صرخة استغاثة من معلولا: «إجت النصرة» صلّوا لنا
«إجت النصرة.. إجت النصرة.. صلوا لنا»، بهذه الكلمات اختتمت الأم بلاجيا سيّاف، رئيسة دير مار تقلا البطريركي في معلولا، حديثها عن الوضع المتدهور في البلدة التي تعتبر رمزا مسيحيا تاريخيا.
وقد تجددت المعارك في بلدة معلولا مساء أمس بين مسلحين ينتمون بشكل أساسي إلى «جبهة النصرة» وقوات الجيش السوري وسط مخاوف من وقوع مجزرة تطال من اختار البقاء من السكان، بعدما استطاع عدد من أبناء البلدة (معظمهم من النساء والأطفال) مغادرتها ظهراً.
وبحلول السادسة من مساء أمس، عاود مسلحو «النصرة» الدخول إلى البلدة، بعدما كانوا قد نفذوا انسحاباً إلى أطرافها صباحاً. وقال مصدر من داخل البلدة إن ست ضحايا من أهل البلدة قد سقطوا قرابة الساعة السابعة في عمليات قنص، صارخاً «لا معلومات لدي الآن سوى أن أبناء معلولا يحتاجون إلى مؤازرة... هل تستطيع إرسال مؤازرة؟».
وقال سركيس (اسم مستعار)، وهو أحد أبناء البلدة الذين استطاعوا مغادرتها إلى دمشق، إنهم غادروا ظهراً بعدما هدأت حدة الاشتباكات، مشيراً الى أن معظم المغادرين كانوا من النساء والأطفال وكبار السن.
وبالعودة إلى أحداث أمس الأول، أكد المصدر أن مسلحين اقتحموا البلدة بأعداد كبيرة بعد التفجير الذي استهدف حاجز الجيش السوري في مدخل البلدة، قبل أن ينتشروا فيها مرددين صيحات التكبير. وأضاف لقد «كسروا صوراً للسيدة العذراء، وصلباناً، وسمعتُ أحدهم يصيح: إجا يومكم يا صليبيين»، كما أكّد اقتحام المسلحين عددا من المنازل، وتهديد سكانها، قبل أن ينسحبوا إلى أطراف البلدة.
يذكر أن قوات الجيش السوري تحمي البلدة عبر حاجزين رئيسيين على المدخلين الجنوبي والشمالي. وبالرغم من أن اقتحام الحاجز الداخلي جرى بشكل مفاجئ، إلا ان احتمالات هذه المعركة كانت تزداد مع الوقت، خصوصاً أن المناطق المحاذية لمعلولا مثل يبرود تشكل بيئة حاضنة للمسلحين، بالإضافة إلى كونها تقع تحت سيطرتهم. كما يشكل الخط الجبلي القائم على حدود دمشق الشرقية، معبراً للمهربين باتجاه المناطق اللبنانية.
بدورها، قالت الأم بلاجيا سياف في اتصال هاتفي مع جريدة «السفير» اللبنانيةإن كنائس البلدة وأديرتها لم تتعرض لاعتداءات يوم الأربعاء، باستثناء سقوط قذيفتين على سور دير مار تقلا. وأضافت أنه «ظهر الخميس (أمس) ساد الهدوء، واستطاع عدد من أبناء البلدة مغادرتها، أما الآن فقد تجددت الاشتباكات». ولدى سؤالها عن أسباب عدم مغادرتها وسكان الدير، أجابت سياف «إلى أين نذهب؟ ولمن نترك الدير؟ لا يمكن أن نتركه مهما حصل».
وأوضحت أن «المسلحين عادوا إلى الانتشار في البلدة حوالي الساعة السادسة والنصف (مساء الخميس)، بالتزامن مع تجدد أصوات المعارك بمختلف أنواع الأسلحة». وبصوت متهدج يختلط بأصوات القذائف اختتمت بالقول «اجت النصرة.. اجت النصرة.. صلوا لنا».
بدورها، قالت ماري، وهي إحدى اللواتي غادرن معلولا صباحاً، إن «المسلحين اقتحموا البلدة يوم الأربعاء (أمس الأول) بمختلف أنواع الأسلحة، ثم وصلت تعزيزات للجيش، وسُمعت أصوات اشتباكات عنيفة استمرت حتى وقت متأخر من الليل، وصباحاً علمنا بأن الجيش السوري قد وضع حاجزاً جديداً على مدخل البلدة من جهة أوتوستراد حمص – دمشق، بينما انسحب المسلحون إلى الجهة الأخرى من البلدة». وأضافت ماري «لم أكن أرغب بالمغادرة، لكن خوفي على أطفالي الثلاثة أجبرني على ذلك».
وتعليقاً على عودة المسلحين إلى البلدة بعد الأنباء التي تحدثت عن إحكام الجيش السوري السيطرة عليها، قال مصدر ميداني إن «الجيش يواصل تصديه للإرهابيين، والمعارك كرّ وفر، وثمة قوات من وحدات النخبة تتولى الأمر الآن، وستكون معركة الليلة حاسمة». وتوقع المصدر أن «تكون معلولا خالية تماماً من الإرهابيين بحلول الصباح».
وكانت «جبهة النصرة» قد أصدرت بياناً أمس أعلنت فيه مسؤوليتها التامة عن عملية اقتحام معلولا. وجاء في البيان أنه «نظراً لما تناقلته وسائل الاعلام، وكثرة الذين قاموا بتبني العمل المبارك الذي قام به أسود جبهة النصرة يوم أمس (الأول) من سحق حاجز معلولا عن بكرة أبيه وتطهيره من النصيرية، كان لا بد من ذكر الفصائل المشاركة بالتفصيل ودورها في المعركة».
ووفقاً للبيان فقد «قامت كتيبة تابعة لألوية أحفاد الرسول باستقبال جبهة النصرة في فندق السفير معلولا قبل العملية والمساعدة في توضيح جغرافية المنطقة للمجاهدين، كما شارك - المجاهد أبو أنس - الذي يتبع كتيبة أحفاد الرسول في عملية اقتحام الحاجز مع أسود جبهة النصرة».
وفي وقت كان الجيش السوري يحشد قواته على المدخل الرئيسي للبلدة بالقرب من الطريق الدولي، بدأت الاشتباكات في البلدة تأخذ طابعاً دينياً بين «مسيحيين يدافعون عن بيوتهم ومقدساتهم» ومسلمين معارضين بعضهم من أهالي البلدة، وفقاً لرواية أحد السكان.
واشتدت الحماسة الدينية أمس الأول، بعدما سمعت العائلات المسيحية المقيمة في البلدة، والتي تشكل الغالبية العظمى، نداءات بمكبرات الصوت تردد صداها الجبال تدعوهم «للدخول في الإسلام». ووفقاً للمصدر ذاته، فإن قسماً من مسلمي البلدة «المتعصبين» شكل العمود الفقري لتحرك المسلحين منذ يومين، حيث ان «غالبية عناصر المجموعة، التي استولت منذ أشهر على فندق سفير معلولا ودير مار سركيس المحاذي له، من سكان البلدة المسلمين مع بعض الغرباء».
وبحسب المصدر، فإن بعض أهالي البلدة اختبأ في المغاور الجبلية بانتظار أن يتسنى لهم سلوك الطريق الدولي باتجاه دمشق. ولم يعرف بعد حجم الضرر الذي لحق بالمباني الأثرية، أو عدد الضحايا المدنيين. مع العلم بأن مجموعة الحاجز السوري الذي استهدف أمس الأول، قتلت بالكامل، حتى أن بعض العناصر قضوا ذبحاً بعد التفجير.
ووفقاً للمصدر، فإن المعلومات حتى مساء أمس كانت تشير إلى أضرار بسيطة في كل من دير مار الياس والدير الكبير، بسبب سقوط قذائف هاون في ساحات قريبة.
صهيب عنجريني وزياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد