مقتل طفلة بيد عائلتها
لا يمكن اعتبار أي عمل يتضمن نوع من أنواع التعذيب بشراسة أو التنكيل المستمر أو الحرمان من الطعام أو الضرب على الرأس بآلة حادة كالمطرقة، أو الحرمان من العلاج، أو الربط، أو تكسير الأضلاع - خاصة إذا ما كنت هذه الأعمال موجهة ضد طفل وأفضت إلى وفاته- إلا نوعا من أنواع القتل العمد. وحتى لو تمكن القائمون على القانون من لي ذراعه وتطويعه فإن فعلهم هذا قد يكتسب الصفة القانونية ولكنه سيفقد من دون شك الصفة الإنسانية والأخلاقية ويزعزع الثقة المترنحة أصلاً في القضاء.
فقد أصدرت محكمة سورية حكمها على قتلة ابنتهم وهم عائلة اشتركوا من أجل قتل ابنتهم التي لم تبلغ الثالثة عشرة بعد بسبب محاولات الطفلة المتكررة على الهرب من أجل الالتحاق بوالدتها المطلقة، إذ لم يتجاوز الحكم الأشد مدة الثلاث سنوات ونصف وهو حكم زوجة الأب على الرغم من وجود اعترافات واضحة ضدها تقدم بها أشقاء الطفلة الضحية أثبتت بلا شك إقدامها على ممارسة التعذيب والضرب الشديد على الطفلة نجاة ولفترة طويلة، كما اعترفوا بقيام زوجة الأب بضرب الطفلة " نجاة. م.ع " بشاكوش حديد أفقدها القدرة على النهوض في يوم وفاتها على وجه التحديد. كما تضمنت الاعترافات اشتراك الأب والأشقاء في عمليات التعذيب الممنهجة التي تضمنت الضرب والتعذيب بشراسة مع الحرمان من الطعام والحبس في غرفة ولمدة تمتد إلى عدة أشهر مع اعتراف واضح وصريح من الأب بأنه أمر بحبس ابنته وطلب إلى زوجته ضربها وحبسها.
- بالكاد وما إن قتلت الفتاة حتى سارعت العائلة لعقد مجلس عزاء لها والقيام بدفنها من أجل لفلفة الجريمة، لكن هذا لم يتم إذا أن الشرطة قامت بإخراج جثة الطفلة وحولتها إلى الطبابة الشرعية التي بدأت بإجراء تشريح وكشف و تصوير دقيق للجثة تبين معها مرور الفتاة بجولات من التعذيب والعنف يقطع الشك بوجود مداخلة جرمية عنيفة على الطفلة.
يقول التقرير الطبي
يقول التقرير الطبي أنه وبعد الكشف على جثة الطفلة " نجاة. م. ع" تبين وجود آثار التعذيب والضرب على كافة أنحاء جسمها وأن بعض الإصابات كانت لها رائحة نتنة و أن هناك أسباب متعددة للوفاة والسبب المباشر هو النزف داخل البطن وتكدم الرئة إضافة إلى الوذمة الدماغية الناجمة عن رضوض شديدة متعددة وان السبب غير المباشر للوفاة هو إضعاف المناعة والمقاومة المستمر منذ فترة بسبب نقص الأغذية وتقيح الجروح الواسعة لكدمات الرئة المتعددة المختلفة الأعمار.
وأنه لدى معاينة جثة الطفلة نجاة تبين أنها عانت من الحرمان من الطعام وان هناك جروح متقيحة لفروة الرأس والظهر وبالساق اليسرى تدل على عدم تقديم العلاج الطبي، كما أثبت تقرير الطبابة الشرعية أيضاً أن السحجات والكدمات الرضية هي بأعمار مختلفة مما يشير إلى أن الضحية تعرضت للعنف بشدة وبشكل مستمر ومنذ فترة طويلة، كما أن التصوير الشعاعي أثبت وجود كسور في الأضلاع منها ما هو قديم، كما أُثبت وجود كسور في الأضلاع منها ما هو قديم كما أظهر إيكو البطن نزيف دموي داخل البطن والحوض والظهر و أظهر التصوير الطبقي المحوري وجود وذمة دماغية وانزياح بالخط المتوسط للدماغ.
- جاء في اعترافات الشقيق الأكبر " أحمد .م.ع": انه لم يشاهد زوجة أبيه تقوم بضرب الطفلة نجاة، لكنه كانت نجاة تشكو من أن زوجة أبيها تضربها وفي إحدى المرات قالت لي نجاة بأن زوجة أبي ضربتها وعندما أمسكت بها كي تقف من على الأرض بدأت تصرخ من يدها وقد تكررت الشكوى من هذه المسألة.
جاء في اعترافات شقيقتها " سارة .م.ع": كانت أختي نجاة تحاول الهرب إلى والدتي، ولكن أشقائي ووالدي وزوجته كانوا يقومون بضربها بالعصي وبخرطوم بلاستيك ويركلونها بأرجلهم بشكل دائم وأن زوجة أبي تقوم بضربها بواسطة شاكوش حديد وان والدي وأشقائي بعد ضرب شقيقتي نجاة يقومون بحبسها في غرفة ويغلقون عليها الباب. وأضافت سارة: البارحة" "يوم وفاة نجاة" بعد أن ذهب والدي إلى الصلاة أقدمت زوجة أبي على ضرب شقيقتي نجاة بالشاكوش على كل جسمها.
جاء في اعترافات شقيقها " سراج. م.ع": بتاريخ البارحة بعد أن ذهب والدي إلى صلاة الجمعة أقدمت زوجة والدي على ضرب شقيقتي نجاة بالشاكوش الحديدي على رأسها من الأعلى والخلف وسقطت على الأرض ولم تتحرك بعدها وكان شقيقي ضياء أقدم على دفعها بيده قبل ذلك على الأرض.
سنة ونصف للأب وثلاثة سنوات ونصف فقط للزوجة!؟..
بعد كل ما تقدم وكل ما تحتويه هذه القضية من معطيات تشير صراحة إلى حجم العنف الذي تعرضت له الطفلة نجاة ومحاولات القتل المستمرة من قبل أفراد عائلتها فقد قررت المحكمة اعتبار فعل المتهمة الرئيسية زوجة الأب بأنه لا يؤلف جناية القتل العمد عن طريق الشراسة والتعذيب، ومحاسبتها عن جناية التسبب بالموت وبعد كل هذا منحها أسباب مخففة تقديرية!!. وتنزيل عقوبتها من جناية التسبب بموت لمدة سبع سنوات إلى ثلاثة سنوات ونصف فقط، وكذلك اعتبار ما أقدم عليه والدة الطفلة الضحية نجاة لا يؤلف جناية القتل العمد ومعاقبته عن جناية حرمان الحرية مع التعذيب الجسدي والمعنوي بالأشغال الشاقة لمدة ثلاثة سنوات وللأسباب المخففة التقديرية إنزالها إلى الأعمال الشاقة لمدة سنة ونصف.
- من المعيب أن تنحدر قوانينا إلى هذا المستوى حتى يصبح قتل طفل بريء مسألة لا يعاقب عليها القانون بأكثر من سنوات قليلة تحت حجة الأسباب المخففة التقديرية!؟. فأي أسباب تقديرية مخففة يمكن أن تقنعنا بعد كل هذا القهر والظلم الذي مورس على طفلة وحيدة وأودى بحياتها. فبالرغم من الصدمة العميقة التي تصيبنا من جراء هذه السلوكيات اللا إنسانية تصيبنا خيبات أمل من التساهل مع قتلة الأطفال ومنحهم أسبابا مخففة تقديرية، في وقت يجب ألا ينظر فيه بعين الرأفة لمن يلحق الأذى بالأطفال مهما كانت درجة قرابتهم أو علاقتهم بالطفل وتحت أي ذرائع أو تبريرات كاذبة كالتأديب أو التربية، بل على العكس أنه الوقت الذي يجب ان يشرع القضاء نفسه باتخاذ أشد العقوبات على مقترفي هذه الجرائم كونه يمثل ضمير المجتمع والرادع الأساسي للقتلة ومنزوعي الإنسانية.
إن المساس بحقوق الطفل وحقه في العيش الآمن والكريم هو أسوأ أنواع انتهاكات حقوق الإنسان، فالأطفال هم الفئة الأضعف في المجتمع والأكثر انتهاكاً، وإن تراخي القضاء في التعامل مع أي انتهاك يقع ضد الطفولة سيكون الحلقة الأكثر إيلاماً في مجتمع يغالب نفسه للخروج مما يعتريه من بؤس وضعف وانكفاء..
يحيى الأوس
المصدر: الثرى
التعليقات
أسباب مخففة ؟
عيب
إضافة تعليق جديد