«غوغل» تخوض حرب حق المعرفة مع الملكية الفكرية وقوانينها
ينتظر جمهور الإنترنت، إضافة إلى مجموعة من المنظمات المعنية بالدفاع عن الحقوق الإلكترونية للمواطن في الولايات المتحدة، نتيجة إعادة النظر قضائياً في الاتفاق الذي أبرمته شركة «غوغل» مع «اتحاد الناشرين الأميركيين» وعدد من دور النشر في الولايات المتحدة، ويسمح لـ «غوغل» بنشر ملايين الكتب التي تقع في نطاق الملكية العامة ولم تعد تطبع. وأُبرِم هذا الاتفاق في أواخر عام 2009، وبدأت شركة «غوغل» تنفيذه فعلياً. وسرعان ما اصطدم باعتراض وزارة العدل الأميركية عليه، بعد الحكم الذي أصدره قاضٍ أميركي في 22 آذار (مارس) الماضي، وأمر بوقف سريانه. واستند الحكم إلى نقاط عدّة، منها أن الاتفاق يرسخ مبدأ الاحتكار معلوماتياً، ولا يضم حقوق أصحاب الكتب أو الورثة، كما أنه قد يعطي امتيازات مستقبلية لـ «غوغل» في ما يتعلق بنشر هذه الكتب.
حق المواطن والاحتكار
من وجهة نظر القاضي أيضاً، فلربما مثّل الاتفاق احتكاراً للمعلومات والبحوث في سوق الكتب في الولايات المتحدة، كما قد يمس ببعض الاتفاقات الدولية التي أبرمتها أميركا. ولذا، طلب القاضي إعادة النظر في بنود الاتفاق، بما يتلاءم مع هذه النقاط، واصفاً الاتفاق بأنه غير عادل. وعلى رغم أن هذا الموضوع يخاض في الولايات المتحدة، إلا أنه أثار جدلاً واسعاً في الأوساط المعلوماتية والثقافية، وفجَّر أسئلة حول إذا ما كان هذا احتكاراً معلوماتياً أو أنه إتاحة للمعرفة وتمكيناً لحق الجمهور فيها، ما يعني أن نقضه يهدد بضياع حق المواطنين في المعرفة. وفي بيان رسمي عبّرت هيلاري وير المسؤولة في القسم القانوني في شركة «غوغل» عن رأيها في هذه المسألة القضائية، قائلة: «هذا أمر مخيّب للآمال على نحو واضح، إلا أننا ننظر في قرار المحكمة، وندرس الخيارات المتاحة».
وأضافت وير: «على غرار الكثيرين، نؤمن بأن من شأن الاتفاق أن يفسح في المجال للولوج إلى ملايين الكتب التي يصعب العثور عليها حالياً في الولايات المتحدة. وبصرف النظر عن النتيجة التي يؤول إليها التقاضي في المحاكم، سنستمر في السعي نحو توفير المزيد من الكتب على شبكة الإنترنت، عبر أقسام «غوغل» المخصّصة لها». والمعلوم أن شركة «غوغل» بدأت في رقمنة نحو سبعة ملايين كتاب، منها خمسة ملايين لم تجدد طباعتها، فيما تقع البقية ضمن نطاق الملكية العامة.
واستجلاءً لبعض جوانب هذا الموضوع، التقت «الحياة» محمد عبداللطيف، رئيس «اتحاد الناشرين العرب»، الذي أكّد أن هذا الحكم هو في الأساس ضد فكرة الاحتكار. وقال: «لنتخيل أن «غوغل» تسيطر على 7 ملايين كتاب كدفعة أولى، مع غياب أي جهة منافسة تحقّق العدالة في السوق. الأرجح أن هذا الوضع يرسخ كياناً احتكارياً في غاية الضخامة وغير قابل للمنافسة. ولا يتضح في الاتفاق الذي أبرِم في الولايات المتحدة، موقف الورثة بالنسبة الى الكتب التي سيجرى نشرها، مع ملاحظة أن المبلغ المعروض (125 مليون دولار) لا يتلاءم إطلاقاً مع عدد الكتب التي ستنشر. إذا لم يعرف المؤلف أو الورثة أن الكتاب نُشر، وتالياً لم يعترض في المحاكم على «غوغل»، سيضيع حقه. وشخصياً، أفضّل أن تنشأ منافسة بين جهات عدة».
وأضاف عبداللطيف: «الأمر لا يتعلق حصراً بمسألة نشر الكتب، بل يمتد إلى احتكار المعلومات المتصلة بسوق الكتب ككل، مثل اتجاهات القرّاء والبحوث العلمية في هذا المجال». وفي شأن نشر الكتب عبر الإنترنت في العالم العربي، أوضح عبداللطيف موقفه قائلاً: «نعاني بشدة من حجم السرقات، والتزوير الرقمي للكتب العربية. هناك مواقع كثيرة تصوّر مجموعات من الكُتُب ضوئياً، وتضعها مجاناً على الإنترنت. ويعني هذا الأمر خسارة فادحة للمؤلفين والناشرين. ونحاول مجابهة هذا الأمر بالإجراءات القانونية، والتعاون مع الجهات الرسمية». ورأى أن «التشريعات التي تضبط هذه الأمور لها أهميتها البالغة، لأن استمرار هذا النوع من السطو يهدّد المشهد الثقافي برمته، واصفاً هذا الأمر بأنه سرقة لعصارة عقل المؤلف وأموال الناشر».
