إسرائيل ترث الأردن في الجنوب السوري
ثلاثة أشهر مرّت على اتفاق «خفض التصعيد» الروسي ـــ الأميركي في الجنوب السوري، لتجد إسرائيل نفسها مضطرّة إلى الانخراط العسكري والأمني المباشر في الميدان، بعد الفشل الذريع الذي أصاب غرفة «الموك» الأردنية والجماعات التي كانت تموّلها وتديرها.
ومنذ سريان مفعول اتفاق «وقف التصعيد»، الذي احتوى ضمناً حلّ غرفة «الموك» وتحويل الجماعات المسلّحة إلى «صحوات» جديدة تحت عنوان قتال «داعش» في البادية السورية والسيطرة التي تزداد كلّ يوم للجيش على الحدود السورية ــ الأردنية الشرقية، وصولاً إلى حدود مدينة البوكمال، رفعت إسرائيل مستوى تنسيقها مع فصائل المعارضة المسلّحة، في محاولة لملء الفراغ الذي أحدثه الابتعاد الأردني، مالاً وإدارةً واحتضاناً لما تبقّى من المسلحين. وتتذرّع إسرائيل بـ«ضمان أمن الحدود الشمالية»، إزاء التهديدات التي تشكّلها عودة الجيش السوري إلى حدود الجولان المحتلّ ووجود مقاتلين من حزب الله والحرس الثوري الإيراني على مقربة من قوات العدو في الأرض المحتلة.
وزاد الطين بلّة خيبة الأمل التي أصيب بها رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو بعد لقائه الرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي الشهر الماضي، وعدم تمكّنه من انتزاع ضمانات روسية بعدم تحوّل الجنوب السوري إلى منطلقٍ لتهديد الكيان المحتل. والنتيجة ذاتها تنسحب على الزيارة التي قام بها رئيس جهاز الموساد يوشي كوهين وفريق أمني إسرائيلي إلى واشنطن قبل زيارة نتنياهو، من دون الحصول على ضمانات أميركية حاسمة. وفيما طالب نتنياهو بانتشار خبراء أميركيين في الجنوب بدل القوات الروسية لمراقبة اتفاق وقف التصعيد، ينتشر اليوم في الجنوب حوالى 700 إلى 1000 عنصر من الشرطة العسكرية الروسية إلى جانب الجيش السوري، مهمّتهم مراقبة اتفاق «وقف التصعيد». وتقول مصادر روسية متابعة للميدان السوري، لـ«الأخبار»، إن «نتنياهو يطالب روسيا وأميركا بتأمين منطقة آمنة بعمق 40 كلم داخل الحدود السورية»، مضيفةً أن «روسيا لا يمكن أن تفرض على الجيش السوري التنازل عن سيادة الدولة على أرضها». وأشارت المصادر إلى أن الجواب الروسي على طلبات نتنياهو هو التأكيد على أن «الضمانات الحدودية للأردن وإسرائيل ودول الجوار السوري هي بوصول الجيش السوري إلى كامل الحدود والقضاء على الجماعات الإرهابية»، فيما تقول مصادر دبلوماسية غربية لـ«الأخبار» إن «إسرائيل قلقة من وصول الجيش السوري إلى الجولان (المحتلّ) برفقة عناصر حزب الله، لذلك تعمل على تقوية جماعات معارضة للفصل بينها وبين السوريين (حدود الجولان)».
مديرية «حسن الجوار»
منذ عام 2013، أنشات إسرائيل في الجنوب ما يسمّى «مديرية حسن الجوار» تتبع لقيادة الفرقة الإقليمية 210 في جيش الاحتلال المنتشرة في الجولان المحتلّ. ودور المديرية مطابقٌ تماماً للدور الذي كانت تقوم به «الإدارة المدنية» للجنوب اللبناني، والتي كانت تتبع لقيادة الفرقة الإقليمية 91 المنتشرة في شمال فلسطين المحتلّة، ومهمّتها إدارة الشؤون المدنية في المناطق المحتلّة، والتي كان يسيطر عليها ما يعرف بـ«جيش لحد». وفيما اكتفت «مديرية حسن الجوار» بالتصريح عن تقديم المساعدة الطبيّة واللوجستية لـ«جرحى سوريين» من جراء الحرب وتصوير إسرائيل بمظهر إنساني، انخرطت المديرية وشعبة المخابرات العسكرية الإسرائيلية «أمان» باكراً جدّاً في مدّ الإرهابيين بالدعم اللوجستي ووسائل الاتصال الحديثة والمعلومات الميدانية عن قوات الجيش، وتزويد عناصر «جبهة ثوّار سوريا» و«ألوية الفرقان» بالذخائر الخفيفة والأعتدة، فضلاً عن القصف المدفعي والجوّي المتكرّر لمرابض مدفعية وراجمات صواريخ للجيش كلّما تمكّن الجيش من صدّ هجومات الإرهابيين على مواقعه، بذريعة انزلاق قذائف وصواريخ إلى داخل الجولان المحتل.
ولطالما راهنت إسرائيل على غرفة «الموك» التي كانت شريكاً فيها إلى جانب الأردن وقطر والسعودية وأميركا وفرنسا، لانتزاع الجنوب من قبضة الدولة. إلّا أن ما ظهر من «حسن نيّة أردنية» تجاه سوريا بعد اتفاق وقف التصعيد، انعكس خبثاً في انتقال إدارة بعض فصائل المعارضة من «الموك» إلى الحضن الإسرائيلي بشكلٍ كامل، خصوصاً بعد قرار وقف الرواتب ووقف إدخال جرحى المسلحين إلى الأردن.
«حرس حدود» لإسرائيل
عدا عمّا يسمّى «فرسان الجولان»، وهو فصيل مسلّح أنشأته إسرائيل قبل أشهر في بلدة جباثا الخشب الملاصقة للجولان المحتل، بات لدى تل أبيب خمسة فصائل مسلّحة على الأقل، يتقاضى عناصرها رواتب ويخضعون لأوامر جيش الاحتلال مباشرةً، على طول التماس مع الجولان المحتل. وفيما كانت هذه الفصائل تتلقّى الرواتب من الأردن وحلفائه في «الموك»، باتت الآن ذراع إسرائيل العسكرية في تشكيل «منطقة عازلة» من بلدة بيت جنّ على جبل الشيخ حتى بلدة الرفيد جنوب غرب درعا، مروراً بطرنجة، جباثا الخشب، الحميدية، الصمدانية الغربية، مدينة القنيطرة، الرويحينة، بير عجم، كودنة وسويسة. وبحسب المعلومات، فإن ما سمّي «تحالف الجنوب» (دمج لـ«الفرقة الأولى مشاة» في جبهة ثوار سوريا وجيش الأبابيل) الذي يرأسه الرائد المنشقّ قاسم نجم (تعرّض لمحاولة اغتيال قبل فترة)، باتت تديره الاستخبارات الإسرائيلية، ويقود عملياته المدعو محمد الجباوي و«رئاسة الأركان» فيه المدعو علاء الحلقي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفصيل المسمّى «أحرار نوى». وهذه الفصائل باتت تتلقّى بشكل علني رواتب من الاحتلال وتتلقّى دعماً عسكرياً من القذائف والصواريخ والبنادق وأجهزة الاتصال. وعلمت الأخبار «أيضاً» أن إسرائيل تبني «مخافر حدودية» لـ«حرس الحدود» الجديد من المرتزقة المسلّحين على طول تماس الجولان المحتل.
الجيش يهاجم في جبل الشيخ
«لن يسمح الجيش السوري بتشكيل منطقة عازلة في الجولان»، بهذا الحسم تجيب مصادر عسكرية سورية معنيّة بالجنوب عن سؤال «الأخبار» عن استراتيجية الجيش لضرب المشروع الإسرائيلي في القنيطرة. قبل أيام، بدأ الجيش هجوماً على مسلّحي بلدة بيت جنّ، هدفه فصل بيت جنّ عن بلدة مغر المير المحتلة في جبل الشيخ، واستعادة السيطرة على البلدة، وفصل بيت جنّ عن جباثا الخشب. لا تستهين المصادر العسكرية بإمكان رفع إسرائيل سقف المواجهة مع تمدّد المعركة إلى حدود الجولان، لكنّها تؤكّد أن «الجيش عازم على استعادة كل المناطق من الإرهابيين، وعلى إسرائيل عن تكفّ يدها عن مدّهم بالدعم». وقبل يومين، قصف العدو مواقع للواء 90 قرب بلدة حضر، ردّاً على استهداف الجيش لمسلّحي بيت جنّ. وفي حين، تتذرّع إسرائيل بوجود حزب الله على حدود الجولان، وبالنيات العدائية تجاهها، فإن انغماس جيش الاحتلال في دعم عملاء له في الجولان، يجعل من هؤلاء ومن يرعاهم هدفاً لعمليات مضادة، وذريعة لدى الجيش السوري وحلفائه للقيام بعمليات مقاومة ضدّ المرتزقة وجنود الاحتلال وضباطه الذين يخترقون منطقة «فصل القوات» بالمشاة والآليات في أكثر من نقطة على طول خط التماس.
رفض شعبي للعمالة
فيما اختارت بعض الفصائل الارتزاق عند العدو الإسرائيلي، انخرطت فصائل أخرى في الحوار والتواصل مع الدولة السورية، إمّا بشكل مباشر أو عبر وساطة روسية، لتحقيق مصالحات في قرى عديدة، لا سيّما في ريف درعا الغربي. وعلى الرغم من المحاولات الإسرائيلية الحثيثة لاستمالة عواطف السوريين في الجنوب وإنهاء حالة العداء تجاه إسرائيل عبر إنشاء مدارس وتقديم مساعدات طبية وعينية وضخّ إعلامي كبير، إلّا أن أهالي وفعاليات العديد من البلدات الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة تتخّذ موقفاً معادياً تجاه عملاء إسرائيل وترفض المساعدات الإسرائيلية. وفي الآونة الأخيرة، خرجت عدّة تظاهرات مندّدة في قريتي بريقة وبير عجم، وأطلق بعض المشايخ، لا سيّما في نوى وجاسم وأنخل، مواقف معادية لإسرائيل في خطب يوم الجمعة، فضلاً عن إصدار ما يسمّى «دار العدل في حوران» بياناً مندّداً بما سمّي «مبادرة سلام الجولان»، التي أطلقتها مجموعة من العملاء قبل نحو شهر، وتهدف إلى التخلّي عن الجولان المحتل. وتقول مصادر في أحد فصائل المعارضة في «الجيدور» (قرى غرب درعا) لـ«الأخبار»، إن «على عملاء إسرائيل التعلّم ممّا تفعله بمرتزقتها دائماً وتتخلّى عنهم كما تخلت عن جماعة لحد»، مضيفاً أن «هذا التحوّل سببه الإذلال الأردني الذي نتعرّض له بعد الصفقة مع النظام والروس».
المصدر: فراس الشوفي: الأخبار
إضافة تعليق جديد