هفوات وتناقضات قانون الصرافة وتقلبات أسعار الصرف خلال الأحداث الماضية
منذ فترة قريبة قام مصرف سورية المركزي بإغلاق 27 صرافاً غير مرخص ووجه تنبيهاً حاداً لكل من يتلاعب بقيمة الليرة السورية بعد أن ارتفع سعر الدولار في السوق السوداء من 46 ليرة إلى حدود 54 ليرة خلال أيام نتيجة ارتفاع الطلب على الدولار في سورية.
إن ارتفاع سعر العملات الأجنبية مقابل الليرة كان متوقعاً عند حدوث أي أزمة، لأنه من المعروف أنه عند حدوث أي أزمة سيرتفع الطلب على العملات الأجنبية وبالتالي ستنخفض قيمة الليرة السورية، وهنا يأتي دور السلطات النقدية للتدخل والمحافظة على استقرار سعر العملة، هذا التدخل يمكن أن يتم بوسائل متعددة من أهمها ضخ كميات كافية من القطع الأجنبي في الأسواق، وضبط أسواق الصرف من خلال الأنظمة والقوانين، وهنا لب المشكلة.
فالمصرف المركزي بالتعاون مع بعض رجال الأعمال تدخل لضخ كميات إضافية من القطع الأجنبي الأمر الذي ساعد على استقرار سعر الليرة نسبياً لكن المشكلة كانت في قانون تنظيم الصرافة رقم 24 لعام 2006 والذي ينظم مهنة الصرافة في سورية حيث تم السماح بتأسيس مؤسسات الصرافة وشركة الصرافة أو مكتب الصرافة، حيث تستطيع هذه المؤسسات شراء أوراق النقد الأجنبي (البنكنوت) و بيع أوراق النقد الأجنبي (البنكنوت) والشيكات وذلك وفقا لأنظمة القطع، إضافة إلى تلقي وتنفيذ حوالات واردة من الخارج سواء بالعملات الأجنبية أو بالليرات السورية.
لكن من خلال العودة للقانون السابق وإلقاء نظرة تحليلية عليه ومقارنته بنفس قوانين عدد من الدول العربية نجد أن الكثير من مواد القانون منسوخة عن قانون تنظيم مهنة الصرافة في لبنان رقم 347 لعام 2001 (نفس رأس المال: 250 مليون ليرة سورية/لبنانية، ونفس العبارات المتعلقة بتعديله «في أي وقت مع مهلة سنة»، تطابق حرفي فيما يتعلق بتسديد رأس المال وحالة الخسائر، تطابق حرفي فيماv يتعلق بالتدابير التنظيمية العامة التي تتخذ ونفس الإجراءات المفروضة لحماية الزبائن، تطابق حرفي فيما يتعلق بالمخالفات وحتى بنفس رقم المادة، تطابق حرفي فيما يتعلق بتعليق عمل مؤسسات الصرافة).
إضافة إلى النقطة السابقة يعاني القانون السابق من النقاط التالية:
• بالنسبة للمضاربة بالعملات: من المعروف أن مخاطر المضاربة بالعملات من أكثر أنواع المخاطر على الاقتصاد الوطني، ومع ذلك فإن القانون السابق تطرق بشكل عابر لهذا الموضوع وليس بشكل مباشر حيث نصت المادة 12 البند 8 على منع شركات ومكاتب الصرافة أن تحصل على قروض مصرفية من المصارف السورية أو من الخارج لغايات عملها أو للقيام بعمليات المضاربة، أيضاً نصت المادة 21 إلى أنه على مؤسسات الصرافة تجنب القيام بعمليات أو أعمال تهدف أو تؤدي إلى تضليل المتعاملين في السوق بقصد التأثير في أسعار الصرف وعليها أن تتجنب إساءة استخدام المعلومات التي تطلع عليها بحكم عملها.
يضاف إلى ذلك أن المادة 18 بينت أنه إذا خالفت إحدى مؤسسات الصرافة أحكام نظامها الأساسي أو عقد تأسيسها أو أحكام قانون التجارة أو أحكام هذا القانون أو التوصيات أو التدابير المفروضة من قبل مصرف سورية المركزي أو إذا أقدمت على عمل يضر بسمعة سورية المالية أو السياحية أو أي أعمال أخرى يحددها مجلس النقد والتسليف يمكن للمجلس إنزال مجموعة من العقوبات الإدارية بحقها.
• بالنسبة لسعر الصرف: هناك تناقض بين المادتين 8 و11 فقد ذكرت المادة 8 التالي: تمارس مؤسسات الصرافة المرخص لها بمزاولة أعمال الصرافة في الجمهورية العربية السورية عمليات شراء وبيع أوراق النقد الأجنبي وفق أسعار الصرف الآنية وأنظمة القطع النافذة، أما المادة 11 فكانت: تجرى تعاملات مؤسسات الصرافة في جميع عمليات بيع وشراء وتبديل العملات الأجنبية بسعر صرف تحدده المؤسسة ضمن الحدود التي يضعها مجلس النقد والتسليف، وبالتالي كيف سيتم تحديد سعر الصرف: هل وفق أسعار الصرف الآنية أم السعر الذي تحدده مؤسسة الصرافة ضمن الحدود التي يضعها مجلس النقد والتسليف، وكيف ستتم الرقابة على أسعار الصرف الآنية؟
• بالنسبة لشطب مؤسسة الصرافة: لم يتطرق القانون بصورة مباشرة إلى حالات شطب المؤسسة حيث تم استعمال عبارات الفضفاضة يمكن تفسيرها على عدة أوجه مثل عمل يضر بسمعة سورية المالية أو السياحية، أحكام قانون التجارة... إلخ، حيث اكتفت المادة 18 بالتالي: إذا تبين لمصرف سورية المركزي أن إحدى مؤسسات الصرافة خالفت أحكام نظامها الأساسي أو عقد تأسيسها أو أحكام قانون التجارة أو أحكام هذا القانون أو التوصيات أو التدابير المفروضة من قبل مصرف سورية المركزي أو إذا أقدمت على عمل يضر بسمعة سورية المالية أو السياحية أو أي أعمال أخرى يحددها مجلس النقد والتسليف يمكن للمجلس إنزال العقوبات الإدارية التالية:
أ- التنبيه
ب- منعها من القيام ببعض العمليات أو فرض أي تحديد أو تقييد آخر في ممارسة المهنة.
ج- منع رئيس مجلس إدارة الشركة أو العضو المفوض أو أي من الشركاء من ممارسة المهنة نهائياً أو لوقت محدد.
د- شطبها من سجل مؤسسات الصرافة.
بالنسبة للبيانات الإحصائية: لا يوجد أي عقوبات محددة عند تقديم بيانات غير دقيقة أو مضللة للسلطات المعنية، كذلك تجاهل القانون السوري المواد المتعلقة بالغرامات المتعلقة بالتأخير بمهل تزويد المصرف المركزي بالبيانات المالية والإحصائية.
إن الثغرات التي عانى منها قانون تنظيم مهنة الصرافة كان لها أثر واضح في تقلبات سعر صرف الليرة السورية خلال الأحداث التي عانى منها القطر، حيث بدا أنه عند صياغة هذا القانون قد تم الاستفادة كثيراً من مواد قانون الصرافة اللبناني مع إسقاط الكثير من البنود التي يترتب عليها عقوبات وبما يضمن أقل قدر ممكن من المساءلة.
د. مظهر يوسف
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد