انتخابات تونس غداً:اختبار للقوى السياسية
اختتمت مساء أمس الحملة الانتخابية لاقتراع تاريخي نتائجه غير معروفة سلفا للمرة الأولى، سيختار فيه الناخبون، غداً، مجلساً تأسيسياً مهمته الأساسية وضع دستور جديد «للجمهورية الثانية» في تاريخ تونس المستقلة، وسط توقعات بأن يحقق حزب النهضة الإسلامي أفضل نتيجة فيه.
واستغلت مختلف القوائم الحزبية والمستقلة اليوم الأخير من الحملة الانتخابية لعقد آخر اجتماعاتها الجماهيرية وعملياتها الدعائية، تمهيدا ليوم الانتخابات الذي سيشكل فرزا تاريخيا للقوى السياسية في تونس ووزنها الحقيقي.
وفي بلد اعتاد منذ استقلاله في 1956 انتخابات معروفة النتائج سلفاً، يرى بعض المراقبين في انتخابات المجلس التأسيسي «قفزة في المجهول»، في حين يعتبرها آخرون «فصلا بين عهدي» الاستبداد والديموقراطية.
ويصعب تقدير نسبة المشاركة في الانتخابات، ومن سيختاره التونسيون من بين أكثر من 11 ألف مرشّح، في أكثر من 1500 قائمة انتخابية.
وحث رئيس الوزراء التونسي الباجي قائد السبسي، مساء أول من أمس، في كلمة عبر التلفزيون، مواطنيه على الإقبال على التصويت «بلا خوف»، مؤكداً أن كل الاحتياطات اتخذت من اجل أن يجري الاقتراع في أفضل الظروف.
ولئن كان الاقتراع مهماً بالدرجة الأولى للتونسيين الذين لم يعرفوا منذ 55 عاما سوى رئيسين، فإن أهميته ليست خافية أيضا بالنسبة لما أصبح يعرف بـ«الربيع العربي». فنجاح الانتخابات في تونس، مهد الربيع العربي، أو فشلها، سيشكل إشارة حاسمة لباقي الشعوب العربية التي ثارت على الاستبداد بعد نجاح الثورة التونسية.
وبعد تسعة أشهر من فرار زين العابدين بن علي ومرحلة انتقالية أولى تخللتها بعض الاضطرابات التي لم تمس استمرارية الدولة، دعي أكثر من سبعة ملايين ناخب تونسي لاختيار 217 عضوا في مجلس وطني تأسيسي. ويفترض أن يسمح انتخابهم بعودة الشرعية لمؤسسات الدولة. وتتمثل مهمة هؤلاء في وضع دستور جديد يحل محل دستور العام 1959، وتولي التشريع وتقرير السلطات التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية الثانية التي تلي الانتخابات، وإلى حين تنظيم انتخابات جديدة في ضوء الدستور الجديد.
وبدأت عملية التصويت أول من أمس للتونسيين المقيمين في الخارج، والذين سيمثلهم 18 عضوا في المجلس التأسيسي، على أن تنتهي اليوم.
وتجري الانتخابات بنظام اللوائح النسبية، وهو نظام اختير بهدف توفير فرص أفضل للتشكيلات السياسية الصغيرة ولقطع الطريق أمام هيمنة حزب واحد على البلاد مجددا.
وحزب النهضة الذي حصل على ترخيص العمل القانوني بعد الثورة، أعاد تنظيم صفوفه سريعاًً، معتمدا على إمكانيات مادية مهمة، يؤكد أنها تعود لكثرة أنصاره، وسط اتهامات من خصومه بتمويل خارجي خليجي أساسا. ويقدم حزب النهضة الغائب عن المشهد السياسي التونسي العلني منذ سنوات، نفسه خلال الانتخابات في صورة حزب «الأيادي النظيفة» و«الحامل لقيم وأخلاق» ما بعد عهد بن علي، الذي تميز بالفساد. وهو يعلن قربه من النموذج الإسلامي التركي. وقد سعى للطمأنة واعدا بالخصوص بعدم المس بقوانين المرأة الحداثية العريقة في تونس.
في المقابل بدا «الحداثيون» القلقون من المساس بالحريات، ومن سرقة نصر على الدكتاتورية بعد نضال استمر سنوات ضد بن علي، منقسمين. ولم ينجح الحزبان المتنافسان، «التكتل من اجل العمل والحريات» بزعامة مصطفى بن جعفر و«الحزب الديموقراطي التقدمي» بزعامة احمد نجيب الشابي، في الاتفاق على إقامة جبهة ضد الإسلاميين.
وفي حين يؤكد حزب الشابي خلال حملته انه مستعد للتحالف مع أي طرف «باستثناء النهضة» فإن حزب بن جعفر قال انه يفضل انتظار نتائج الانتخابات للتفاوض ويرفض الاستقطاب الثنائي في الساحة السياسية التونسية.
من جهته دعا «القطب الديموقراطي الحداثي»، وهو تحالف من خمسة تشكيلات حول حزب التجديد (الشيوعي سابقا)، إلى اليقظة في مواجهة الإسلاميين، وأيضا أنصار الحزب الحاكم سابقا، ورفض فكرة أي تحالف قبل الانتخابات.
ويراهن أنصار الحزب الحاكم سابقاً، الذي تم حله في آذار الماضي بقرار قضائي، على وجودهم لعقود بلا منازع في دواليب الدولة وشكلوا العديد من الأحزاب التي تناهز الأربعين من حوالى 120 حزبا سياسيا في تونس. ويزيد من تعقيد المشهد السياسي التونسي وجود مئات القوائم المستقلة.
وإذ يتوقع أن يحقق حزب النهضة أفضل نتيجة في الانتخابات، فإن النسبة التي سيحصل عليها ستكون حاسمة لجهة قدرته على الحصول على غالبية تتيح له حكم البلاد، والتفوق على تحالف محتمل بين «الحداثيين».
ومنحت آخر استطلاعات الرأي، في أيلول الماضي، حزب النهضة ما بين 20 و30 في المئة من الأصوات، غير أن الحزب قد يستفيد أيضا من تعزيزات محتملة من بعض القوائم المستقلة، وبعض الأحزاب الأخرى الحليفة المصممة على الدخول في حكومة «ائتلاف كبير» وعد بتشكيلها حزب راشد الغنوشي.
وستكون المفاجأة الكبرى حصول حزب النهضة على غالبية مطلقة، وهو سيناريو يعتبره المحللون ضعيفا، برغم تأكيدهم أن النهضة ستحصل على أفضل نتيجة، وستتقدم على باقي أحزاب وسط اليسار المعروفة («التكتل الديموقراطي من اجل العمل والحريات»، «الحزب الديموقراطي التقدمي»، و«القطب الديموقراطي الحداثي»).
وعلى مستوى طبيعة النظام السياسي تتميز النهضة عن غيرها بالدعوة إلى نظام برلماني، وهو ما رأى فيه احد المحللين الوسيلة الوحيدة التي تتيح للحزب رئاسة الجمهورية لاحقا «لأنه لا أمل لهم اليوم في الفوز به عبر الاقتراع المباشر».
أما الأحزاب الأخرى فتدعو إلى نظام شبه رئاسي مع برلمان قوي وتريد ضمانات دستورية بشأن المساواة في الحقوق وحرية التعبير التي كرستها الثورة.
المصدر: أ ف ب
إضافة تعليق جديد