تحليل بنية الخوف عند الإنسان
تغسل يديها أكثر من عشرين مرة يوميا" و في كل مرة ليس أقل من عشر دقائق حتى يتشقق الجلد و يسيل الدم...و عندما تصافح شخصا" ثم تكتشف بأنه كان مريضا" _حتى لو كان مرضه غير معد_ يصيبها الهلع فلا تكمل الطريق إلى عملها بل تعود إلى منزلها لتضع كل ملابسها في الغسيل و بحرارة الغليان ثم تغتسل لأكثر من ساعة متواصلة بالماء الحار....
منذ عاد من حرب العراق و الكوابيس تؤرقه ...الأصوات تزعجه و كثير من المواقف تعيد إليه ذكريات مؤلمة ترعبه إلى درجة جعلته يخشى الخروج من منزله فظل حبيسه لسنوات....
كادت تسقط من أعلى الهضبة عندما حطت فراشة على قدمها ....
الحالة الأولى : وسواس قهري لامرأة تعاني من رهاب الجراثيم. .
الثانية: اضطراب التوتر بعد الصدمة النفسية ...post traumatic stress disorder (PTSD)..
الثالثة : رهاب أو phobia الحشرات..
وكل ماسبق حالات مبالغة من الخوف وصلت إلى درجة مرضية...
فما هو الخوف؟
الخوف هو تكتيك من أجل الحياة (survival )...هو استجابة عاطفية أو غريزة في جسم الكائن الحي واجبها أن تبقيه على قيد الحياة عندما يتعرض لظروف خطرة....ردة فعله عليها تكون ب: Fight or Flight
قاتل أو اهرب!
هو آلية دفاع أساسية جعلت الإنسان قابلا" للتأقلم جسديا" و عاطفيا" مع العالم المتغير فأبقته حيا" بينما تعرضت غيره من الكائنات إلى الانقراض.
فالخوف يشجع على الحذر و بشكله الصحي يدفعنا إلى التغلب على الخطر و لولاه لما كان لدينا دافعا" قويا" للتغيير في حياتنا..
فيزيولوجيا: يحرض شعور الخطر الدماغ على إفراز هرمونات تؤثر بدورها على الكظر الذي يفرز الكورتيزول و الأدرينالين فيتسرع القلب...يزداد التعرق و يتسمك الدم ليحصل الجسد على كمية أكبر من الأكسجين مما يحفذ الحواس و يساعد الإنسان في التركيز على الخطر..
مع التطور الحياتي و الاجتماعي أصبح الدماغ أكثر تعقيدا" و أصبح الخطر أقل بالنسبة إلى الحياة و لكن أكثر لإيجاد مكان آمن للفرد ضمن مجتمعه.
أصبحت المخاوف تتركز حول العواطف أكثر من المخاطر لكن الجسد لا يستطيع التمييز بين كليهما فيتصرف في الحالتين و كأنه يواجه خطرا"..
هكذا يمكن لآليات التأقلم نفسها التي خدمتنا أن تعمل ضدنا فيتحول الخوف إلى حالة مستمرة هي القلق (الذي تكون كثير من مسبباته متخيلة وغير حقيقية ),...
فعندما يرش الكورتيزول الدماغ بكميات كبيرة لا يستطيع التخلص منها تتغير هندسته و بالتالي تتأثر قدرة الفرد في السيطرة على الاستجابة
و يمكن للقلق عندها أن يجعله عاجزا" عن اتخاذ قرارات صحيحة..
الحالة المبالغة من القلق هي الرهاب Phobia : يمكن أن تبدأ بسبب التعرض السابق للحالة (وشك الوقوع من مكان عال في الماضي يمكن أن يتطور إلى رهاب المرتفعات )
يمكن تعلمها من مشاهدة خوف الآخر (طفل يشاهد خوف أمه من حيوان)
و أخيرا" يمكن لها أن تكون بسبب معلومات نتلقاها (الخوف من شريط كهربائي لأن ملامسته يمكن أن تسبب صدمة)
Phobos كان إلها" يجسد الخوف عند الإغريق
و كلمة فوبيا مشتقة عن اليونانية و معناها الخوف..
فوبوس(Phobos ) له أخ يدعى تيرور (Terror )أو رعب ...كانا يرافقان أباهما إله الحرب (Ares ) في عربته إلى أرض المعركة فيعم الخوف ..
لم يتغير شيء لا زال إله الحرب يقود مركبته من بلد إلى آخر ..
تكاثرت ذريته و انقسمت إلى إرهابيين و مرعوبين..
فاليوم نحن نعيش في عالم مخيف ، نشرات أخباره أفلام رعب وواقعه يهيئ كل أسباب القلق..
أنا و أنت لا نستطيع التحكم بكثير من الأسباب الحقيقية للخوف لكن الشجاعة مطلوبة و الشجاعة ليست انعدام الخوف بل القدرة على السيطرة عليه حتى لا يتحول إلى قلق مرضي بدلا" من أن ينقذ حياتنا ينغصها و يشوهها...
الشجاعة مطلوبة في كل مجالات الحياة لأن الخوف المبالغ يقتل من الأحلام أكثر بكثير مما يفعل الفشل.
لانا ترك: فيسبوك
إضافة تعليق جديد