تقارير أمنية في أدباء الامة الفرنسية
كان لا بد من شخص بفضول برونو فوليني، المسؤول عن منشورات الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، لينبش من أحد أقبية دائرة الشرطة الباريسية، ملفات بأسماء كبار رموز الأدب الفرنسي من أمثال فيكتور هوغو وارتور رامبو وبول فيرلين، خضعوا في حياتهم لمراقبة دقيقة من الشرطة مثلهم مثل المجرمين، وليستنتج كاتبو التقارير عنهم انهم بخلاء او منحرفون وعديمو الموهبة او انهم يتميزون بعبقرية.
وروى فوليني الذي أعد بفضل، هذه التقارير، كتاباً عنوانه «شرطة الأدباء» صدر أخيراً عن دار «اوري»، انه يتردد منذ عشر سنوات على أرشيف الشرطة في اطار ابحاث يعدها عن شخصيات تاريخية أو لصوص مشهورين، ليكتشف صدفة ان الشرطة الفرنسية في ظل الجمهورية الثالثة كانت تراقب الكتاب والأدباء نتيجة ريبتها حيالهم.
وحمل أول ملف عثر عليه فوليني اسم فيكتور هوغو، فطلب الاطلاع عليه، ليتبين له انه خلال الفترة الممتدة من 1870 الى 1940، كانت الشرطة تراقب ايضاً أدباء آخرين لم يشتهروا بعد، ومنهم رامبو وفيرلين وايضاً اندريه بروتون وكوليت، وتقوّم شخصياتهم وتصرفاتهم وايضاً مواهبهم.
وقال فوليني انه اذا كان هناك ما يبرر مراقبة شخص مثل هوغو، الذي كان يشغل منصب عضو في مجلس الشيوخ، فإن مراقبة رامبو وفيرلين وكوليت وزوجها هنري غوتييه فيلار مرده الى نمط حياتهم الذي كان يوصف بالصاخب واللااخلاقي.
ومن سخرية الأقدار انه خلال الفترة الممتدة من سنة 1879 حتى 1881، كانت هذه المراقبة تتم بإشراف قائد شرطة باريس لوي اندريو الذي يتباهى في مذكراته بأنه «أخيراً كل شخص في باريس بات لديه ملف».
ورغم ان اندريو هو الأب الطبيعي للشاعر الكبير لوي اراغون، فإنه لم يتوان عن تضمين ملف هوغو تقريراً يؤكد ان الأديب ارتبط بعلاقة مع فتاة تصغره سناً وأوهمته وهو في الـ77 من العمر بأنه والد طفلها مما أثار لديه شعوراً بالإطراء.
والمهم في تلك الفترة، كان تجميع ما أمكن من معلومات والإمعان في مراقبة كل صاحب اي اسم معروف، بواسطة مخبرين أو بواسطة الخدم أو المقربين من هذا الشخص أو ذاك، وصولاً الى حد التطفل على الحياة الشخصية لهؤلاء.
فبعض التقارير، على حد قول فوليني، يورد مثلاً أسماء الأطباق التي كانت على مائدة الأديب أو الكاتب وايضاً أسماء الأشخاص الذين شاركوه طعامه والأحاديث التي تم تناولها. وتراوح نوعية التقارير وصدقيتها وفقاً لشخصية المخبر الذي أعدها وثقافته. فيشير فوليني الى أن فيرلين مثلاً وصف بأنه شخص «عديم القيمة» وصاحب «مشاعر دنيئة». في المقابل، يوصف الكاتب جول فاليس، في أحد التقارير، بأنه صاحب موهبة أكيدة، لكنه «ثوري مسعور».
ويستأثر هوغو بالعدد الاكبر من الملفات التي تملأ ثلاثة صناديق وتتضمن عناصر مفصلة عن عشرته وأفكاره وشخصيته، مع التركيز على بخله. واستخدم بعض مضمون هذا الملف ضده عبر تسريبات إعلامية، اشارت في حينه، الى انه بخلاف ما يدعيه ليس صديق الشعب وانما بورجوازي جشع.
والهدف من هذه التسريبات كان المساس بهوغو والاساءة الى دوره السياسي. في حين ان تقارير اخرى كانت تستخدم لتفادي فضائح تطاول أشخاصاً مقربين من قائد الشرطة، على غرار ما حصل مع الكاتبة كوليت التي اخضعت لضغوط مكثفة وغير رسمية لمنعها من نشر رسائل تلقاها زوجها من عشيقته التي كانت سيدة معروفة في المجتمع.
وعما إذا كانت مثل هذه المراقبة، لا تزال قائمة وما إذا كان يشعر بها بصفته كاتباً، يجيب فوليني، ان اللافت في ما عثر عليه من ملفات هو حجمها وكمية التقارير التي تضمنتها، علماً أن إعدادها كان يتطلب الكثير من الوقت في تلك الفترة، وان التكنولوجيا الحديثة، في المجتمع الحالي، تجعل مثل هذه المراقبة أمراً أكثر سهولة وبساطة.
أرليت خوري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد