن منذ أقل من ثلاثة أعوام لم نرث دولة مؤسسات ونظاماً وقانوناً ولا جيشاً ولا أمناً موحداً».
وأضاف هادي في كلمة له القيت في أعمال مؤتمر عام لـ»الحزب الاشتراكي اليمني»، الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة، «ورثنا بركاناً يضطرم في إناء مغطى بقشرة خفيفة من الأفراح والمناسبات الشكلية والضجيج الإعلامي، الأمر الذي عكس نفسه على مستوى الأداء السياسي والحكومي والأمن والاستقرار وانتعاش المشاريع الصغيرة على حساب مشروع الوطن الكبير المتمثل في بناء الدولة المدنية الحديثة وفقاً لروح الدستور المعبر عن قيم العصر».
وكان الرئيس اليمني السابق قرر في منتصف تشرين الثاني الماضي عزل هادي من منصبه كنائب أول للحزب وأمينه العام ومستشاره السياسي عبد الكريم الارياني النائب الثاني للحزب رداً على قرار لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن بفرض عقوبات على صالح واثنين من قادة الحوثيين. واعتبر صالح يومها أن العقوبات قد جاءت بطلب من الرئيس هادي.
وأدت هذه القرارات إلى حدوث انقسامات وانشقاقات كبيرة في صفوف «المؤتمر الشعبي» إلى ما يشبه فصيلين أحدهما موالٍ لصالح والآخر لهادي الذي يلقى الدعم من القيادات الحزبية في المحافظات الجنوبية، والتي رفضت قرارات صالح، واعتبرتها غير شرعية.
ويرى مراقبون سياسيون أن «المؤتمر الشعبي» يواجه في الوقت الراهن انشقاقاً واضحاً وكبيراً، وانه في أسوأ مراحله، وتسوده حالة من الاصطفاف الجهوي والمناطقي.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد