تونس: اشتعال المواجهة بيـن الأحزاب الإسلامية
قبل أيام من موعد انتخابات المجلس التأسيسي التونسي الاحد المقبل، تصاعد الخلاف بين الحزب الإسلامي الأكبر في البلاد أي «النهضة» بقيادة راشد الغنوشي، وما يسمى بـ«اليسار الإسلامي» متمثلا بـ«الائتلاف الديموقراطي المستقل» الذي يقوده عبد الفتاح مورو الذي انشق عن «النهضة» بعدما شارك في تأسيسه قبل عقود.
وتزامن أمس مؤتمران صحافيان، واحد للغنوشي كان لافتاً فيه تلويحه بالنزول إلى الشارع في حال «زوّرت الانتخابات» وقوله إن أي هزيمة محتملة لحزبه في وجه «تحالف تشكيلات صغيرة» يعد «انقلاباً على الديموقراطية»، والآخر لمورو وحليفه صلاح الدين الجورشي، أعلن فيه الأول نيته تشكيل «قطب سياسي» جديد بعد الانتخابات ووجه انتقادات مبطنة لـ«النهضة»، فيما تدور تساؤلات حول إمكانية بقاء رئيس الوزراء الموقت الباجي قائد السبسي في منصبه أو توليه الرئاسة بعد الانتخابات في ظل تسريبات حول نيته الاستقالة ودعم أميركي واضح لتوجهاته.
وقال الغنوشي «هناك مخاطر من التلاعب بنتائج الانتخابات والمفاجآت ممكنة، لكن اذا حصل تلاعب فإننا سننضم الى قوى الثورة وحراسها الذين أطاحوا بـ(الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي وبالحكومتين الانتقاليتين، اننا مستعدون لإسقاط عشر حكومات اذا اقتضى الامر». وأضاف الغنوشي أن «كل الاستطلاعات حول نوايا الناخبين تفيد بتقدم حزبه»، قائلاً «حزبنا حاصل على غالبية الأصوات».
ورداً على سؤال حول احتمال تشكيل ائتلاف بين اليساريين والديموقراطيين والحداثيين للتصدي لـ«النهضة» في المجلس التأسيسي المقبل، انتقد الغنوشي ما وصفه بإرادة «تحطيم» حركته. وقال «اذا تحالفت تشكيلات صغيرة ضد النهضة في حال فوزها بالانتخابات فيمكنني القول حينها إنه انقلاب على الديموقراطية». وكرر «نحن جاهزون لترؤس حكومة وحدة وطنية اذا منحنا الشعب ثقته». وأضاف ان حركة النهضة تجري مشاورات لتكوين تحالفات مع احزاب عدة من دون أن يسمّيها.
من جهته، قال مورو إن تحالف القائمات المستقلة الذي شكله تحت شعار «طريق السلامة» هو «مبادرة مستقلة وسندافع عن استقلاليتها حتى آخر لحظة من العملية الانتخابية». وأضاف مورو أن تحالفه ينتهي بانتهاء الانتخابات وأنه على ضوء النتائج «سيدرك كل طرف حجمه والبعض يقول إنه كبير، ولكن سنرى ما يقرره الشعب وبعد ذلك ستكون لنا تحالفات، لكن خصوصا مع مستقلين». وتابع قائلاً «قد نشكل قطباً مؤهلاً ليكون مخاطبا لغيره مخاطبة الند لمثله»، معتبراً ان الجميع في تونس «يقفز في المجهول وينتظر قرار المواطن وهو غير معروف ونحن ننتظر».
وندد الائتلاف باستشراء ظاهرة المال السياسي وشراء الاصوات وقال مورو انهم بصدد اعداد ملف عن هذه التجاوزات لتقديمه الى القضاء، مشيرين الى خطر ان يرتبط اول استحقاق ديموقراطي في تاريخ تونس «في ذهن المواطن بتقديم المال وشراء الذمم». واكد مسؤولو الائتلاف ان «الوضع الامني في البلاد مطمئن» وقالوا ان المشكلة هي «كثرة القوائم واحتمالات الخطأ والخلط» لدى الناخب مقرين ايضاً بضعف امكانيات المستقلين.
ومن جهته قال صلاح الدين الجورشي الإعلامي والمناضل الحقوقي المحسوب على ما يعرف في تونس بـ«اليسار الاسلامي» والرمز الآخر البارز في هذا الائتلاف، انه داخل الائتلاف هناك من ينوي بعد الانتخابات تشكيل حزب او قطب سياسي وهناك من يروم الحفاظ على استقلاليته منوّهاً الى انه من هؤلاء الأخيرين.
وتحدّث الجورشي عن ثلاثة سيناريوهات ممكنة للمرحلة المقبلة: «اما استمرار الحكومة الحالية مع تفويض من المجلس التأسيسي، او تشكيل حكومة ائتلاف وطني بين القوى السياسية التي ستفرزها الانتخابات، او السيناريو الأخير الذي افضله وهو حكومة تكنوقراط تدير شؤون البلاد لإعطاء الفرصة لأعضاء المجلس التأسيسي لإعداد الدستور». واشار من جهة اخرى الى «خلط في الساحة السياسية التونسية لم تبذل الاحزاب السياسية جهداً كافياً لتلافيه وبعضها أسهم فيه، بين انتخابات مجلس تأسيسي غايتها وضع دستور يجب الاتفاق بين الفرقاء على مضامينه وانتخابات برلمانية تتبارى فيها البرامج السياسية والتنموية».
ويأتي إعلان مورو عن تمسكه بـ«القطع» مع شخصيات المرحلة الانتقالية وابرزها السبسي، بالتزامن مع تساؤلات كثيرة حول امكانية بقاء الأخير في السلطة. واعتبرت صحيفة «الشروق» الواسعة الانتشار في تونس، إن ما قاله السبسي لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن عن أنه يأمل في لعب دور سياسي في المرحلة المقبلة، «وما تم تسريبه» قبل يومين عن نيته تقديم استقالته «محاولة تكتيكية طبخت بحكمة لجسّ نبض الشارع السياسي».
واعتبرت «الشروق» أن «إشارات السفير الأميركي لدى تونس غوردون غراي في ندوته الصحافية الأخيرة تؤكد ان الولايات المتحدة لا تمانع في تجديد الثقة في هذا الرجل (السبسي)».
لكن الرجل الثاني في «النهضة» حمادي الجبالي أكد في تصريح لإحدى الإذاعات التونسية رفضه القاطع لمواصلة السبسي مهامه بعد انتخاب التأسيسي، وطالبه بالاستقالة مع حكومته غداة الانتخابات. كما رفض الأمين العام المساعد للحزب الديموقراطي التقدمي عصام الشابي تجديد الثقة في السبسي. وتتساءل «الشروق» حول جدية هذين الرفضين، وما إذا «كان مجرد رفض مشروط محمل برسائل تلزم الباجي نفسه بأن مسألة اختياره لقيادة الحكومة المقبلة يتوقف على موافقة هاتين الكتلتين» مهما كان دعم البيت الأبيض له قوياً.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد