الجنوب السوري.. من التسوية إلى المواجهة المباشرة

ربما هي المصادفة التي تضرب للجنوب السوري موعداً سنوياً في شباط مع الاستحقاقات المصيرية، والتي تقترب هذه المرة من كسر لهيمنة المجموعات المسلحة في المنطقة، مع توسيع الجيش السوري سيطرته، لا سيما بعد معركة عتمان الأخيرة.
فقبل سنتين، وعشية فشل «جنيف 2»، أطلقت «غرف العمليات الجنوبية» صافرة بدء سلسلة معارك، أسفرت عن توسيع المجموعات المسلحة سيطرتها في درعا والقنيطرة. وقبل سنة شنّ الجيش وحلفاؤه سلسلة هجمات لتأمين المثلث بين درعا والجولان والغوطة الغربية، فيما توسّع القوات الحكومية هذه المرة من نفوذها، لاسيما بعد سيطرتها على الشيخ مسكين وعتمان.
وتشير التطورات الميدانية إلى استعدادات لشن هجمات عدة بين كل من إبطع والنعيمة وبصر الحرير وطفس، وهي بلدات تتوزع بين ريف درعا الشمالي والشرقي، وتجاور الطريق إلى درعا المدينة والى الحدود الأردنية، فيما تحدثت مصادر محلية عن مساعٍ يقوم بها أهالي ابطع وطفس لتجنيب مناطقهم مواجهات قاسية، وذلك من خلال طرح مبادرة للتسوية وإخراج المسلحين، بينما تدور مواجهات على أطراف الغارية في ريف المحافظة الشرقي.
كل هذا يوحي بسلسلة من المعارك الساخنة التي تنتظر الجنوب السوري دفعة واحدة، على غرار المشهد الميداني في حلب وريفها، مع اختلاف مساحات السيطرة بطبيعة الحال.
ولكن ما هي خيارات الفصائل في هذه المواجهات؟
 كان لافتاً في الأيام الأخيرة الحملة الإعلامية الشرسة لعشرات الشبكات الإخبارية و«تنسيقيات» المعارضة التي صبت نار غضبها على قيادات المجموعات المسلحة، متهمة إياهم بالرضوخ العلني لأوامر «غرفة الموك» التي، وبحسب قولهم، «تريد تسليم الجنوب للنظام السوري، بموجب تسوية دولية»، مستشهدين بخسائر متتالية على الجبهات كافة، بداية من فشل «عاصفة الجنوب» ومؤخراً في عتمان، ما يضع أهم المواقع الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة في الجنوب أمام خطر كبير من إمكانية استعادة الجيش السوري لها، لاسيما في مربع ابطع ـ طفس ـ اليادودة ـ النعيمة، وهو ما يعني إنهاء حلم السيطرة على درعا المدينة والطريق إلى دمشق، وكذلك لخطر استعادة كل من الغارية الشرقية وبصر الحرير في الريف الشرقي، وبالتالي تأمين بصرى الشام كخطوة لاحقة.
يُضاف إلى ذلك أن الريف الغربي لم يعُد بمأمن، مع فتح طريق من الشيخ مسكين إلى نوى، وبالتالي الريف الغربي، المقسَّم بين «جبهة النصرة»، ذات النفوذ الممتدّ إلى القنيطرة والجولان المحتل، وبين «داعش» في الريف الجنوبي الغربي عند المثلث السوري ـ الأردني ـ مع فلسطين المحتلة، حيث يسيطر «لواء شهداء اليرموك».
ومن جهة أخرى، يعتبر مصدر معارض أن وضع الفصائل المسلحة في الجنوب هو بين خيارين، فهي من جهة لا تستطيع رفض طلب «غرفة الموك» وفي الوقت ذاته فقدت الكثير من رصيدها لدى الحاضنة الشعبية في تلك المناطق، ويُضاف إلى ذلك انه، وعلى الرغم من إقرار الغالبية الساحقة بوقف الدعم المالي والعسكري منذ فشل معركة «وبشّر الصابرين» في الصيف الماضي، إلا أنها لم تعد تستطيع التحرك، وهناك تخبّط كبير في قراراتها.
واللافت هنا ما يشير اليه أكثر من مصدر من أن المعارك في درعا لا تقوم وفق مبدأ تخطيط، أو تنسيق، بين الفصائل بقدر ما هو مبدأ «الفزعة»، أي نجدة الفصائل ذات المنشأ الريفي العائلي لبعضها البعض، وهو ما سبب خسارتها لكثير من المعارك وجعلها تتجنب قتال «جبهة النصرة» و«داعش» في مناطق أخرى.
ولعل «النصرة» و «داعش» تملكان كلمة السر للفترة القليلة المقبلة، إذ يتوقع أن تشترط القوى الإقليمية المتحكمة بالجنوب أن تقاتل مجموعات «الجيش الحر» مجموعات «النصرة» و «داعش» في مواقع سيطرتها، بحيث تنال عند ذاك الرضى الدولي، ويسمح لها حجز رصيد من الدعم المالي والسياسي.

طارق العبد

المصدر: السفير