ورأى رئيس «اتحاد الناشرين العرب» المخرج من هذا الوضع، في وضع نظام إلكتروني للنشر يضمن عوائد مناسبة للمؤلف والناشر، إضافة إلى اتّباع سياسة أسعار تناسب الجمهور أيضاً. وتذكّر عبداللطيف نموذجاً عما يدعو إليه يتمثّل في مبادرة أطلقتها وزارة الاتصالات المصرية، قوامها إنشاء بوابة إلكترونية للكتب بالتعاون بين وزارة الاتصالات و «اتحاد الناشرين المصريين» و «جمعية اتحاد البرمجيات التعليمية» في مصر. وتتيح هذه المبادرة نشر عدد من الكتب العربية على هذه البوابة الإلكترونية، نظير مقابل مادي بسيط يدفعه القارئ، يوزع بين الناشر والمؤلف. وأشار إلى أن أسباباً لوجستية وتمويلية عملت على وقف المبادرة، مع ملاحظة أنها تحتاج الى استثمارات ضخمة جداً. وعبّر عبداللطيف عن قناعته بأن المشاريع المشابهة ينبغي أن تراعي ثلاث نقاط رئيسة هي: سهولة تكنولوجية في التعامل، حق معقول للمؤلف والناشر، وأن يشعر المستخدم بأنه يحصل فعلاً على خدمة مميزة. ونبّه إلى أن الوصول إلى الوضع النموذجي في هذه المشاريع يحتاج الى مفاوضات وضوابط واستثمارات كبيرة، مع عدم السماح بالسرقة أو التزوير، مشيراً إلى محاولات من بعض الجهات العربية الخاصة لتحويل مجموعات من النصوص المكتوبة إلى ملفات إلكترونية، «لكنها لا تزال محدودة جداً». ولفت عبداللطيف إلى قضيتين في هذا الإطار، تتعلق الأولى بمبالغة الدول المتقدمة في حقوق نشر الكتب العلمية، واصفاً ذلك بأنه نوع آخر من الاستبداد والاحتكار. وتتصل القضية الثانية بالتدقيق في المعلومات المنشورة على الشبكة العنكبوتية.
تفسيرات «غوغل»
وفي تعليقه على مبادرة شركة «غوغل» وضع ملايين الكتب على الإنترنت، أوضح المهندس سمير عبدالفتاح، مسؤول العلاقات الحكومية في مكتب «غوغل» في الشرق الأوسط في القاهرة، لـ «الحياة» أن الشركة تحرص على حقوق الجميع، مؤلفين وناشرين وجمهوراً، كما تراعي قوانين الدول التي تعمل فيها. ففي الولايات المتحدة مثلاً، تقضي القوانين بأن كتاباً ظهر قبل عام 1928 يعتبر ملكية عامة. وأوضح عبدالفتاح أن القضية الحاضرة تتعلق بما يسمى «الأعمال اليتيمة»، وهي التي طبعت مرة وحيدة، ولا يُعرف مؤلفها أو ورثته. يأتي المثال على هذا في كتاب في الشعر طبع عام 1932، ولم تُعد طباعته بعدها. وتوفي مؤلف الكتاب. وسأل: «هل يُترك (وغيره من الكتب) في المكتبات من دون أن يعلم أحد عنها شيئاً، أم تعطى «غوغل» الفرصة لنشرها عبر الإنترنت؟ وحرصاً منها على الحقوق كافة، أنشأت «غوغل» صندوقاً بقيمة 125 مليون دولار لتعويض الورثة أو أصحاب الكتب، في حال ظهورهم لاحقاً. وتعمل «غوغل» عِبر فريقها القانوني على التوصل إلى حلّ في هذه القضية، من دون السعي للوصول إلى وضع احتكاري. الحق أن اهتمام «غوغل» بالكتب هو اهتمام بالتراث الإنساني الذي يجب الحفاظ عليه». وفي السياق عينه، أوضح عبدالفتاح أن «غوغل» شركة تقنية تريد أن تخدم الإنسانية من خلال تنظيم للمعلومات عالمياً، ملاحظاً وجود معلومات ضخمة خارج الإنترنت لكنها ستفيد جمهوراً عالمياً إذا أُدخِلت إلى هذه الشبكة. وأضاف: «لدى «غوغل» إمكانات تقنية وبنية تحتية لتخزين كميات هائلة من المعلومات، مع جعلها متاحة في إطار احترام حقوق الملكية الفكرية والقوانين المتصلة بها. أبرمنا اتفاقات مع أكثر من أربعين مكتبة لعمل تصوير ضوئي للكتب الخاصة بها، وهناك مكتبات اعتبرت ذلك خدمة تحقّق عبرها المزيد من الانتشار جماهيرياً للكتب، إضافة إلى التعريف بكتب مجهولة. كما أن هناك كتباً نسخها قديمة جداً، ولا يتاح للجمهور الوصول إليها وقراءتها حفاظاً عليها. وضع هذه الكتب في صورة رقمية يكفل تجددّ الاهتمام بها، بل يبعثها إلى الحياة معـنوياً. وأُشـدّد على أن «غـوغل» تتـصل بـدور النـشر، قبل البدء بوضع كتب تلك الدور على الإنترنت، إضافة الى أن «غوغل» تتيح للناشرين وضع الكتب على غوغل بأنفسهم. في هذه الحال، يعمل الناشر بنفسه على تصوير الكتاب ضوئياً (أو أي جزء منه)، ثم يجعله متاحاً عبر الإنترنت. يؤدي هذا الأمر إلى دفع حركة النـشر الى الأمام، ويزيد مواردها. نحن لا نضع كتباً في «مكتبة غوغل» إلا لمن لديه حق النـشر والمـلكية الفكرية للمادة المقصودة».
مي الشافعي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد