جيلٌ جديد يكتشف السلفية في لبنان: حالة دينية أم قوة سياسية وعسكرية؟
تيارات أصولية، سلفية، جهادية... مصطلحات كثيرة لم يجد الشباب اللبناني نفسه مضطراً للتعمق فيها أو فهمها ما لم تدفعه لذلك حشريته السياسية أو الدينية. لكن الأحداث المتلاحقة منذ فترة، وآخرها اشتباكات مدينة طرابلس الشمالية بالإضافة إلى مجريات محيط عربي بدأت تصل فيه أحزاب دينية إلى السلطة، أيقظت الكثير من الأسئلة لتصل إلى شباب كانوا حددوا أفكارهم بالمناطق التي يسكنونها، من دون أن يتساءلوا عما يحدث في مدن أخرى غير بعيدة كثيراً منهم.
خلال فترة قصيرة جداً، أصبحت الحركة السلفية محور الأحاديث الشبابية في الجامعات والمقاهي في لبنان كما على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن مفهومها غير واضح بالنسبة إلى كثيرين منهم، ما دفعهم إلى الاستيضاح عبر كل الوسائل المتاحة: هل هذه الحركة هي حقاً مدرسة علمية دينية تدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة ومنهج السلف؟ أم أنها تنظيم ينطلق من معتقدات دينية لكنه ذو أهداف سياسية تدفعه أيضاً إلى حمل السلاح؟ وما سهل الأمر على هؤلاء، وجعله أصعب وأسوأ بالنسبة إلى الباحثين ودارسي الظاهرة، إنه بات للحركة السلفية صفحاتها الخاصة على «فايسبوك» مثل صفحة «شباب الدعوة السلفية في لبنان». وبالتالي فإن الحركة لم يعد من الممكن حصرها في مكان وزمان معينين، إنما باتت تُثبت نفسها على أنها جزء من نسيج المجتمع اللبناني وهي أيضاً تحاول اجتذاب فئة الشباب نحوها.
وأكثر من تستفزه المشاهد الأخيرة التي شهدتها مدينة طرابلس لجهة حضور وجوه سلفية باعتبارها ممثلة لشريحة واسعة من المواطنين في المناطق الشمالية للبنان، هم الشباب الذين نظموا تظاهرات ضد النظام الطائفي وحاولوا إحياءها باستمرار لكي يغذوا حلم «الدولة المدنية». ويعبر عدد من هؤلاء عن القلق البالغ الذي يساورهم من ارتفاع وتيرة الخطاب الطائفي على حساب قيم الديموقراطية والمواطنة بغض النظر عن الطائفة. وتوضح الشابة لارا فيصل، التي تؤيد علمانية الدولة، أن «القلق ليس من العمائم البيضاء واللحى الطليقة، إنما من الكلام الذي يتم الترويج له حول الإسلاميين من الطائفة السنية القادمين ليوازنوا القوة الشيعية في لبنان المتمثلة بحزب الله». وتضيف أن مثل هذا الخطاب «لا يمكن أن يؤدي إلى تحسين الدولة وتطوير مؤسساتها، إنما بالعكس تماماً تكون النتيجة اتجاه المواطنين أكثر فأكثر إلى التعلق بالمنظمات والحركات والتيارات السياسية، بما يعنيه ذلك من خروج عن مسار الانتماء إلى الدولة».
وترتفع حدة المخاوف من صلات محتملة تربط سلفيي لبنان بتنظيمات جهادية أوسع، ومنها «القاعدة» مثلاً. ويقول الناشط المدني إيلي عيسى: «من حق كل إنسان أن يعتقد ما يشاء وأن يعيش كما يريد، لكنه لا يمكن أن يفرض ذلك على الآخرين وأن يدعوهم إلى الطاعة، خصوصاً إذا كانت مثل هذه الحركات تنمو في مجتمع منفتح عبر التاريخ». ويرى عيسى إن «التطرف سمة الحركة السلفية في لبنان، لأن من الصعب عليها التأقلم والتعايش مع التطورات التي يطالب بها الكثير من الشباب اللبنانيين على صعيد تحديث الدولة».
القلق من زيادة قوة الحركة السلفية في لبنان لا يبقى هو نفسه عند عبور حدود منطقة طرابلس والمناطق الشمالية الأخرى، فهناك تسيطر أجواء أخرى بين الشباب الذين يجد العديد منهم في هذه الحركة إنقاذاً لهم بعدما تجاوزت الحكومات المتتالية همومهم، فتركوا للفقر والمعاناة اليومية. وكلمة «سلفية» لا تثير في هذه المنطقة ردة الفعل السلبية نفسها كما في مناطق أخرى، لا بل أن الدعم واضح لحركة ترفع أهالي الشمال من نكسة «الإحباط السني»، وفق قول الأهالي.
الطالب الجامعي أحمد الأيوبي يدافع بكل حماسة عن الأفكار التي تدعو إليها السلفية، فهو لا يجد فيها أي تطرف إنما العكس تماماً، فهذه الحركة برأيه تُعبر عن «منهج إسلامي متكامل أصله السير على منهج السلف الصالح، وهي حال دينية لا بد من التعمق بها لفهمها».
وحين يُسأل الأيوبي عن علاقة السلفية بالمجموعات الإسلامية الجهادية، يؤكد أن من الصحيح أن «بعض الجهاديين هم سلفيون، ولكن هذا لا يعني أن كل سلفي هو جهادي ويجد أسلوب القاعدة صحيحاً». ويتشارك الأيوبي الرأي مع الشاب محمد الميس الذي يضيف أن «هناك صوراً مختلقة في الإعلام اللبناني حول السلفية، في حين أنها تمثل حركة تدعو إلى التمسك بأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة ورفض المدخلات الغربية التي تكون بعيدة عن روح الإسلام». وفي السياق نفسه، يشدد الميس على أن هناك «بعض التنظيمات المسلحة في لبنان وخارجه التي تعتمد على الأفكار السلفية، ولكن هذا لا يجزم أبداً بكون الحركة السلفية هي قوة مسلحة تهدف إلى إحداث فتنة».
إضافة تعليق جديد