لبنان: الأسير يقسم السنة
في يوم الجمعة الأول بعد هروب أحمد الأسير وإزالة مربعه الأمني، أقفلت معظم مساجد صيدا أبوابها، ليس تضامناً مع مسجد بلال بن رباح فحسب، بل أيضاً لصنع مشهد يظهر أن الشعارات الأسيرية لم تسقط. صلوات الجمعة اختصرت بصلاة جامعة في جامع الزعتري، خطب فيها مفتي المدينة سليم سوسان بحضور الرئيس فؤاد السنيورة والشيخ داعي الإسلام الشهال، لكن الصلاة التي جمعت نحو ألفي شخص من المحسوبين على تيار المستقبل والجماعة الإسلامية والأسير وحلفائهم تحت شعار «رفض استباحة صيدا والنيل من كرامة أهلها»، فرقت أهل البيت الواحد، فيما عدّها النائب السابق أسامة سعد «موجهة ضد الجيش مهما حاول منظموها «تظبيطها»». كان أول الواصلين إلى جامع الزعتري، عناصر من الجماعة الإسلامية ارتدوا بزات كتب عليها «انضباط». انتشروا في محيط الجامع وعلى مداخله وافترشوا باحته الخارجية والشوارع المجاورة. قبيل موعد الصلاة، لم يصدر صوت القرآن من مكبرات الصوت فوق المئذنة، بل صوت عالي النبرة يطالب المصلين باحترام حرمة الجامع.
إنه سوسان يدافع عن وجود الشيخ أحمد الزين، الذي طالبه المشاركون بالرحيل، واصفين إياه بالعميل الإيراني بسبب علاقته بحزب الله. خرج قاضي شرع صيدا من مسجدها ليدخل الشهال الذي قوبل بالتكبير، فيما انقسم الحضور حول السنيورة. البعض استقبله بحفاوة، فيما الآخرون عبروا عن غضبهم منه وله. رغم أن الأخير سمع كلاماً قاسياً من جمهور المستقبل، لكن مصير سوسان نفسه لم يكن أفضل من الزين. فحالما استنكر في خطبته الاعتداء على الجيش ثارت ثائرة عدد من الحاضرين عليه، وطالبوه باستبدالها بـ«التهجم على الجيش الإيراني، وعلى حملة اعتقالاته وتعذيبه للشباب السني». إصرار سوسان على التزام سقف مواقف هادئ وجامع، أثار غضب عدد من الحاضرين، الذين قاطعوه مراراً. الغضب الساطع ضد سوسان بلغ ذروته عندما أنهى خطبته من دون «تحية شهداء صيدا الذين سقطوا في عبرا». وعند نزوله من المنبر، هاجمه بعضهم بالسباب والشتائم واتهامه بأنه «باع صيدا وقبض عليها». بالتزامن مع ثورة الداخل، كانت مجموعة غاضبة من أنصار الأسير لم تشارك في الصلاة، واستمرت في الهتاف والتصفيق للتشويش على خطبة سوسان، قد خلعت الأبواب الخارجية للمسجد محاولة الوصول إلى منبر سوسان للتهجم عليه. إلا أن عناصر انضباط الجماعة منعوهم، فيما استنفر مرافق الشهال وصعد إلى أحد الجدران ووجه رشاشه باتجاه المجموعة والمصلين. تلك المجموعة نادت على النسوة والأطفال من عائلات قتلى وموقوفي الأسير، وساروا في تظاهرة عبرت ساحة النجمة ودوار إيليا باتجاه عبرا، ضمت أكثر من مئة شخص، من بينهم 15 من مرافقي الشهال. عند المدخل الرئيسي لمسجد بلال، حاولوا كسر حاجز الجيش بالقوة لدخول المسجد، هاتفين «المسجد مسجدنا» و«الله يحميك شيخ الأسير». اعتداؤهم على عناصر الجيش وآلياته ورفضهم لمبررات قائد الحاجز لمنعهم من الدخول بسبب وجود متفجرات وذخائر داخل المربع الأمني، دفع بالجيش إلى إطلاق النار في الهواء لتفريقهم، لكنه اقترح عليهم لاحقاً إيفاد عدد منهم لتفقد المسجد. فدخل الشيخ الفلسطيني علي اليوسف برفقة 20 سيدة وأدوا الصلاة في حرمه.
«إنها الجمعة الرقم 1». هكذا وصفت النائبة بهية الحريري في مجالسها الخاصة، يوم أمس. وصف أكّد للكثيرين المعلومات التي تحدثت عن أنها والسنيورة «هما من طبخا فكرة الصلاة الجامعة». ونائبا المدينة يعيشان وتيارهما أزمة حادة، نتيجة ما يقوله جزء من جمهورهما: «غطيتم الأسير في صعوده، ثم تركتموه يُذبَح». ربما لهذا السبب يرفع المستقبل من سقف خطابه التحريضي تحت عناوين مختلفة في صيدا، على قاعدة أن «رفع السقف يحول دون سيطرة المتطرفين على الساحة»! وتتعمق أزمة تيار المستقبل بغياب قائده الرئيس سعد الحريري، وبالشح المالي الذي يعانيه، والذي يمنعه من المساهمة في دفع تعويضات للمتضررين من الاشتباكات. وللسبب الأخير تحديداً، طالبت النائبة بهية الحريري «كل من يريد مساعدتنا أن يساعدنا في عملية إعادة الإعمار». وكان مطلب تسريع عمل الهيئة العليا للإغاثة المطلب الرئيسي للحريري والسنيورة في لقائهما مع الرئيس نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية، بحضور قائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير الاستخبارات العميد إدمون فاضل. وبحسب مصادر اللقاء، فإن الوفد الصيداوي، الذي ضم أيضاً سوسان ورئيس البلدية محمد السعودي، طالب قهوجي بإعلان رواية رسمية لما جرى في صيدا، تتضمن أسماء الموقوفين والقتلى والجرحى من أنصار الأسير وأعدادهم. وتحدثوا عن «ملاحقات الجيش العشوائية بحق عشرات الشبان، وثبوت قيام مجموعات مسلحة بتوقيفات وتحقيقات، وعودة بعض المجموعات المسلحة التابعة لحزب الله، وما يسمى سرايا المقاومة، مع كامل سلاحهم وعتادهم الى شقق ومكاتب لهم في منطقة عبرا ومحيطها، ورفع الأعلام والرايات الحزبية في أكثر من منطقة وحي بطريقة استفزازية». وجدد قهوجي وفاضل نفيهما أن يكون أي طرف في صيدا قد شارك إلى جانب الجيش في القتال. كذلك زار الوفد الصيداوي رئيس الجمهورية ميشال سليمان في قصر بعبدا، وسلمه عريضة تتضمن شكاواه ومطالبه، ومن بينها إحالة ملف «احداث صيدا» على المجلس العدلي، علماً بأن العريضة فرّقت بين «الاعتداء على الجيش» و«أحداث صيدا».
في الوقت ذاته، كان المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في الجنوب بسام حمود يطالب بـ«توقيف الضباط والعناصر المسؤولين عن أعمال تعذيب الموقوفين، والتحقيق السريع في وفاة الفلسطيني نادر البيومي بعد توقيفه، وكف يد استخبارات الجيش اللبناني عن التحقيقات، وتعيين قاض عدلي ليباشر التحقيقات».
على صعيد متصل، أكّدت مصادر رسمية لـ«الأخبار» أن الجيش اوقف ضابطين برتبة عقيد للتحقيق معهما في قضيتي وفاة البيومي خلال خضوعه للتحقيق وإساءة معاملة احد الموقوفين في عبرا. وبحسب المصادر، فإن بيومي «اعتقل من أرض المعركة في عبرا، حيث كان يقاتل في صفوف الأسير». ولم تنف المصادر تعرّضه للضرب بعد توقيفه وخلال خضوعه للتحقيق، علماً بأن عائلته تتهم محققي الجيش بتعذيبه حتى الوفاة.
من جهة اخرى، اعلن في مخيم عين الحلوة امس عن وفاة الأمير السابق لتنظيم جند الشام، محمد شمندور (أبو العبد)، شقيق الفنان المعتزل فضل شاكر، الذي قضى أثناء قتاله في صفوف مجموعة الأسير ضد الجيش في عبرا. وقالت مصادر رسمية إن عدد الموقوفين لدى استخبارات الجيش حتى مساء أمس، بلغ بالإجمال 201 موقوفاً، من بينهم 62 لبنانياً و87 سوريا و43 فلسطينياً وثلاثة مصريين وسودانيين اثنين وثلاثة بنغاليين. وقد أخلي سبيل 65 منهم حتى مساء أمس منذ بدء حملة التوقيفات، ليستقر عدد اللبنانيين على 34. أما القتلى من جماعة أحمد الأسير الذين عُثر على جثثهم، فقد بلغوا حتى مساء أمس 20 قتيلاً، من بينهم 17 معروفون بالأسماء، إضافة إلى 3 مجهولي الهوية. أما الجرحى، فهم 45 موزعون على المستشفيات.
آمال خليل
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد