سوريا تخسر شبابها والبطالة تجتاح سوق العمل
تأثرت بنية المجتمع السوري وتغيرت الديموغرافيا بشكل كبير جراء الحرب التي اندلعت في سوريا منذ نحو 13 عامًا، شهدت البلاد تحولات في هرم السكان مع تزايد هجرة الشباب، وهذا تزامن مع تدهور اقتصادي غير مسبوق، يتحدث السوريون بكثرة عن فشل السياسات الاقتصادية الحكومية وبُعدها عن التعامل مع جذور المشكلات الحقيقية، يرون أن سياسات البلاد، سواء القديمة أو الحديثة، كانت سببًا في دفع البلاد نحو حافة الانهيار، أظهر تقرير الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان لعام 2020 أن حصة الفرد من الناتج الحقيقي للبلاد تراجعت منذ عام 2012 إلى أقل من نصف ما كانت عليه قبل الأزمة، نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع الأسعار، مما أثر سلبًا على معيشة المواطن وتراجع الأجور وحصة العمل من الناتج المحلي إلى 26%.
وفقًا للتقرير، فإن الحرب دمرت العديد من المنشآت الاقتصادية والخدمية، مما أدى إلى خروجها من دائرة الإنتاج في القطاعين العام والخاص، مما أدى إلى عجز سلبي في النمو الاقتصادي ووصل إلى 7،9٪ خلال الفترة من 2011 إلى 2019.
وتابع التقرير بشرح لسوق العمل والتوظيف الذي يتأثر بمحددين رئيسيين، الأول هو “ديموغرافي سكاني” يعتمد على حجم القوة العاملة وخصائصها التي تغيرت بين فترتين قبل الأزمة وأثناءها، في حين يعتمد الثاني، “تنموي اقتصادي اجتماعي” على خصائص نوعية للقوة العاملة والعمل، وقد تأثر كل منهما بتدفقات الهجرة والنزوح التي تركزت بشكل كبير على الشباب المتعلمين والمهنيين، مما أدى إلى تشوهات في سوق العمل.
شهدت الحرب تسربًا إلى معادلة البقاء، حيث أصبحت رغبة الهجرة لا تُقاوَم، وتُعد فقدان الشباب، الذين يشكلون جزءًا هامًا من المجتمع الإنتاجي، واحدة من أوضح الخسائر الوطنية السورية، تزامن ذلك مع تراجع قدرة مؤسسات الدولة على تلبية احتياجات السكان في ظل انخفاض الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف بين عامي 2010 و2016 وانخفاض معه الوزن النسبي للإنتاج الصناعي بمقدار 10%، كما أشار التقرير إلى انخفاض معدل النمو السكاني إلى 0،04% خلال الفترة (2010 – 2014)، وأشارت بعض التقارير إلى أن معدل النمو كان سلبيًا وأن هناك تناقصًا في حجم السكان نتيجة للجوء والهجرة الخارجية.
وأوضح التقرير أن الحرب وتداعياتها فرضت حركة سكانية بنسبة تصل إلى حوالي 30% من سكان سوريا، مع التركيز الكبير على الشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 34 سنة، أدى هذا إلى تغيير في التوزع الجغرافي للسكان ومعدل النمو السكاني حسب المحافظات.
وعلى الرغم من الاستقرار الأمني والسياسي الذي شهدته سوريا قبل الحرب، فإن مؤشرات الاقتصاد لم تكن في أفضل حال، ارتفعت الزيادة السكانية بشكل سريع ومستمر، مما أثر سلبًا على عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سوريا وفقاً لموقع سناك سوري.
تحدث الخبير الاقتصادي شفيق عربش إلى سناك سوري حول الفترة من عام 2000 إلى 2010، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي الحقيقي 5،1%، ورغم أهمية هذا المعدل، إلا أنه لم يكن كافياً لتحقيق نقلة نوعية في البلاد، نظرًا لارتفاع معدل النمو السكاني بين 2،4% و 2،7%، وهو ما يتطلب وفقًا لعربش ثلاثة أضعاف معدل نمو الاقتصاد لتلبية احتياجات السكان الجدد، وكان من الضروري أن تصل البلاد إلى معدل نمو يتجاوز 8% لتحسين الواقع المعيشي بشكل ملموس، بشرط مرافقته بإجراءات تضمن عدالة توزيع الدخل.
وأكد عربش أن عجز الحكومات المتعاقبة منذ عام 1986 عن التخطيط للمستقبل وإدارة اقتصاد البلاد أدى إلى تراكم 45% من ثروة البلاد في أيدي 5% فقط من السكان السوريين، وكان هذا معروفًا حتى عام 2010.
وتسببت الحرب وتداعياتها في تغيير جوهري في بنية المجتمع السوري، حيث فقدت البلاد نسبة 36% من سكانها الشبان (تحت الأربعين سنة)، وقد أشار عربش إلى أن هذا التغيير أحدث تشوهًا في هرم السكان السوري، حيث تضيق قاعدته بينما يتسع منتصفه وذروته، ويتوقع أن تعاني البلاد من أزمة سكانية كبيرة خلال الـ 15 سنة المقبلة.
وأشار عربش إلى أن نسبة الشباب في سوريا قبل عام 2011 بلغت حوالي 37،5%، بينما تراجعت الأعداد بشكل كبير إلى حوالي نصف ذلك، خاصة في ضوء تراجع الأعداد في المدارس، وفيما يتعلق بنسبة البطالة الحالية، أوضح عربش أنه لا توجد مسوحات دقيقة ولكن يُقدر أن تكون بين 35% إلى 40%.
ختم عربش حديثه بتقييم اقتصاد سوريا حاليًا، ووصفه بأنه ضعيف ويُدار بطريقة ردة الفعل، مع استمرار الانخفاض المستمر في الناتج المحلي الإجمالي والقدرة الشرائية للمواطن، وتوقع أن تقترب معدلات التضخم الحالية من 200%، داعيًا الحكومة إلى الانسحاب من الحياة الاقتصادية لخلق بيئة سليمة لاقتصاد يعمل وفقًا للقوانين الاقتصادية بدلاً من الإجراءات القسرية.
إضافة تعليق جديد