آلام البطن والصدر خطرها في إهمالها
يعمل سائق تاكسي. طلب منه زبون أن يوصله إلى بلدته التي تبعد عن المدينة حوالى 100 كيلومتر. أوصل الراكب إلى ضيعته وفي طريق العودة داهمه وجع حاد في الظهر لم يعرف له شبيهاً من قبل. ظن أن الألم ناتج من القعود الطويل في السيارة. توقف على الطريق ليرتاح قليلاً. تناول مسكناً يحمله معه. مضت أكثر من 30 دقيقة على أخذ الدواء لكن من دون أي تحسن. أخذ الوجع يشتد. توجه فوراً إلى أقرب مستشفى. أجريت له مجموعة من التحريات والفحوص السريرية والمخبرية والشعاعية. المعطيات أفادت بأن المريض يعاني من «أم الدم»( تمدد موضعي) في الشريان البطني.
هناك أوجاع يعاني منها الرجال قد تخفي وراءها ظروفاً ساخنة، لذلك يجب على المصابين بها عدم إهمالها، وأخذ المشورة الطبية في شأنها قبل أن تنفجر وتسبب مضاعفات لا لزوم لها، وفي ما يأتي عدد من هذه الأوجاع:
1- آلام الصدر الحادة، وهي من أكثر الأوجاع التي يهملها الناس، على رغم أنه يجب أخذها على محمل الجد ومراجعة الطبيب على وجه السرعة قبل أن يقع صاحبها في المحظور، فاستشارة الطبيب في الوقت المناسب تنقذ المصاب من خطر الموت أو من مضاعفات قد تلازمه مدى الحياة. يعاني كثيرون من آلام حادة في الصدر، ويعتقد معظمهم أنها قد تكون مؤشراً لأزمة في القلب، لكن من المهم أن نعرف أن القلب قد يكون مصدراً لتلك الآلام وقد لا يكون له علاقة على الإطلاق. على كل حال من الضروري معرفة أصل تلك الآلام وفصلها لاعتبارات ثلاثة، أولها الحصول على الإسعاف المناسب في حال وجود نوبة قلبية. والثاني تلقي العلاج المناسب. أما الاعتبار الثالث فهو قطع حاجز الخوف والاطمئنان على صحة القلب.
2- آلام البطن الحادة، إن البطن يحتوي على أعضاء كثيرة، وكل واحد منها قد يكون مصدراً لهذه الآلام التي قد تكون موضعية أو منتشرة.
وتعتبر الالتهابات من أهم مسببات الآلام البطنية الحادة، وقد تؤدي هذه الالتهابات إلى عواقب وخيمة في حال إهمالها، من هنا ضرورة استشارة الطبيب بشأنها.
وفي شكل عام يمكن القول إن تهيج غشاء البريتوان ( الذي يلف أحشاء البطن) التالي لالتهابه هو سبب الألم في البطن. وليس سهلاً على الطبيب أو الجراح معرفة سبب آلام البطن الحادة، والمهم في الأمر إزالة السبب الذي يهدد حياة المريض ونقله إلى اقرب مستشفى وإجراء جراحة عاجلة له إذا اقتضى الأمر. وقد يترافق التهاب غشاء البريتوان مع عوارض الصدمة فيتدهور الضغط، ويتسارع النبض، وإذا كان الالتهاب مصحوباً بالنزف فإن عوارض الصدمة تصبح أكثر حدة.
وتتجه الأنظار في آلام البطن الحادة أولاً صوب التهاب الزائدة الدودية، والألم في هذا المرض يتخذ منحى شائعاً، إذ يبدأ في المنطقة المحيطة بالسرة لينتقل بعد ساعات إلى الزاويتين العلوية والسفلية اليمنى من البطن. ويتأثر ألم الزائدة ببضعة عوامل إذ يزيد بالمشي والسعال وبالضغط على مكان الزائدة، ويخف في حال اضطجاع المريض مع ضم الركبتين إلى بطنه. وقد يترافق ألم الزائدة مع عوارض أخرى متنوعة مثل الغثيان، والتقيؤ، وفقدان الشهية، والإسهال أو الإمساك، وعدم القدرة على التخلص من غازات البطن. والخطر الأكبر في التهاب الزائدة هو أنفجارها والتبعات التي تنتج منه من خروج الميكروبات والمواد القيحية إلى داخل الأحشاء الأمر الذي يسبب التهاب البريتوان، وهو حالة إسعافية تتطلب تدخلاً سريعاً لاحتواء الموقف من دون خسائر أو بأقل ما يمكن منها. ومن الضروري معرفة أن انفجار الزائدة قد يكون لغماً خفياً، إذ يخف الألم ويشعر المريض بالتحسن، لكن الواقع هو غير ذلك، لأن تسرب المفرزات القيحية إلى داخل البطن يسبب تعقيدات بالغة الخطورة.
ويجب الشك في التهاب البانكرياس الحاد في حال حدوث زوبعة من الآلام البطنية المباغتة في أعلى البطن غير المبررة مع أو من دون الغثيان والتقيؤ. وفي الحالة العادية تحدث نوبة الألم بعد 12 إلى 24 ساعة من تناول وجبة عارمة أو شرب الكحوليات. إن التهاب البانكرياس حال طارئة تنتج من تآكل أنسجة الغدة من قبل أنزيماتها، لذا يجب التدخل الجراحي العاجل، قبل أن ينتهي الالتهاب بمضاعفات ممكنة من أهمها الفشل الكلوي أو الفشل التنفسي.
وإذا حصل الألم الحاد في الجزء العلوي الأيمن من البطن على إثر تناول وجبة دسمة أو المقالي واستمر لساعات وترافق مع حرارة فيجب التفكير بالتهاب المرارة الحاد الذي يستدعي تدخلاً جراحياً بعد أيام من حدوثه من أجل بتر المرارة.
ولا يجب نسيان انثقاب القرحة المعدية، الذي يعطي آلاماً حادة شديدة في أعلى البطن، إضافة إلى ارتفاع الحرارة والإعياء الشديد، وهي حالة إسعافية تتطلب تدخلاً جراحياً طارئاً من أجل تطهير الثقب ورتقه.
3- آلام الظهر الحادة، وهي تشبه الأوجاع الناتجة من حمل الأثقال، ويمكن لهذه الآلام أن تكون مؤشراً إلى وجود أم الدم البطنية، وتتميز هذه الآلام في العادة بأنها لا تركن بالمسكنات، ولا تهدأ بعد الراحة. يمكن لأم الدم أن تحصل في أي قسم من الشريان الأبهر الممتد على طول البطن. وتشاهد أم الدم البطنية أكثر بخمس مرات عند الذكور مقارنة بالجنس اللطيف.
وأم الدم البطنية تكون لا عرضية، وهي تكتشف بالصدفة أثناء إجراء فحوص روتينية، أو بعد حدوث المضاعفات، كالتمزق والجلطة والانسداد، عندها يعاني الشخص من آلام عنيفة لا تطاق في الظهر. إن نسبة الوفيات عالية جداً في حال تمزق أم الدم، وكثيرون يقضون حتى قبل أن يدخلوا عتبة المستشفى.
وبعد تشخيص وجود أم الدم، يناقش الطبيب ومريضه الأسلوب العلاجي المناسب الذي يعطي أفضل النتائج للمصاب.
4- الصداع الشديد في الرأس. إن الصداع الحاد الذي يأتي على حين غرة من دون مبرر يفسر وجوده يجب أن يدفع إلى الشك في أن أمراً خطيراً قد يكون وراءه، مثل النزف الدماغي، والتهابات الأوعية الدموية، والتهاب السحايا، وأورام الدماغ. من هنا على كل شخص يعاني من صداع صاعق أن يتوجه فوراً إلى أقرب مستشفى للعلاج وتفادي الوقوع في مطب اختلاطات لا لزوم لها. أيضاً يجب الاستشارة على الفور في حال الشكوى من الصداع المزمن الذي تتغير أوصافه، أو الصداع المصحوب بعوارض معينة مثل الحمى، وتشوش الرؤية، وخلل في الوظائف العقلية، والتأتأة في الحديث، والصعوبة في المضغ، والتنميل، والضعف في الأطراف.
5- آلام حادة في بطة الساق. إذا شعرت بآلام مفاجئة في بطة الساق وكانت الأخيرة متورمة مع وجود ليونة في الجلد وملمس ساخن فيه، فليس مستبعداً أن تكون مصاباً بجلطة دموية في الساق. إذا دهمك شعور عارم بالرغبة في حك الجلد أو تدليكه فعليك أن تعزف عن ذلك لأن هذا قد يساعد على تحرير الجلطة من مكانها لتسافر عبر الأوردة إلى الرئتين فتسبب في حدوث مرض خطير للغاية هو الجلطة الرئوية التي يمكن أن تكون قاتلة. إن خير ما يمكن فعله هو مراجعة الطبيب، والتأكد من التشخيص بأجراء الفحص بالأمواج فوق الصوتية أو إجراء التصوير المقطعي، وبالتالي اتخاذ الخطوات العلاجية المناسبة.
6- آلام حادة في الخاصرة، ومن أهم أسبابها وجود حصيات في الحالب في طريقها للنزول من الكلية إلى الحالب ومن ثم إلى المثانة، وهذه الآلام قد تكون في الجانب الأيسر أو الأيمن وهي نادراً ما تحصل في الجانبين معاً، وتترافق عادة الآلام الحادة في الخاصرة الناتجة من الحصيات مع حرقة في البول. ويتم تدبير حصيات المسالك البولية التي تسبب آلاماً مستمرة بإدخال المريض إلى المستشفى وإعطائه المسكنات والمحاليل عن طريق الوريد، وبعد التأكد من تشخيص الحصيات يجري استئصالها بالمنظار أو اللجوء إلى عملية التفتيت بالأمواج الصادمة.
7- التواء الخصية. عندما تلتوي الخصية على الحبل المنوي ينقطع الإمداد الدموي عن الخصية فيتسبب بآلام عنيفة قد تترافق مع الغثيان والتقيؤ مع حدوث تورم في الخصية. ويحدث الالتواء في أي عمر ولكنه أكثر شيوعاً في الفئة العمرية من 10 إلى 20 سنة. وإذا لم يعالج الالتواء في الساعات الأولى من حدوثه فإنه يمكن أن يطيح الخصية. وكلما تلقى المريض العلاج باكراً ما أمكن كانت النتائج مرضية أكثر والشفاء افضل.
حقائق وأرقام
> صحيح أن الألم حس مزعج، لكنه نافع للشخص لأنه بمثابة جرس إنذار يحذره من أن هناك شيئاً ما ليس على ما يرام وبالتالي يجب عليه أن يبحث عن سببه قبل أن تحدث الأضرار وتكثر المضاعفات التي هو في غنى عنها.
> هناك نوعان من الألم: ألم حاد وألم مزمن. والألم الحاد هو الذي يكون عمره أقل من 7 أيام. أما الألم المزمن فهو الذي يدوم أكثر من 3 أشهر.
> تفيد الإحصاءات العالمية بأن 15 إلى 20 في المئة من الناس يعانون من الألم الحاد، وأن 25 إلى 30 في المئة يشكون من الألم المزمن، وأن ما يقارب النصف من هؤلاء يسبب لهم الألم عجزاً.
> يقسم الألم وفق شدته إلى: ألم خفيف إلى متوسط الشدة. وألم متوسط إلى شديد. وألم شديد إلى شديد جداً.
> وفقاً لتصنيف منظمة الصحة العالمية فإن علاج الألم يتم وفق درجته وفقاً لما يأتي:
- الألم الخفيف، يعطى الباراسيتامول، أو الأسبرين، أو مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية.
- الألم المتوسط الشدة، يعطى الباراسيتامول مع الكودائين أو الكافيئين.
- الألم الشديد، يعطى المورفين أو مشتقاته، إضافة الى ما سبق ذكره اعلاه من العقاقير.
> إن الألم يسبب تكاليف باهظة نظراً الى المصاريف الكثيرة المتعلقة بالاستقصاءات والاستشفاء والعلاج، فضلاً عن تكاليف التغيب عن العمل.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد