أوكرانيا: ضباب يلفّ "العهد الجديد" والأزمة رهن التسوية السياسيةأو الاقتتال
بدا أمس أن أوكرانيا قد طوت صفحة فيكتور يانوكوفيتش نهائياً، وذلك بعد يوم جنوني اتسم بمشاهد دراماتيكية متسارعة قلبت الأوضاع في الدولة السوفياتية السابقة رأساً على عقب، وكانت خواتيمه فرار الرئيس المعزول برلمانياً الى مكان مجهول، يرجّح أن يكون في مسقط رأسه في شرق البلاد، وعودة القيادية المعارضة البارزة يوليا تيموشينكو، من سجنها، الى ساحة الاستقلال منتصرة.
وبالرغم من أن تحولات المشهد الاوكراني خلال اليومين الماضيين قد أتت في الظاهر لمصلحة المعسكر الموالي للغرب، إلا أن ثمة إجماعاً بين المراقبين على أن المعركة ما زالت في بداياتها، وأنّ من الصعب على المعسكر الموالي لروسيا - برغم تزايد احتمالات تخلّيه عن يانوكوفيتش بسبب سياساته الفاشلة خلال الأعوام الأربعة الماضية – أن يقف موقف المتفرّج إزاء ما حدث.
ولذلك، فإن التوقعات التي خرج بها المراقبون، والتي يمكن التقاطها من بين سطور التصريحات الديبلوماسية الصادرة عن عواصم العالم، تدور في فلك احتمالين لا ثالث لهما: حل سلمي للأزمة وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، أو الاقتتال الداخلي الذي ينذر بتقسيم البلاد.
مشاهد الانهيار الدراماتيكي لنظام يانوكوفيتش بدأت فجر أمس الأول، حين رفض المتظاهرون في ساحة الاستقلال اتفاق التسوية بين الرئيس والمعارضة البرلمانية، التي استجابت سريعاً لمطلب الميدان بأن رفعت سقف مطالبها باتجاه تقديم عريضة نيابية بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في الخامس والعشرين من أيار المقبل، وهو ما وافق عليه البرلمان، بعد إعلانه شغور منصب الرئيس لتعذّره عن ممارسة مهامه الدستورية.
وسبق هذا القرار تطور ميداني تمثل في احتلال المتظاهرين للمقرّ الرئاسي، وآخر سياسي تمثل في انشقاق عشرات النواب من معسكر يانوكوفيتش، بما في ذلك رئيس البرلمان فولوديمير ريباك، الذي انتخب النواب مكانه نائباً معارضاً هو أوليكسندر تيرتشينوف، حليف يوليا تيموشينكو، الذي دعا الى بدء تشكيل حكومة انتقالية ابتداءً من يوم غد.
كذلك، أعلنت وزارة الدفاع أن الجيش يقف على الحياد في الأزمة السياسية القائمة، فيما أكدت الشرطة انحيازها إلى مطالب الشعب.
أما الطعنة الكبرى ليانوكوفيتش، فتمثلت في صدور بيان عن "حزب الأقاليم" الذي يتزعمه، يحمّله فيه مسؤولية الأزمة السياسية، التي انفجرت في الشارع وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
في المقابل، قال الرئيس الأوكراني، الذي تنتهي ولايته في آذار العام 2015، من خاركيف (شرق) أنه لا ينوي أبداً الاستقالة، مشبهاً ما جرى بصعود النازية في المانيا في الثلاثينيات.
واكتنف الغموض مكان يانوكوفيتش، حيث أشارت تقارير إلى أن محاولته لركوب طائرة "تشارتر" في مطار دونيتسك في مسقط رأسه في شرق البلاد باءت بالفشل.
وفي موازاة عزل يانوكوفيتش، اتخذ البرلمان الأوكراني قراراً بالإفراج الفوري عن زعيمة المعارضة يوليا تيموشينكو، المسجونة منذ عامين في قضية إساءة استخدام السلطة. وفور الإفراج عنها، توجهت تيموشينكو إلى ساحة الاستقلال، حيث ألقت خطاباً دعت فيه المتظاهرين الى الاستمرار في تحركاتهم، مؤكدة أن المعركة لم تنته بعد.
وبحسب النائب عن "حزب أرض الأجداد" (الموالي لتيموشينكو) في البرلمان الأوكراني نيكولاي تومينكو فإنّ هناك ثلاث شخصيات مرشحة لتولي منصب رئاسة الحكومة، وهي: يوليا تيموشينكو، ورئيس "أرض الأجداد" أرسيني ياتسينيوك، والنائب المستقل بيوتر بورشينكو، وهو وزير سابق ورجل أعمال في صناعة الحلويات يعرف بلقب "ملك الشوكولاتة".
لكن تيموشينكو قالت عبر موقعها على الانترنت إنها لا تريد أن تؤخذ في الاعتبار لشغل المنصب في ما قد يشير الى انها ربما تضع نصب أعينها الترشح لمنصب رئيس الدولة، وهو أمر يتوقع المراقبون ان يكون عامل امتصاص للأزمة السياسية، وكبحاً لجماح اليمين المتطرف الذي نجح في إشعال الشارع.
وفي ردود الفعل الدولية، توافقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، على ضرورة الحفاظ على "وحدة أراضي" أوكرانيا، وذلك أثناء محادثة هاتفية بينهما، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الحكومة الالمانية.
ودعت المستشارة الالمانية يوليا تيموشينكو، في اتصال هاتفي، إلى العمل من أجل وحدة اوكرانيا والمعارضة، وفق ما أفاد مصدر في الحكومة الالمانية.
من جهة أخرى، قالت مستشارة الأمن القومي الاميركي سوزان رايس أمس، إن روسيا سترتكب "خطأ جسيماً" إذا أرسلت قوات عسكرية إلى أوكرانيا، مشددة على أن انقسام أوكرانيا لن يكون في مصلحة روسيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة.
وكان البيت الأبيض أكد في بيان "نحن مستمرون في الدعوة الى وقف العنف من الجانبين والتركيز على حوار ديموقراطي سلمي وفقاً للدستور الاوكراني".
بدورها، دعت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون المسؤولين السياسيين الاوكرانيين الى التحرك "بمسؤولية" لحماية "سلامة اراضي اوكرانيا" و"وحدة البلاد"، فيما رحب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بالإفراج عن تيموشينكو، وأكد أن فرنسا "مثل شركائها الأوروبيين توجّه نداء لحماية وحدة وسلامة اراضي البلاد والامتناع عن القيام بأعمال عنف".
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد