ثورة جياع في اليمن السعيد
«لماذا قمنا بثورة إذاً!» يقول صاحب عربة تاكسي. يخبرنا أنه ينتظر منذ السادسة صباحاً وصول ناقلة المواد البترولية إلى المحطة لكنها لم تصل. مطلع الأسبوع الماضي صعد وزير المالية صخر الوجيه إلى منصة مجلس النواب، وقال بصوت صارم ومباشر أمام جمهور المجلس: «لا بد من إقرار إجراء رفع الدعم نهائياً عن المواد البترولية. هو الحل الوحيد لمنع وقوع الكارثة على اليمن».
لم تمر ساعات قليلة حتى يظهر تسجيل فيديو على شبكة التواصل الاجتماعي على الإنترنت يستعيد تسجيلاً منذ خمس سنوات ماضية للشخص نفسه (وزير المالية) عندما كان وقتها قابعاً في صفوف المعارضة في مجلس النواب. يُظهر التسجيل مداخلة لصخر الوجيه وهو يندد بنيات نظام علي عبدالله صالح الذاهبة إلى إقرار رفع الدعم جزئياً عن تلك المشتقات البترولية، قائلاً بالنبرة الصارمة نفسها «إنهم يريدون قتل الشعب». يظهر الفارق واضحاً بين الواقعتين في حين يبقى الفساد هو العامل المشترك بينهما.
يقول أحمد الأصبحي، وهو أستاذ جامعي، متسائلاً عن سر هذه الرغبة في سحق الناس وإرهاقهم من كل الأطراف وفي كل الأزمنة، «هم يقولون إن الفساد يمنع وصول الدعم إلى مستحقيه من عامة الشعب، لكن لماذا لا يحاربون الفساد؟ هل هذه حكومة أم جمعية خيرية؟».
لكن ما يدفع كثيرين إلى الاستغراب هو أن الحكومة نفسها تعترف في تقارير صادرة من جهتها بحجم الفساد الهائل الذي يأكل البلد. في تقرير منشور في بداية عام 2013، أشار إلى مبلغ عشرة مليارات دولار هي حجم التسرب من مال البلد بسبب الفساد المتوزع بين الرواتب الوهمية لموظفين غير موجودين من الأساس في المرافق الحكومية إضافة إلى أسماء جنود وهميين في صفوف الجيش، وتذهب هذه المرتبات إلى أسماء بارزة في ذلك الجيش ولا أحد يقدر على التصرف معهم. ليس هذا فقط. في الحكومة الحالية بلغت بدلات السفر لعدد من وزراء الحكومة التوافقية الحالية أرقاماً غير مسبوقة، لم تحدث حتى في أيام النظام السابق. وقد صدر قرار من رئيس الوزراء بضرورة الاقتصاد في مسائل السفر ووضعها بحسب الأهمية، لكن وزير المالية ردّ بأنها حكومة توافقية وأنه لا يقدر على منع أحد من الوزراء من السفر.
وعليه تبدو أي عملية رفع دعم عن المشتقات البترولية مسألة عديمة الجدوى مع بقاء الفساد على حاله. كذلك فإن أي إجراء لرفع الدعم سوف يؤدي مباشرة إلى رفع أسعار كل شيء، ما سيدفع الناس للعودة إلى مربع المواجهة ثانية.
يقول خبير في الاقتصاد في جامعة صنعاء، فضّل عدم ذكر اسمه، إن هذا الاجراء نفسه حدث في زمن علي عبدالله صالح وكاد البلد يدخل في جحيم حقيقي. وقال إنهم لا يمتلكون قدرة على قراءة التاريخ القريب، وأعطى مثالاً على ذلك «في عام 2005 قررت الحكومة رفع الدعم جزئياً عن المشتقات النفطية، فخرج الناس إلى الشوارع وأحرقوها، ما دفع الرئيس صالح إلى التراجع عن القرار، فكيف ستكون الحال اليوم وسط هذه الظروف وهي الأصعب في تاريخ اليمن الحديث؟». لكن حكومة محمد سالم باسندوة، بعد انتشار خبر رفع الدعم، سارعت إلى تهدئة الناس وقامت بنفي الخبر، لكن بشكل غير مباشر، وقال المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء راجح بادي إن وزير المالية قال رأياً شخصياً يخصه، وإن الحكومة لم تتخذ بعد أي قرار في هذا الشأن. حدث هذا بعد ظهور حالة غليان في الشارع تساندها قوى ما يسمى «الثورة المضادة» التي أخرجت مظاهرات متباعدة تطالب بإسقاط الحكومة، ولاقت تجاوباً كبيراً من مختلف الفئات، ومنها فئات جماهيرية كانت من ضمن الذين خرجوا في الاحتجاجات التي أسقطت الرئيس صالح. وهو الأمر الذي دفع لإعلام مساند للحكومة التوافقية قائلاً إن تلك المظاهرات مدعومة من النظام السابق وتسعى لخلخلة النظام الحالي. وهو الكلام نفسه الذي كان يقوله النظام القديم نفسه.
وعلى الرغم من كل هذه الملاسنات الكلامية بين الأطراف كافة، لا يبدو الأمر كمزحة. «لم يعد الناس قادرين على تصريف أمور حياتهم في مثل هذه الظروف، فكيف ستكون الحال إذا ما تمّ إقرار رفع الدعم بشكل كامل»، يقول محمد الإدريسي، وهو مدرس ثانوي يضطر إلى العمل في إحدى المدارس الحكومية صباحاً وفي إحدى المدارس الخاصة في الفترة الثانية كي يقدر على توفير وتغطية مصاريف أسرته واحتياجاتهم اليومية.
كل هذا ولا يزال الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي مقيماً في صمته الأبدي، مكتفياً بإصدار الأمر تلو الآخر من أجل تشديد الحراسة وتأمين قصره الرئاسي في صنعاء، وذلك بعد الإعلان عن خطة لواحدة من الجماعات الأصولية مدعومة من رعايا النظام السابق تسعى لاغتياله، وهو ما ظهر واضحاً في شوارع العاصمة من خلال الانتشار الواسع لقوى الحرس الرئاسي، ما يشير إلى وضع من رفع حالة التأهب إلى درجاتها القصوى.
والحال هذه يبقى الشارع اليمني مترقباً لما ستؤول إليه الأيام القادمة وينظر إليها بترقب. يقول محمد النويهي، وهو من الذين شاركوا في ثورة إسقاط نظام صالح، إن هناك شيئاً غير معلن يجري خفية عن الإعلام بخصوص رفع الدعم، مؤكداً أنهم على استعداد لمواجهته، وقال «المرة الماضية قمنا بثورة وأسقطنا نظام صالح فقط، لكن هذه المرة سنخرج إلى الشوارع وسنأكل هذه الحكومة».
124 طفلاً وطفلة اختُطفوا العام الماضي
أفاد تقرير حقوقي في اليمن بأنه وُثِّقت حالات اختطاف 124 طفلاً وطفلة خلال العام الماضي 2013، منهم 105 ذكور و19 من الإناث. وأشار التقرير السنوي الذي أطلقته منظمة سياج لحماية الطفولة (غير حكومية) في مؤتمر صحفي، أمس، في صنعاء إلى أنه جرى التحقق من 124 حالة من تلك الحالات عبر بلاغات تلقتها المنظمة من ذوي الضحايا ومن خلال شبكة الراصدين الميدانيين في المنظمة، لافتاً إلى أن عدد الحالات إجمالاً، بما فيها ما لم يُوثَّق، تتجاوز 150 حالة اختطاف لأطفال خلال العام الماضي. وتوزعت حالات الاختطاف بحسب التقرير على 14 محافظة يمنية (عدد المحافظات 23)، جاء في مقدمتها أمانة العاصمة بـ 36 حالة ثم تعز بـ20 حالة ومحافظة عمران بـ10 حالات. وجاءت الجماعات المسلحة على رأس الجهات القائمة بالاختطاف، تلتها قوات الأمن، ثم العصابات، وأخيراً الأشخاص والأفراد العاديون.
جمال جبران
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد