دمشق والهدنة.. هدوء وترقب
منذ بداية الحرب السورية قبل خمس سنوات لم يعرف الناس طعماً للهدوء، بعيداً عن القذائف والقصف والصواريخ اليومية، ليفرض الاتفاق الدولي بوقف الأعمال العدائية نفسه على المشهد في العاصمة دمشق وريفها وسط ترقب وحذر لما سيحدث في الأيام المقبلة .
هكذا حبس الكثير من سكان دمشق أنفاسهم مع ساعات منتصف ليل الجمعة ـ السبت، وسط استنفار إعلامي غير مسبوق توزع ضمن شوارع العاصمة، وعلى محيط الجبهات الساخنة في جوبر وطريق حرستا ودوما، لتمر الساعات الأولى هادئة من دون أي خرق، في مشهد لم يعرفه أبناء الشام منذ خمس سنوات، ولا سيما أن تجربتهم السابقة مع الهُدن كانت مأساوية قبل ثلاث سنوات.
لكن صمت المدافع والهاون لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما سجلت ظهيرة السبت سقوط دفعة من الصواريخ والقذائف على ساحة العباسيين والقصاع وباب توما من دون سقوط ضحايا، وتبين أن مصدرها من جوبر وقلب الغوطة الشرقية التي انشغلت بقضية اعتقال قائد في فصيل «جند الشام» من منزله في جوبر على يد عناصر «فيلق الرحمن» الذي لم يعلق بأي بيان أو تفاصيل على الحادثة.
وذكرت وزارة الدفاع الروسية ان دمشق تعرضت للقصف ست مرات السبت، مضيفة أن الهجوم مصدره مناطق يسيطر عليها معارضون «معتدلون» منها الغوطة الشرقية. وتابعت «في الإجمال تم تسجيل 20 انفجاراً بين لغم وصاروخ» مشيرة الى أن مدنييْن قُتلا وأصيب ثمانية.
وذكرت الوزارة أنه «بناءً على طلب من المركز الروسي للمصالحة، لم يرد جنود القوات الحكومية على النار».
وباستثناء الصواريخ التي تساقطت ظهر أمس الأول، مر اليوم واليوم التالي بسلام ومن دون أي خروقات تذكر، فيما عاشت شوارع دمشق حركة عادية مع تفاؤل حذر بما ستحمله الأيام الباقية من الهدنة.
أجواء التفاؤل هذه ينقلها صالح (29 سنة ـ طبيب)، الذي اعتاد المرور في ساحة العباسيين برغم القذائف اليومية في المنطقة والتي لا تعرف وقتاً محدداً. ويقول «اعتدت رؤية الإصابات المتكررة في القصاع وباب توما، حيث يصل الجرحى إلى قسم الإسعاف. قد أكون بسيطاً، لكني أتفاءل بالهدنة، علّها توقف حجم الإصابات التي تصلنا يومياً وتخفف من معاناة كثيرين».
بدوره، يعتبر محمد (35 سنة ـ مهندس) أن لا ثقة بالمجموعات المسلحة ولا بداعميهم، وإن كان هناك 96 مجموعة مسلحة اتصلت بالقاعدة الجوية الروسية، وأبلغتهم الموافقة، فإن عدداً أكبر لا يزال يرفضها، وفي مقدمتهم «جبهة النصرة». ويستعيد ابن حي الزاهرة جنوب دمشق مشهد الهدنة أيام عيد الأضحى في العام 2012، حين انفجرت سيارة في حديقة ألعاب للأطفال، تبعها سقوط عدة صواريخ، وكل هذا مع إعلان المسلحين التزامهم بالهدنة.
حالة التشاؤم التي يعبّر عنها محمد تنسحب على مريم. فالموظفة الأربعينية فقدت اثنين من أقربائها برصاص القنص على طريق حرستا منذ عام، برغم ما تقول إنه هدنة غير معلنة على الطريق الدولي. وتقول «منذ سنتين وقّعوا اتفاقاً للهدنة في برزة، لكن عدة قنابل صوتية وعبوات انفجرت في عش الورور ومساكن برزة المجاورين. لا أستطيع أن أعبّر عن ارتياحي للهدنة الجديدة، ولكن ربما هذه المرة تختلف الأجواء بسبب قرار دولي كما يقولون».
ومقابل الآراء التي تشير إلى قلق من الهدنة ثمة آخرون يعبّرون عن تفاؤل أكثر بالاتفاق، خاصة أن الوضع الميداني في دمشق يرجح لمصلحة الجيش والقوات الرديفة كما يعبّر عن ذلك مازن (48 سنة ـ موظف). فابن منطقة صحنايا يرى أن المشهد بات أقرب لسيطرة الجيش، ولا خطر يحيط بالعاصمة منذ أكثر من سنتين بعد إحكام الحصار على جنوب العاصمة والغوطة الشرقية، ولعل الهدنة الأخيرة تساهم في الحد من سقوط قذائف الهاون وصواريخ «الكاتيوشا»، خاصة في مناطق تعرضت للكثير من هذه الهجمات.
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد