حرب الأضرحة
يبدو أنها واحدة من السمات العامة، «العصرية»، التي تحرك الحركات الأصولية وتدفعها: فهي إن لم تجد بشرا لتقضي عليهم نجدها تستعيض عن ذلك بتدمير أشياء كثيرة أخرى أقلّها الحجر (وفق المثل السائد)، بالأحرى تدمير العديد من أجزاء التراث الإنساني، الذي من المفترض أن يكون مُلكا للبشرية جميعا، حتى وإن كان يتعارض أحيانا مع معتقداتنا. لكن حقا، أيّ معتقدات هذه التي نملكها حين لا نستطيع تقبل الآخر، ولا تراثه ولا حضارته، متذرعين بأن معتقداتنا هي الصواب، وما عداها خطأ وضلال.
بالتأكيد لا أناقش فكرة الله ولا الإيمان به، إذ لا أحد ربما ضد فكرة العدالة والمحبة والتضحية وما إلى ذلك من أفكار جميلة منوطة به، ولا يمكن إلا الإيمان بها والجهر بها أيضا. لكن بالتأكيد ليس الله لا سيارة مفخخة ولا عمليات قتل وإبادة وتدمير مستمرة إلى ما لا نهاية. عمليات تجد صداها الأوسع اليوم في مالي وتحديدا في مدينة تومبكتو، إذ أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن عناصر من «أنصار الدين» دمروا بعض الأضرحة هناك (وقد أكد شهود عيان هذا الأمر) ونقلت الوكالة عن أبي دردار، القائد الإسلامي للمنطقة، أنه «لن يبقى هناك ضريح واحد في تومبكتو، لا يحب الله هذا الأمر، سنحطم كلّ الأضرحة الخبيئة في الأحياء».
مشروع واضح إذاً. وهو يتماهى بالتأكيد مع ما قامت به حركة طالبان من سنين حين دمرت تماثيل بوذا في أفغانستان، ضاربة عرض الحائط كلّ التوسلات للحفاظ على هذا الشاهد لحضارة إنسانية ماضية.
ثمة سؤال أجدني منساقا إلى طرحه: لماذا يستسيع البعض هذا «الجهل» الذي ترسمه بعض الحركات الإسلامية المتطرفة لنفسها، لتشكل منه الإطار الذي تتحرك في حدوده؟ لماذا نتناسى دوما الوجه السمح للدين الإسلامي، وللأديان عامة، ونذهب مباشرة إلى تأويلات وتفسيرات أظن أن الله بريء منها؟ هل يمكننا حقا أن نتساءل عن مصيرنا لو انتصرت هذه الحركات في عالمنا اليوم، إذ عندها كيف يمكن فعلا التعايش مع حركات مماثلة حيث لن يعود هناك أيّ مجال للعيش أو للتفاهم معها.
لا أظن أن الدين جاء لنسف الحضارة الإنسانية، بل لتفعيلها وربما للحفاظ عليها. من هنا، ما مشكلة هذه الحركات مع هذه الحضارة؟ وما مشكلة الحركات الأصولية مع وجهات النظر المخالفة لها؟ سؤال قد يبدو ساذجا بالتأكيد، حين تطرحه على أناس يظنون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة، وما عداهم ليسوا مجموعة من «الهراطقة» الذين تجب إعادتهم إلى الطريق السليم. لكن فعلا، هل يملكون هذه الحقيقة؟ أليسوا في النهاية أعداء للبشرية كلها؟ وكيف يمكن الوثوق بأناس على هذه الدرجة الكبيرة من الحقد؟
اسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد