«تمرّد مسلّح» ضد الجيش اللبناني في طرابلس
لم تهدأ جبهة طرابلس بعد. هي عادة العاصمة الشمالية اللبناهنية التي ألِفت أزيز الرصاص وصوت القذائف. المدينة التي صادر قرارها زعران الأحياء بوكالة سياسييها ستستمر تغلي، رغم أنّ أحداثها باتت حكايةً مملّة. كرٌّ وفر متواصلان بين الجيش اللبناني والمسلّحين. بيانات وبيانات مضادة ثم جرحى وشهداء يسقطون الواحد تلو الآخر. السيناريو ذاته يتكرر دائماً بالأبطال أنفسهم. خلال الأيام الماضية، نفّذ الجيش اللبناني عمليات دهم لتوقيف عدد من المطلوبين المسؤولين عن توتير الوضع في الفيحاء.
وبرز لافتاً توجّه الجيش اللبناني إلى احتواء المعركة قدر الإمكان. فبادر إلى الدخول بالقوّة إلى عدد من المواقع في باب التبّانة وغيرها لإزالة دُشم وتحصينات يستخدمها المسلّحون في معركتهم، وعمد إلى توقيف مطلوبين، لكن لم يكن بين هؤلاء اسم بارز سوى حاتم جنزرلي، أحد المطلوبين الخطرين الذي تحمل صورة اللواء المتقاعد أشرف ريفي توقيعه بعدما كان قد رفعها في باب الحديد. غير الجنزرلي، لم يكن هناك أحدٌ من مشاهير المطلوبين بين الموقوفين، علماً بأنّ مفتعلي الشغب باتوا معروفين بالاسم، بل فاقوا سياسيي المدينة شهرة. بالأمس، اشتعلت طرابلس مجدداً. اشتدت حمأة الاشتباكات. والقشة التي قصمت ظهر البعير كانت إصابة الضابط أحمد ع. في رقبته و7 عسكريين أثناء محاولتهم حماية فريق محطة «الجديد». فقد تجمهر مسلّحون حول مراسلة المحطة المذكورة وانهالوا عليها بالشتائم ثم سلبوا المصوّر كاميرته وحطّموها. حضر عناصر الجيش لتفريق المحتشدين، فتطوّر الأمر إلى تبادل إطلاق نار. لم تقتصر المسألة على ذلك. المعركة في طرابلس معركتان. إحداهما في أزقة المدينة وأحيائها، والأخرى افتراضية على فضاء «واتس أب». فقد برز لافتاً أمس الكم الكبير للبيانات التحريضية التي جرى توزيعها وتداولها على نطاق واسع قبل أن يتبيّن أنّها مفبركة، إذ إن معظم من صدرت البيانات باسمائهم داعية إلى «يوم غضب»، سارع إلى غسل يديه منها. تبرّأ الجميع من التحريض والتصعيد، باستثناء الشيخ داعي الإسلام الشهّال، الذي غرد خارج السرب، مزايداً على الجميع في التصعيد، داعياً للاعتصام اليوم «لأن أهل السنة ليسوا مكسر عصا». وأكثر هذه البيانات التي زادت الأجواء احتقاناً كان البيان الذي نُسب إلى الشيخ خالد السيّد، محدداً مهلة للجيش للانسحاب من باب التبّانة، لكنّ الأخير نفى أي علاقة له بالبيان.
وعند منتصف ليل أمس، عقد مشايخ ووجهاء من طرابلس اجتماعاً في مكتب الشيخ سالم الرافعي، للوقوف على التطورات الميدانية في المدينة. وصدر بيان باسم هيئة العلماء المسلمين رأى أنّ ما جرى في التبانة «تصرف فردي»، داعياً الأهالي إلى «ضبط النفس وعدم الانجرار للمخطط الذي يسعى إليه من يريد الشر لهذه المدينة».
وكان الوضع الأمني في طرابلس قد انتكس مساء أمس ودارت اشتباكات بين الجيش ومسلحين حاولوا مهاجمة ثكنة الجيش في القبة، رافقها قطع طرق في عدد من المناطق الشمالية والأحياء الطرابلسية، على خلفية المداهمات التي ينفذها الجيش في التبانة واعتقال مطلوبين.
وأدت المواجهات إلى استشهاد الجندي عبد الكريم فرحات، وسقوط عدد من الجرحى من الجانبين واحتراق منازل، ولا سيما في محيط ثكنة الجيش في القبة، من جراء اشتباك بين حامية الثكنة ومتظاهرين تقدموا نحوها وأطلقوا أعيرة نارية باتجاهها احتجاجا على اجراءات الجيش في التبانة.
وفي وقت لاحق، أعلنت قيادة الجيش في بيان ان عددا من الأشخاص اقدموا مساء على التجمع والاحتجاج على الإجراءات التي يتخذها الجيش في طرابلس، والتي أدت إلى توقيف عدد من المتسببين بالإخلال بالأمن. وأوضحت القيادة أن الإجراءات التي يتخذها الجيش في طرابلس وضواحيها «لا تصب في مصلحة المخلين بالامن والذين يستفيدون من حال الفوضى، لذلك هم يسعون إلى التعبير دوما عن رفضهم لها خلافا لارادة الأغلبية العظمة من أهالي طرابلس». أضاف البيان «إن قيادة الجيش إذ تؤكد الاستمرار في حرصها على الاستجابة لما يريده عموم أهالي المدينة في الأمن، وانطلاقا من واجبها الوطني، تدعو الجميع إلى التجاوب مع إجراءات الجيش ومع رغبة الأهالي لما فيه مصلحة هذه المدينة والاستقرار العام».
وكانت القيادة قد أعلنت توقيف المدعوين رامي سيف الدين حسون وبلال نصر حسون، المطلوبين بموجب وثائق عديدة.
ولاحقاً أعلنت القيادة ان مديرية الاستخبارات أحالت على النيابة العامة العسكرية، أربعة من الموقوفين على خلفية الحوادث الأخيرة في طرابلس، وهم: جعفر تامر، ملاذ ديبو، علاء ديبو وأحمد الشامي، بعدما أثبتت التحقيقات تورطهم في تلك الحوادث، وإقدامهم على ارتكاب جرائم منها إطلاق النار.
وبالتوازي، ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على ثلاثة موقوفين من جبل محسن بجرم تأليف مجموعات مسلحة ضمن فريقين متنازعين سياسيا وعسكريا، بهدف القيام بأعمال ارهابية وتبادل اطلاق النار بين باب التبانة وجبل محسن، وقتل ومحاولة قتل مدنيين وعسكريين، وتدمير ممتلكات عامة وخاصة. وأحالهم على قاضي التحقيق العسكري الأول.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد