جريمة قتل بدائية
كان المطر يداعب أحلام خليل وهو ينهال رذاذا خفيفا على قرية (ستمرخو) الوادعة , فالشتاء في أوله ضيف خفيف الظل يغري المرء بالتوحد به تحت سماء حزينة وأوراق أشجار صفراء يناديه بهمس العاشق : اخرج من بين الجدران وتفرج على الحياة !!
استجاب خليل لنداء المطر , دون أن يحتاط بكنزة صوف أو لفحة سميكة البارحة كان يعدو في الازقة والطرقات طائرا فتيا زهري الحلم , كانت تتطاير من رأسه فراشات ملونة , وأطياف أحلام قزحية تحفزه على التخطيط لمشاريع مستقبلية رائعة , فقد حصل في العام الماضي على الثانوية وهو بحاجة لانجاز شيء ما كي يقف إلى جانب والديه الموظفين من أجل الارتقاء بالوضع المادي
أحلام وردية كعمره الفتي ابن التاسعة عشرة لم يذق طعم الحياة بعد !!
إنه في بداية الطريق ولديه أمل بالمستقبل الاجمل خرج خليل في الثامنة مساء , كانت أمه مشغولة بتحضير ثيابه وثياب إخوته الشتائية فقد طرق البرد بأصابعه على زجاج النوافذ والابواب
طلب خليل من أختيه , تحضير الشاي , ريثما يعود من عند عمته وضعت إحداهن الابريق على النار , وهو توارى دون أن يودع أحدا
لم يكن يعلم أن الشاي الذي أعدته شقيقتاه خصيصا له , لن يشربه ولم يكن يعلم بأنها المرة الاخيرة التي يغادر فيها عتبة البيت مشيا على الاقدام لو علم لعانق والدته طويلا ولو علمت هي لعانقته وشمت رائحته قبل أن يمضي والاصح لو علمت بذلك لقيدته بسلاسل عواطفها وسجنته داخل أسوار قلبها وغطته بسنابل الرموش
لكن خرج خليل دون تلويحة وداع حينما وصل إلى ساحة القرية التقى رفاقه : علي وأبي وأمير وربيع ومحمد راحوا يتبادولون الاحاديث والطرف كانت الضحكات تنفلت منهم كأرجوحة أطفال تتهادى فوق عشب أخضر , نسي الفتى وهو في لجة الحديث زيارة عمته ونسي الشاي الذي أعدته له أخته فجأة توقفت سيارة قربهم ترجل منها شبان من قرية (المشيرفة )جاؤوا لكي يلقنوا محمد درسا لأنه على حد زعمهم أقدم على المرور عدة مرات مع رفاقه من أمام بيت المدعو نوار القادم من القرية المذكورة مع رفاقه جرت ملاسنة كلامية بين الطرفين تطورت الملاسنة إلى مشاجرة , نفى محمد أنه أقدم على تلطيش أخت نوار , تطورت المشاجرة تدخل شيطان أرعن مخيف الهيئة شيطان هو الشر بعينيه دفع نوار إلى استلال خنجر من خصره , لوح به يريد أن يطعن محمد هرب محمد هرب الجميع , همّ خليل بالهرب لكن قدمه خانته تزحلق على الوحل فلم يستطع . طعنة واحدة من خنجر أرعن استقر في قلبه طعنة قاضية كانت الحد الفاصل بين الموت والحياة , بين الضحك والبكاء , بين الأمل والقنوط بين الفرحة والدموع أردته أرضا هرب الجميع وتهاوى خليل على التراب المبلل , لوحملته قدماه لمشي باتجاه أحد المحلات وطلب الاسعاف راح الدم يفور من صدره وقلبه المطعون وأخذ يئن كحمامة مذبوحة لم يقو على الصراخ ولا الكلام ولا طلب النجدة يبست شفتاه وتحجرت عيناه وهربت دمعة واحدة من إحدى عينيه استقرت على خده كان بوده أن يقول : أرجوكم اسعفوني أنا أموت لا أريد ذلك . عيناه المتحجرتان راحتا تستنجدان بالسماء الحزينة الخرساء , أراد أن ينادي أمي سارعي لإنقاذي وإذا لم تتمكني ضميني إلى صدرك وأراد أن يقول هل بردت الشاي يا أختاه ? وأراد أن يقول إنني أشعر بالبرد أين كنزة الصوف ? أرجوكم غطوني !!
أكثر من ربع ساعة وخليل ينزف ينزف والدنيا تتحول رويدا رويدا إلى سديم ظلام يتلوه ظلام المارة شاهدوه ممداً يلفظ أنفاسه الاخيرة اقتربوا منه طرق أحدهم باب المدعو جهاد سارع الرجل وضعه بمساعدة الاخرين في سيارته واتجه إلى اللاذقية لاسعافه لكن الموت كان أسرع حيث أسلم خليل الروح قبل أن يصل وفي المشفى أودع البراد دون كنزة شتوية
حضرت هيئتا الكشف الطبي والقضائي المؤلفة من القاضي تيسير طراف والطبيبة الشرعية منال جدع ودورية أدلة جنائية من فرع الامن الجنائي وبفحص الجثة تبين وجود جرح قاطع متباعد الاطراف تحت الثدي الايسر وسحجات رضية وكسر متبدل في عظم القص وتبين أن سبب الوفاة يعود إلى إصابة القلب بجرح نافذ وقام القاضي بتسليم الجثة لذويها وتكليف مدير منطقة اللاذقية العميد فاروق الخلف بمتابعة التحقيقات واستجواب من يلزم
وبتوجيه من قائد شرطة المحافظة وجه مدير منطقة اللاذقية العميد فاروق الخلف دورية بأمرة الملازم أول عمار شيخو ألقت القبض على كل من له علاقة بالموضوع وتابعت البحث عن القاتل وبالتحقيق مع كل من (ع ب) و(هس) و(أم) من طرف القاتل تبين أن المدعو نوار لجأ بعد أن أقدم على قتل المغدور إلى منزل صديقه المدعو (فأ) وأنه أخفى الخنجر عنده ومن ثم توارى إلى منزل خاله في قرية البسيط وفي صباح اليوم التالي وبتاريخ 31/1/26 ألقي القبض على القاتل وبالتحقيق معه اعترف بأنه حضر مع مجموعة من رفاقه إلى قرية ستمرخو كي يلقن المدعو محمد درسا لاقدام الاخير مع رفاقه على المرور من أمام منزلهم وتلطيش شقيقته وإنه لم يكن ينوي قتل المغدور خليل بعد انتهاء التحقيق مع القاتل قدم موجودا إلى المحامي العام باللاذقية ليقول القضاء به كلمته
الشكر الجزيل لضباط وعناصر شرطة المحافظة الذين يبذلون الجهد لالقاء القبض على كل من تسول له نفسه المساس بأمن وحياة المواطنين .
سورية عبدو
المصدر: الوحدة
إضافة تعليق جديد