فضيحة في جمعية الصديق السكنية
هذه حكاية فساد غير عادية، فضيحة مزدوجة مثيرة، مسرحها جمعية الصديق السكنية، وابطالها اعضاء مجلس الادارة مع مفتش إما متورط وإما« غشيم» ولا أحد فوق الشبهات!!
تقرير تفتيشي يكشف المستور لكنه يجمله فتصبح السمسرة « منسجمة» مع الاسس والتزوير خلطاً والتلاعب بالسجلات وجداول الافضليات مجرد أخطاء!!
كانت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش قد شكلت بعثة للرقابة على أعمال جمعية الصديق لكن نشاطها اقتصر على مشروع واحد هو« قرية بردى الشام» الاصطيافي الواقع في سوق وادي بردى.
يقول التقرير التفتيشي رقم10/732/ 8/ 4ن تاريخ 14/2/2007 ان فكرة المشروع والبحث عن اراض ملائمة له انطلقت اواخر عام 2005، وان الجمعية فتحت باب الاكتتاب للاعضاء« اصولاً» للتسجيل على فلل بالمشروع وسداد الدفعة الاولى المقررة البالغة 650 الف ليرة ثم وفي الشهر الثاني من عام 2006 اعلن عن فتح باب الاكتتاب العام على المشروع وبدأت اعداد كبيرة من الراغبين بالتقدم للاكتتاب من خلال تقديم صورة عن الهوية الشخصية، ودفع مبلغ تراوح بين رسم الانتساب ودفعة الاكتتاب، وتولى امين الصندوق بتنظيم ايصال بالمبلغ المدفوع من قبل المنتسب اضافة الى تنظيم دفتر عضوية يحمل رقماً يدل على ترتيب العضو في كتلة محددة من المشروع ويتابع التقرير: بعد انتهاء الاكتتاب نظمت الجمعية طلبات انتساب من نموذج محدد موجود على الحاسب دون أن يتخذ مجلس الادارة قرارات بقبول الانتساب قبل منتصف الشهر السابع من عام 2006، حيث عقدت جلسات متلاحقة لقبول انتساب الاعضاء الجدد!!
هذه« زبدة» ملخص التقرير ومن يقرأها يعتقد أن ماحدث مجرد هفوات اجرائية بسيطة وبريئة، وحين تكون« الزبدة» على هذا النحو فلا غرابة ان تكون الملاحظات والمقترحات على شاكلتها، ولعل من سوء حظ المفتش ومجلس الادارة ان التقرير وقع بين أيدينا لا لننشره فقط بل لنفنده نقطة نقطة!!.
هانحن نبدأ من« خامساً» حسب التقرير لأنها الأهم والاكثر فضائحية ومكمن للعبة فساد كبرى، ووفقاً لما جاء فيه فإن الجمعية قامت بشراء عقارات في المنطقة العقارية 9/5/ سوق وادي بردى معتمدة على وكالة وسيط عن البائعين بموجب عقود مبرمة معه، وتقوم الجمعية بتثبيتها بموجب أحكام قضائية مكتسبة الدرجة القطعية، وبلغت المساحة المشتراة 650 دونماً بسعر تراوح مابين 735 و750 ألف ليرة للدونم الواحد وبقيمة اجمالية بلغت 486961000 ليرة دفعت منها الجمعية مبلغ 442470240ليرة!! وبين التقرير من وجهة نظر معده طبعاً انه لايمكن الحكم على عدالة أسعار الشراء كونها واقعة خارج التنظيم، ولاينطبق عليها تعميم وزارة الاسكان رقم 4 4لعام 1980 الناظم لعملية شراء الاراضي من القطاع الخاص للمشاريع السكنية إلا أن الشراء تم بسعر قريب من الاسعار التي اشترت بها الجمعيات المماثلة وأقرب إلى العدالة من أسعار بعضها ،مع الاشارة الى أن شراء هذه العقارات «منسجم» مع الاسس الواجبة التطبيق في معرض شراء العقارات لتنفيذ مشاريع الاصطياف من حيث المساحة والموقع الواردة في محضر اجتماع المجلس الاعلى للسياحة رقم 132 لعام 1996، كما ان تلك العقارات تقع خارج المناطق الحدودية الواردة بالمرسوم رقم 91 لعام 2004، وقد بدأت الجمعية باجراءات الترخيص على العقارات المذكورة وفقاً لاحكام القانون 41 لعام 2004 حيث تقدمت بطلبات للحصول على موافقة الجهات المعنية.
ويقترح المفتش في تقريره احالة بحث واقعة شراء العقارات عن طريق وسيط الى هيئة المستفيدين بالمشروع للمصادقة عليها او ملاحقة مجلس الادارة بالاضرار.
انتهى رأي المفتش ومقترحه ولا نعلم على ماذا بناهما ولماذا تبناهما، ذلك أن شراء العقارات عن طريق وسطاء وسماسرة هو عملية مخالفة ووقحة لأحكام قانون منع الاتجار بالأراضي رقم 3 لعام 1976 وتحد ساخر للقانون 44، وكان على المفتش اقتراح احالة اعضاء مجلس الادارة وهم محمد صادق الريحاوي وأحمد حروب ومحمد الحموي ومحمد عدنان العدو وهشام السيد الى القضاء بدلاً من ان يطلع علينا ببدعة أن الشراء جاء منسجماً مع قرار المجلس الاعلى للسياحة.
وهي« تخريجة» تدعو للضحك حتى حدود البكاء تماماً مثل« تخريجة» ان السعر قريب من الاسعار التي اشترت بها الجمعيات المماثلة واكثر عدالة من بعضها، فيما المفارقة كانت يجب ان تتم مع اراض مجاورة لم تمتد اليها أذرع السمسرة ولنفس فترة الشراء لامع جمعيات اخرى شريكة ومتورطة في لعبة يديرها عراب واحد صار معروفاً!!.
وحين نصف اللعبة بأنها لعبة فساد كبرى فنحن نعني مانقول اذ صار مكشوفاً ماتدفعه مجالس ادارات بعض الجمعيات من أموال لسماسرة متواطئين معها فيشترون الاراضي بأسعار زهيدة مقابل نسبة متفق عليها وبوكالات وعقود خارجية من اصحاب الاراضي لتباع لاحقاً الى الجمعيات وتسجل بأضعاف مضاعفة وتنقل الملكيات لاحقاً من المالك الاساسي!!
واذا كان المفتش لم يشم الرائحة النتنة للعبة الفاسدة فهذه مصيبة اما اذا شمها واستساغها فالمصيبة اعظم، وهي رائحة زكمت الانوف، ودفعت بالسيد رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 28/1/2007 الى اصدار قرار يمنع الجمعيات من شراء الاراضي خارج المخططات التنظيمية وترخيصها على القرار 132 وهو القرار الذي استأنس به المفتش لتبرير« تخريجته» ولطالما اعتمدت عليه تلك الجمعيات ومنها« الصديق» لتمرير مئات الدونمات في اراض ممنوع البناء عليها تحت يافطة السياحة والاصطياف.
وقريباً قد نفاجئ الجميع بتفاصيل عن حجم اللعبة والمليارات المصروفة والمتورطين فيها!!.
ومادمنا بالحديث عن مشروع في سوق وادي بردى فلا بأس من التذكير بالقرار الصادر بتاريخ 22/8/2005 رقم 2089 عن محافظ ريف دمشق، والمتضمن التريث بمنح التراخيص في كامل المخططات التنظيمية لمدينة الزبداني وبلدات عين الفيجة، قدسيا، مضايا،بقين، جديدة الوادي وسوق وادي بردى على خلفية وجود دراسة اقليمية للمياه تفرض احتمالات اعادة تحديد الحرم.
وماعاد خافياً أن الجمعيات تجاهلت القرار رغم معرفتها به واستمرت بشراء الاراضي، وهاهي تستميت لإلغائه دفاعاً عن لعبة تغسل من خلالها اموال السمسرة والتجارة الوهمية لعقارات لاتزال حبراً على ورق!!.
ولعل خضوع اي كان في وزارة الاسكان ومحافظة ريف دمشق لضغوط رفع التريث على حساب المياه وحرمتها هو تورط بلعبة فساد مائي قذرة ولايهم عندئذ ان كان مقصوداً ام لا؟!
واعتقد أن أحداً من اصحاب القرار لن يقبل بأن يكون الاحتلال الفرنسي اشد حرصاً منه على المياه حين منع الزراعات الصيفية في وادي بردى حفاظاً على غوطة دمشق!!.
يسجل التقرير مخالفات في عملية التنسيب لجهة عدم ارفاق الطلبات بالوثائق المطلوبة وتأخر البت فيها، وهذه فهمناها ثم يقول ان الارقام المعطاة للاعضاء الجدد« لاتنسجم» مع احكام المادتين 21 ـ 22 من قانون التعاون السكني والمادة 75 من النظام الداخلي حيث تم« الخلط» بين رقم العضو ورقم الافضلية وارقام الكتل إضافة الى« التشطيب» و « التبديل» فيما بينها قبل تثبيتها بمحاضر جلسات مجلس الادارة ويدعو معد التقرير في مقترحاته للتقيد بالمواد المذكورة في منح أرقام العضوية وترتيب أفضليات المكتتبين على مشروع« قرية بردى الشام» الاصطيافي ودعوة الاعضاء المنتسبين عام 2006 لمراجعة الجمعية واستكمال ثبوتياتهم وتصحيح الارقام وعلى مسؤولية مجلس الادارة، وعدم قبول اي تنازل او «تبديل» او «تعديل» من قبل أعضاء المشروع الا بما ينسجم مع القانون او بحكم قضائي مبرم!!.
وللامانة فإن السيد المفتش يستحق« برافو» وصفقة طلائعية وفوقها « بوستين» على الخدين لانه مد طوق النجاة لاعضاء مجلس الادارة وسلهم من تهمة التزوير كما تسل الشعرة من العجين!!.
وبلا يمين قرأت قانون التعاون السكني والنظام الداخلي من الجلدة الى الجلدة فلم أعثر او اتعثر بمصطلحات من نمرة خلط وتشطيب وتبديل وتعديل، وماحصل بالجملة والمفرق يندرج تحت خانة الاشتباه بالتزوير والتلاعب بجداول الافضليات، وهي افعال يعاقب عليها قانون التعاون السكني وتنص المادة 40 منه على الحبس لمدة 6 أشهر مع عدم الاخلال بالعقوبات الاشد في حال ثبوتها وهذا من اختصاص القضاء الذي كان على المفتش احالة المتهمين اليه.
من المثير فعلاً أن يشير المفتش في متن تقريره الى أن الجمعية بدأت بإجراءات الترخيص للعقارات التي اشترتها من سمسار ثم يطلب في مقترحاته متابعة اجراءات تثبت ملكية الجمعية للعقارات ذاتها بما يحافظ على حقوق الاعضاء واموالهم!!
وعلى حد علمنا المتواضع فإن نقل الملكية وتثبيتها يأتي اولاً واجراءات الترخيص لاحقاً فكيف يتحفنا المفتش بأن الجمعية بدأت الترخيص وهي لم تنقل الملكية بعد أم انها دعابة؟!
ولانعرف إذا ماكان المفتش يعرف بأن العقارات المذكورة تقع ضمن اراضي التريث وترجمتها ان منح التراخيص ممنوع فيها حتى اشعار آخر.
وكنا نأمل لو أوضح التقرير تاريخ الشراء بالضبط، وهل تم قبل صدور قرار التريث أم بعده انما يبدو ان معد التقرير من هواة الحزازير!!.
مامن مشكلة أن يخطئ المفتش فكلنا بشر خطاؤون أو أن يكون له رأي ووجهة نظر مختلفة، لكن عندما يكون التقرير عبارة عن كتلة أخطاء فمن حقنا أن نرفع الراية الحمراء، ومن واجبنا ان نطالب بإعادة الرقابة الشاملة على كل مشاريع وأعمال جمعية الصديق السكنية.
ومازلنا نثق بأن القاضي احمد يونس رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش هو الاكثر حرصاً على سلامة العمل في مؤسسة حساسة يديرها، وهانحن نحيل اليه الموضوع لاتخاذ مايراه مناسباً.
إياد عيسى
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد