الحكومة تُدين نفسها مجدداً في مسألة الإنفاق الاجتماعي لعام 2022
زياد غصن :
اعتمدت الحكومة الحالية منذ تسلمها مهامها على سياسة اقتصادية مولدة للتضخم الجامح، وكان من أبرز محاور تلك السياسة؛ العمل المستمر على زيادة أسعار السلع والخدمات المدعومة بحجة ارتفاع فاتورة الدعم الحكومي، ومن دون النظر إلى الوضع المعيشي الصعب لغالبية الأسر السورية وتأثيرات ذلك على معدلات التضخم السائدة في البلاد، لاسيما وأن زيادة أسعار السلع والخدمات المدعومة كانت تتكرر مرات عدة في العام الواحد، إضافة إلى ترافقها مع إجراءات أخرى من قبيل زيادة وتيرة التحصيل الضريبي والمخالفات الجمركية وحصر تمويل المستوردات بإجراء المنصة.
وفي كل مرة ترفع فيها الحكومة أسعار السلع والخدمات المدعومة، كانت تروج لمجموعة من الأرقام والبيانات المتعلقة بالمبالغ التي تتحملها خزينة الدولة جراء بيع وتقديم بعض السلع والخدمات بأقل من تكلفتها، والتي لا يعرف إلى اليوم كيف يجري احتسابها وما المعايير المحاسبية المعتمدة في ذلك، الأمر الذي خلق شكوكاً واسعة حيال طريقة احتساب التكاليف والأرقام الناتجة عنها.
– كل السبل تؤدي!
ولعل ما جاء في تصريح وزير الكهرباء مؤخراً يؤشر إلى السذاجة التي تتعامل بها الحكومة مع ملف احتساب التكاليف، وبحسب الوزير فإن دعم الطاقة الكهربائية يمكن استنتاجه من خلال معادلته التالية: “قيمة استخدامات توليد ونقل وتوزيع الكهرباء خلال عام 2023 بلغت 20885 مليار ليرة، وفقاً لسعر شراء الفيول والغاز الطبيعي من وزارة النفط والثروة المعدنية، في حين وصل مجموع قيمة المبيعات لمختلف فئات المستهلكين وعلى مختلف التوترات حوالي 2408 مليارات ليرة، وعليه تكون الدولة قد قدمت دعم لسلعة الكهرباء بنحو 18477 مليار ليرة”، وبذلك تناسى الوزير أو غض الطرف عن نسبة الهدر والفاقد الفني واستهلاك الوزارة الذاتي والمقدر رسمياً بنحو 29% من الكمية، وهي نسبة لا يتفق معها بعض الباحثين في شؤون الطاقة لكونها أعلى من ذلك، وبكثير.
وما يحدث في الكهرباء يتكرر في جميع الوزارات والمؤسسات العامة، سواء كانت سلعها وخدماتها مدعومة أم لا، فالتكلفة المرتفعة جراء نسب الهدر والفساد تمثل إحدى سمات المنتج في القطاع العام.
الجديد في هذا الملف، البيانات والأرقام التي حملها مشروع قطع حساب الدولة لعام 2022، والذي جرى إقراره مؤخراً، إذ بحسب قطع حسابات موازنة العام 2022 فإن قيمة ما جرى إنفاقه في بند المساهمة في النشاط الاجتماعي حوالي 3373 مليار ليرة بزيادة قدرها 8% عما تم إنفاقه في موازنة العام 2021، والمعلومة الأهم هنا أن نسبة الإنفاق المتحقق إلى إجمالي الاعتمادات المرصودة لم تتجاوز 69%!
وتتوزع نفقات هذا البند على ثلاثة أقسام رئيسية هي:
– مساهمة الدولة بتثبيت الأسعار، وقد بلغ ما تم إنفاقه فعلياً في موازنة العام 2022 نحو 3278.6 مليار ليرة بزيادة قدرها نحو 6.8% مقارنة بالإنفاق الفعلي على هذا القسم في العام 2021.
– وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وقد بلغ قيمة ما أنفق فعلياً خلال العام 2022 نحو 59.9 مليار ليرة بزيادة كبيرة عن العام السابق وصلت إلى أكثر من 237.5%.
– رئاسة مجلس الوزراء وقد بلغ هنا الإنفاق الفعلي نحو 27.4 مليار ليرة مقارنة بحوالي 17.6 مليار ليرة في العام 2021 أي بنسبة زيادة قدرها 55.6 %.
ماذا تعني تلك الأرقام؟
هناك العديد من الاستنتاجات الهامة والتي من شأنها أن توضح طريقة التعاطي الحكومية مع ملف الدعم الاجتماعي رغم أن تقرير قطاع حسابات الموازنة لعام 2022 والمقدم إلى مجلس الشعب لم يتضمن تفاصيل ضرورية للوقوف على حقيقة التكاليف والإنفاق الفعلي المتعلق بهذا الدعم، وهذا جزء من سياسة الكتمان التي تعتمدها الحكومة في هذا الملف تحديداً، ومن الاستنتاجات المشار إليها يمكن أن نذكر ما يلي:
– أن تتدنى نسبة الإنفاق على المساهمة في النشاط الاجتماعي إلى إجمالي الاعتمادات المرصودة لتصل إلى حوالي 69% فهذا يعني أن حجة الحكومة في رفع أسعار السلع المدعومة لا أساس لها من الصحة أو على الأقل هو أمر مبالغ فيه، إذ يفترض أن تكون النسبة أعلى من ذلك حتى مع قرارات الزيادة التي جرت في العام نفسه على أسعار السلع والخدمات المدعومة وتقليص عدد المستفيدين، وذلك لسبب جوهري هو معدل التضخم المرتفع المسجل في العام 2022، والمفترض أن يرتفع معه الإنفاق على هذا البند بنسبة ليست بالقليلة.
علماً أن بند المساهمة في النشاط الاجتماعي يضم عادة الدعم المقدم في أربعة قطاعات أساسية هي: الدقيق التمويني والسلع التموينية، المعونة الاجتماعية، صندوق الدعم الزراعي، والمشتقات النفطية.
– فيما يتعلق بمساهمة الدولة في تثبيت الأسعار، والذي يشمل قيمة الدعم المقدم للصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، الدقيق التمويني والخميرة، والمشتقات النفطية، فإن زيادتها بنسبة 6.8% مقارنة بالعام 2021 يظهر أن سياسة الحكومة في محاصرة الإنفاق على الدعم الاجتماعي أثمرت عن تجميده أو تخفيضه عملياً وبنسبة كبيرة مقارنة بمعدل التضخم المسجل في العام المذكور.
– في بند المساهمة المتعلقة بالقطاع الزراعي لم يوضح في تقرير قطع الحسابات لعام 2022 أسباب زيادته بنسبة 237.5% مقارنة بالعام 2021، فهل هناك برامج جديدة جرى إدراجها تحت هذا البند، أو هي نتيجة الالتزامات المتعلقة بالتعويض عن الكوارث الطبيعية التي لحقت بالمحاصيل من قبيل الحرائق الكبيرة التي جرت في العام 2021 في عدة أماكن من البلاد.
– إخفاء البيانات
ما دامت الحكومة ووزارة المالية مصرتين على إخفاء البيانات التفصيلية المتعلقة بالإنفاق الفعلي على بنود الدعم، فإن الشكوك وعدم الثقة سيظلان يلاحقان السياسات والإجراءات الحكومية، ليس فقط فيما يتعلق بملف الدعم وإنما بجميع القطاعات والأنشطة، ولذلك فإنه لابد من إظهار جميع بنود الدعم وبالتفصيل، في الموازنة العامة للدولة سواء عند إعداد مشروع الموازنة أو عند إعداد مشروع قطع الحسابات ليكون الرأي العام على بينة مما ينفق، وعندئذ سيكون مشاركاً في أي مشروع حقيقي وجاد لإعادة هيكلة الدعم بعيداً عن الاجتهادات والرؤى الشخصية والبيانات غير الدقيقة.
أثر برس
إضافة تعليق جديد