موسم عودة «الجهاديّين» من سوريا إلى عين الحلوة
في الأسابيع الأولى من شهر أيار الماضي، غادر قادة إسلاميون جهاديون مخيم عين الحلوة متجهين صوب سوريا. يومها اخترق «المجاهدون» حواجز الجيش اللبناني بـ«قدرة قادر» توقاً إلى الالتحاق بركب «الجهاد في سوريا». ومنذ ذلك الحين، شحّت المعلومات الواردة عنهم. اقتصرت على اتصالات معدودة أجراها هؤلاء بزوجاتهم وبأفرادٍ من عائلاتهم لطمأنتهم عن أحوالهم. آنذاك، ولدى انتشار الخبر، طالت لائحة أسماء المهاجرين لتُضمّن أسماء أشخاصٍ تبيّن أنهم لم يتركوا المخيم أساساً. وكان الشيخ توفيق طه المعروف بـ«أبو محمد» والشيخ ماجد الماجد الملقّب بـ«أبو عبدالله الجزراوي» اللذان اتّضح أنهما لا يزالان معاً في المخيم أبرز هؤلاء، فضلاً عن وجود «جهادي خليجي» ثالث معهما، علماً بأن الماجد (سعودي الجنسية) كان قد بويع أخيراً أميراً لـ«كتائب عبد الله عزام» في بلاد الشام. كذلك رُصِدَت عودة آخرين، أبرزهم كان هيثم الشعبي الذي شوهد بعد أكثر من أسبوع يتنقّل في أرجاء المخيم، حيث تبيّن أنه واحد من العائدين من هجرة أرض الجهاد، وصولاً إلى عودة كل من محمد الدوخي الملقب بـ«خردق»، ومحمد العارفي وزياد أبو النعاج وأسامة الشهابي قبل أيام.
وفي هذا السياق، يتناقل قاطنون في المخيم الفلسطيني رواية خروج ثلاثة من القادة الإسلاميين الأصوليين. يتداولون أن إحدى المجموعات المهاجرة كانت تضم ثلاثة أشخاص هم: هيثم الشعبي وأسامة الشهابي ومحمد العارفي. هذه المجموعة الثلاثية التي تولى سائق عمومي نقلها إلى الشمال، أمّرت عليها الشهابي. وتُفيد الرواية، التي يجري تداولها نقلاً عن لسان الشعبي، بأنه لدى وصولهم إلى بيروت فوجئوا بحاجزٍ للجيش اللبناني. حينها صرخ الشعبي متوجّهاً بالقول للشهابي: «خلّينا نرجع يا شيخ»، فما كان من الأخير إلّا أن انفجر ضاحكاً. يقول إنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من أن يُعتقلوا. إثر ذلك، استدار السائق فجأةً ليُغيّر اتجاه سيره ليطول المسير، قبل أن ينتهي بهم المطاف في إحدى بلدات الشمال تمهيداً لتهريبهم إلى سوريا. يُنقل أنهم تعرّضوا لإطلاق نار قبل وصولهم إلى سوريا، فيذكر الشعبي أنهم ركضوا مسافة طويلة للنجاة بحياتهم. ويروي أن أولاداً في سن المراهقة تولّوا نقلهم على متن دراجات نارية من وادي خالد إلى الداخل السوري.
ولادة فكرة «الهجرة الجهادية نحو سوريا» من مخيم عين الحلوة، كانت على يد رجلٍ يدعى «أبو علي السوري». وأبو علي هذا من إدلب، قدِم إلى مخيم عين الحلوة في عام 2007 بعد صراعٍ قديم مع النظام السوري. يُعرف أيضاً باسم «أبو عائشة». وبحسب المعلومات المتداولة في المخيم، وفي بعض الأوساط الأمنية، كان أول شخص خرج من عين الحلوة ليُمهّد الطريق للباقين قبل الالتحاق به، علماً بأنه كان مقرّباً جداً من أسامة الشهابي. وهو يعتقد باستحالة نجاح أي مشروع إسلامي في لبنان، وكان منخرطاً في مشروع الإمارة الإسلامية في سوريا الذي كان يقوده أبو مصعب الزرقاوي قبل القضاء على ذلك المشروع منذ 7 سنوات. كان «أبو علي» مقرّباً من حسن نبعة المعروف بـ«مؤيّد»، الذي تولى إمارة «القاعدة» في بلاد الشام، قبل أن يوقفه فرع المعلومات التابع للمديرية العامة لقوى الامن الداخلي في الأيام الأولى من عام 2006.
خلال فترة وجوده في المخيم، كان يقول إن أرضية مشروع الدولة الإسلامية لا تزال ضعيفة، علماً بأن عائلته كانت موجودة تحت الإقامة الجبرية في سوريا.
الانعطافة كانت مع بدء الأحداث في بلاده. إذ بنتيجة اتصالاته وعلاقاته، قرر العودة إلى إدلب باعتبار أن هناك قاعدة قوية للجهاديين. فكان خروجه قبل نحو تسعة أشهر. وهكذا، اتُّفق على أن يلتحق به القادة الباقون في وقت لاحق. وأثناء وجوده في عين الحلوة، كان على تواصل مع مجموعات جهادية عديدة، علماً بأنه كان ناشطاً على المواقع الجهادية. وبعد أشهرٍ قليلة، جاءت إشارة اللحاق به، علماً بأنه كان يُفترض بهم الرحيل قبل ذلك الوقت بكثير. وعلمت «الأخبار» أن وجهتهم كانت إدلب، إلا أن المعلومات المتوافرة رجّحت أنهم استطاعوا الخروج من بلدة القصير السورية، لكنهم مكثوا إما في ريف دمشق أو ريف حمص. وهناك معلومات ترددت عن إصابة محمد العارفي، فيما نُقل أن الاستقبال الذي حظي بها أسامة الشهابي في سوريا كان يفوق الوصف.
قبل يومين، عاد أسامة الشهابي مجدداً إلى منزله الصغير في مخيم عين الحلوة. استُقبل ورفاقه استقبال الأبطال. أُطلق الرصاص ابتهاجاً بالعائدين، حتى إن أحدهم لم يتمالك نفسه، فرمى قذائف إنيرغا فرحاً. لا يُشبه «الشيخ أسامة» غيره من «الجهاديين». يختلف عن الصورة النمطية المخيفة بشخصية محببة يُبرزها وجهه الدائم الابتسام. ينجح الرجل سريعاً في كسر الحواجز بينه وبين من يلتقيهم. يستقبل قاصديه في منزله من دون تردد. لا يعتمد إجراءات أمنية معقّدة، رغم أنه تعرّض لمحاولة اغتيال في منزله، علماً بأنه عفا حينها عن الرجل الذي حاول قتله. قليل الكلام، وإذا تحدّث يجادل بمنطق. واسع الاطلاع، يتحدث بثقة. لا يتردد في إعلان ارتباطه بـ«مشروع الجهاد العالمي» الذي يتبنّاه تنظيم «القاعدة». لا بل يُعرب عن «شوق متجذر في أعماقي للجهاد». يرفض تكفير الآخرين كيفما اتّفق ومن دون مبرر، ورغم ذلك، يُعد الشهابي في عرف الأجهزة الامنية خطراً، إلا أن خطورته تكمن في جاذبية يستخدمها لاستقطاب جيل جديد من الجهاديين.
تجدر الإشارة إلى تردد معلومات تُفيد بأن محمد الدوسري المعروف بـ«أبو طلحة الكويتي»، الذي فرّ من سجن رومية المركزي العام الماضي، قُتل على الحدود اللبنانية السورية أثناء محاولته العبور، علماً بأن المواقع الجهادية لم تنعَه بعد. وتُشير المعلومات إلى أن قياديَّين جهاديين آخرين كانا برفقة أبو طلحة، قتلا في كمين نصبه لهم الجيش السوري.
رضوان مرتضى
المصدر: الأخبار
التعليقات
الخائن
إضافة تعليق جديد