علاء الأسواني: إلى متى نخترع العجلة؟
من فضلك أجب عن الأسئلة الآتية:
1 ـ لو أخبرتك أن الله سبحانه وتعالى قد خلق 360 شخصاً بطريقة مميزة، فجعل في قدرتهم أن يصنعوا الرعد والبرق والمطر ويتحكموا في الشمس والليل والنهار، وأن هؤلاء الأشخاص المقدسين يتزوجون بنساء مقدسات مثلهم لكنهم لا يضاجعون زوجاتهم كما يفعل الرجال العاديون، وإنما يتفوه الرجل المقدس بكلمة معينة أمام فم زوجته فيحدث الحمل فوراً في بطنها المقدس بغير حاجة لممارسة الجنس. هل يمكن أن تصدق هذا الكلام؟
2 ـ لو أخبرتك أن الله يطلب منك أن ترتدي سروالاً معيناً ولا ترتدي سواه أبداً، كما يأمرك سبحانه وتعالى بأن تلبس في معصمك سواراً من الفولاذ وأن تستعمل مشطاً معيناً لتصفيف شعرك وأن تحمل خنجراً تعلقه على وسطك ولا تخلعه أبداً .هل يمكن أن تصدق أن هذه أوامر الله وأنك لو عصيتها ستحيق بك اللعنة؟
3 ـ لو أخبرتك أن الله قد خلقك في أدنى مرتبة إنسانية وأنك ستعيش وتموت منبوذا محتقرا من الجميع، والسبب في ذلك أن روحك في حياة سابقة كانت تعيش في جسد شخص شرير ارتكب الكثير من المعاصي والجرائم، وبالتالي عليك أن تتحمل احتقار الناس واضطهادهم لك طوال حياتك كعقاب عادل لروحك، وعندما تموت ستبعث روحك من جديد في جسد شخص طيب فتحظى عندئذ بكل حقوقك واحترام الناس ومحبتهم.. هل يمكن أن تصدق هذه الفكرة؟
عزيزي القارئ إذا كنت مسيحياً أو مسلماً فسوف تجد الأفكار السابقة في منتهى الغرابة وقد تسخر منها باعتبارها خزعبلات. إعلم أن هذه الطقوس والعقائد تنتمي ـ بالترتيب ـ الى الصابئة والسيخ والهندوس، وهذه الديانات الثلاث يؤمن بها ملايين الناس في العالم، ويكفي أن تعلم أن أتباع الديانة الهندوسية يزيد عددهم عن 900 مليون شخص، يشكلون نحو 14 في المئة من البشر، والعقيدة الهندوسية تأتي في المرتبة الرابعة من حيث قوة انتشارها في العالم (بعد المسيحية التي هي ديانة 33 في المئة من البشر ثم الاسلام الذي يشكل عقيدة 21 في المئة من البشر ثم اللادينيون الذين لا يؤمنون بدين وهم 16 في المئة من سكان العالم).. المنتمون الى ديانات لا نعرفها مثل الهندوسية ليسوا إذن حمقى ولا أغبياء ولا مشعوذين وإنما أشخاص طبيعيون مثلنا، وكثيرون منهم أذكياء ومتعلمون جيداً، لكنهم، بالرغم من رجاحة عقولهم، يؤمنون بكل هذه الطقوس الغريبة في نظرنا، ويعتبرونها حقائق مقدسة مطلقة، يدافعون عنها بحرارة ويرفضون التشكيك فيها ولو من بعيد. تماماً كما نؤمن نحن المسلمين والمسيحيين بمعجزات ووقائع دينية لم نرها بأعيننا، لكننا نقدسها ونرفض التشكيك فيها مطلقاً، بينما قد يعتبرها البوذي أو الهندوسي أفكاراً غريبة وغير قابلة للحدوث.
علينا هنا أن نعترف أن الذين عاصروا نشأة الدين في العصور القديمة هم وحدهم الذين اختاروا الإيمان بالدين بإرادتهم الحرة، لأنهم كان بوسعهم أن يرفضوه، أما الناس في الأجيال اللاحقة فهم غالباً لا يختارون أديانهم بإرادتهم الحرة، وإنما يولدون بها، ولو أنهم ولدوا بأديان أخرى لآمنوا بها بالحماس نفسه. لو أن المسيحي ولد بوذياً لآمن أن بوذا هو الحقيقة الوحيدة في هذا العالم، ولو أن المسلم ولد هندوسياً لاعتبر أن الهندوسية دين الحق.
علينا أيضاً أن نعترف أن الإيمان بالدين اعتقاد عاطفي بالأساس، وأننا قلما نستعمل العقل في الوصول الى الدين. إن دين أي شخص في هذا العالم يتحدد ساعة زواج أبيه بأمه. نحن نرث الدين عن أبوينا، ثم نؤمن به بعواطفنا، ونستعمل كل ما وهبنا الله من ذكاء لندلل على صحة عقيدتنا الدينية. الدين اعتقاد حصري ومطلق، بمعنى أن كل صاحب دين لا بد أن يؤمن أن دينه هو الوحيد الصحيح، وأن بقية الأديان كلها مزورة أو مختلقة أو محرفة. الإسلام يعتبر المسيحية واليهودية ديانتين محرّفتين، والمسيحية لا تعترف بنبوة سيدنا محمد، واليهودية لا تعترف بالمسيحية ولا بالإسلام. أما بقية أديان العالم فالمسلمون والمسيحيون واليهود لايعتبرونها أدياناً سماوية من الأساس.
الإنسان من أجل الدفاع عن معتقداته الدينية على أتم استعداد لأن ينكر حقائق واضحة كالشمس، ويناور ويغالط ويكذب وقائع ثابتة قاطعة، بل إن الانسان إذا تصور أنه يدافع عن دينه فمن السهل أن يعتدي على حقوق الآخرين، وقد يقتلهم إن لزم الأمر. من هنا فإن الصراعات الدينية، أكثر من أي عامل آخر في التاريخ، كثيراً ما تسببت في حروب ضارية ومذابح بشعة راح ضحيتها مئات الملايين من البشر.
إن قتل الآخرين دفاعاً عن الدين أسهل بكثير من قتلهم دفاعاً عن الوطن أو الشرف. اذا كنت تعتبر أن دينك هو الوحيد الصحيح فمن الصعب أن تعترف لأصحاب الأديان الأخرى (المزوّرة) بالحقوق نفسها التي تتمتع بها لأنهم في ضلال مبين، بينما تملك أنت وحدك الحقيقة الإلهية. إنك تعتبرهم نوعاً من البشر غير مكتمل الانسانية تماماً لأنهم كفار أنجاس مقززون، وبالتالي فإن حقوقهم الإنسانية في نظرك ليست ثابتة أو مطلقة، وإنما تتوقف على حسن سلوكهم، فإذا أساءوا التصرف فإن الاعتداء عليهم أو الاستيلاء على ممتلكاتهم او حتى سبي نسائهم قد يكون في لحظة ما مشروعاً وربما واجباً.
إن خلط الدين بالسياسة يؤدى دائماً الى الكوارث. كل من يمارس السياسة من منطلق ديني سوف يتحول حتماً الى شخص متعصب، يمقت ويحتقر كل من يخالفه في الرأي، ويستعمل وسائل الدفاع عن الدين في تبرير سياسات بشرية قابلة بطبيعتها للصواب والخطأ.
ما حدث في مصر خلال عام واحد من حكم «الإخوان» أكبر دليل على ذلك. لقد خلط أتباع الاسلام السياسي بين تصرفات شيوخهم وبين أوامر الدين المقدسة، وها نحن نراهم يدافعون عن مرسي المعزول وكأنهم يدافعون عن عقيدتهم الدينية فيغالطون ويجادلون وينكرون حقائق واضحة كالشمس، بل إن كثيرين من أنصار «الإخوان» قد أسبغوا على مرسي طابعاً مقدساً، وأكدوا أنه مؤيد من الله وأن الإطاحة به معصية لأوامر الله ورسوله. محمد مرسي الفاشل، الألعوبة في يد خيرت الشاطر، الذي تم في عهده اعتقال 3462 مواطناً، ومقتل 143 شهيداً رمياً بالرصاص أو تحت التعذيب، والذي أصدر إعلاناً دستورياً عطل به النظام الديموقراطي وتحول الى ديكتاتور يضع قراراته فوق القانون والدستور، كل هذه جرائم تكفي لعزل أي رئيس ومحاكمته، لكن أنصار «الإخوان» يمارسون السياسة من خلال عقيدتهم الدينية، الأمر الذي يمنعهم دائماً من رؤية الحقيقة. إنهم يعتبرون الثورة التي أطاحت بمرسي مؤامرة ضد الإسلام وبالتالي لا يتورعون عن قتل الأبرياء وتعذيبهم، بل وذبحهم والتمثيل بجثثهم، بينما هم يكبّرون ويهللون لأنهم يؤمنون أن معارضي مرسي ليسوا مجرد خصوم سياسيين وإنما هم مجموعة من المنحلين أو الكفار أو عملاء للصهيونية، ما يجعل التنكيل بهم جهاداً مقدساً في سبيل الله. هنا يجب علينا ان نتعلم الدرس.. إن ملايين المصريين الذين صنعوا الموجة الثورية الكبرى في يوم «30 يونيو» لم يكن مطلبهم مجرد خلع مرسي وإنما كانت رسالتهم واضحة وقاطعة أن مصر لم تعد تتحمل ولم تعد تريد أحزاب الإسلام السياسي من أساسها. كنا نتوقع بعد «30 يونيو» أن يتم حل الأحزاب السياسية التي قامت على أساس ديني وحظرها كما نصت كل دساتير مصر منذ العام 1923، لكننا فوجئنا بدعوة «حزب النور» السلفي، وهو من أكثر الأحزاب الدينية رجعية وتشدداً، ليشارك في كتابة الدستور. ثم فوجئنا مرة أخرى بأحاديث بعض المسؤولين عن المصالحة مع الإخوان، كأن ما حدث في مصر ليس ثورة شعبية ضد حكم عصابة إرهابية فاشية وإنما مجرد مشاجرة بين صديقين أو زوجين تنتهي باعتذار وأحضان وقبلات ثم تعود المياه الى مجاريها.
بعد أن رأينا بأنفسنا المصائب التي جرها علينا الحكم باسم الدين يجب علينا في الدستور الجديد أن نفصل الدين عن الدولة ونمنع إنشاء الأحزاب على أساس ديني. بغير ذلك فسوف تقع مصر في قبضة الفاشية الدينية من جديد وسنكون أشبه بمن بذل مجهوداً كبيراً ثم اخترع في النهاية عجلة فضاع جهده بلا طائل. ماذا نريد لمصر بالضبط؟ هل نريد لها أن تكون دولة ديموقراطية عصرية أم نريد لها نظاماً دينياً فاشياً مثل الذي يحكم أفغانستان والصومال والسودان؟
إن فصل الدين عن الدولة لا يعني إطلاقا محاربة الدين أو نزع الطابع الديني عن الشعب والمجتمع. الدولة المدنية تحترم الأديان جميعاً وتحمي حقوق الناس في ممارسة أديانهم لكنها لا تنحاز لأي دين بعينه ولا تزعم أنها تحكم باسم الله. إن الأحزاب الدينية لا مكان لها في النظام الديموقراطي ولا في منعها إقصاء لأحد. إذا أراد «الإخوان» والسلفيون العمل بالسياسة فعليهم أن ينشئوا أحزاباً سياسية مدنية لا علاقة لها بالدين، واذا تم انتخابهم فعليهم أن ينفذوا سياساتهم باعتبارها اجتهاداً بشرياً قابلا للصواب والخطأ لا باعتبارها أوامر دينية ينفذونها فينا بأمر الله ويكفرون كل من يعترض عليها. هذا الفصل بين الدين والسياسة يجب أن يمتد أيضاً الى دُور العبادة، فلا يجوز أبداً ان تستعمل المساجد والكنائس لأغراض سياسية مهما تكن الظروف. الفصل الكامل بين الدولة والدين هو الدليل على أننا استفدنا من أخطائنا واستوعبنا الدرس جيداً. الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها جميعاً.
علاء الأسواني
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد