( التوهم ) مريض يبحث عن مرض
يستنتج المريض أو المضطرب في سياق عملية تفسير ذاتي لعلامات أو إحساسات فيزيولوجية بسيطة قد تحدث معه إمكانية تعرضه لأمراض خطيرة فيبدي اهتماما مبالغا في صحته وتسيطر عليه مخاوف مرضية واعتقادات وهمية تدعم فكرة وجود المرض،
وتتمحور حول مظاهره وأعراضه المتخيلة ولا يدعم التشخيص الدقيق وتقييم حالة الشخص الجسمية والصحية اعتقادات المريض ولا يمكن عد الاعراض التي يشكو منها أعراضا لحالات القلق والغم وكذلك فإنها لا تنضوي تحت أعراض اضطرابات كالفصام أو الاكتئاب الوجداني ، ومع ذلك فإن المريض يستمر تحت تأثير هوس اقتناء الأدوية وزيارة العيادات الطبية لطلب المزيد من الاستشارات المتعلقة بمرضه والتي لا تخفف بالنتيجة من خوفه وتثابر الأعراض ويثابر هو على زيارة الأطباء والمختصين باستثناء المعالج النفسي .
وتستقر أعراض توهم المرض كمؤشر على الاضطراب إذا استمرت لفترة تتجاوز الستة أشهر على الأقل، كما يتميز مريض التوهم بأنه غير هذائي ولديه قابلية الاعتراف باحتمال لاعقلانية توهماته ولكنه يستمر مهموما حزينا ويعاني من قلة النوم والأرق بأشكاله مع احتمال ترافق ذلك بضعف الذاكرة .
ويكشف إصرار المريض على ادعاءات توهم المرض والانتقال من عيادة الى أخرى على الرغم من التقارير الطبية المتخصصة التي تؤكد سلامة البنية الجسدية عن وسائل لا شعورية نشطة تكمن مصلحتها في استخدام الجسد وأجزائه وسائل هروب من الفشل والإحباط وتحمل المسؤولية، فالفاشل يرفض في أي مواجهة لا شعوريا الإقرار بالهزيمة بشكل عقلاني منطقي ولذلك فإن عزو هذا الفشل الى علل في بنيته أسهل عليه وأهون من المواجهة .
ويلجا الإنسان الى التوهم في اغلب الأحيان عندما يصاب بالإحباط الى درجة كبيرة جدا وحين تسقط من بين يديه الحلول الواقعية كونه يخفف بصورة تخيلية من شدة آثار الإحباط ، كما ويلجأ بعض الأشخاص الذين يهربون من عبء المسؤولية الى تخيل السقم في صحتهم مبررا لعدم تكليفهم بأي مسؤولية ويكون بالوقت ذاته كافيا لاستدرار عطف الأهل والأصدقاء والزملاء في مواقع العمل .
ويكون سلوك التوهم مرشحا للتطور ليغدو أسلوبا يعتمده الفرد المعني في مواجهة هجمات القلق والمواقف المماثلة كما تلعب طبيعة الفرد الانفعالية بالتضافر مع عوامل اخرى دورا ملحوظا في حالات توهم المرض، وتبرز سمات كالانسحابية واللااجتماعية والانطوائية عوامل تقود الى انقطاع أصحابها عن التواصل مع الآخرين أو على الأقل عن النشاطات والاهتمامات المشتركة وبالتالي تؤدي لتدعيم التوجه نحو الذات وتحريضه أكثر لجعل جوانبها الجسدية والانفعالية والبنيوية مراكز لنشاطات وتخيلات وهمية .
إن الآباء الذين وقعوا ضحية توهم المرض سينقلون بشكل غير مباشر الى أبنائهم أنماط سلوك مزاجية تؤدي الى تبني الأبناء اتجاهات الوالدين كما تؤدي المبالغة والاهتمام الذي لا يبرره الواقع بحالة الابناء الصحية عند تعرض احدهم لوعكة صحية بسيطة والاهتمام المفرط بالتغذية الى انتقال هذه الاتجاهات الى الأطفال وتمهد السبيل لانتقالهم الى مرض التوهم . وهكذا فلكل من التعلم والمحاكاة وبخاصة مايرتبط بتحقيق حاجة أو وظيفة معينة دور هام في هذا الاضطراب.
ويعد تقبل الإيحاء احد ابرز مايميز متوهمي المرض من أعراض ويمكن عده في الوقت ذاته احد ابرز العوامل فيه، فالمعروف عن هؤلاء تأثرهم بما يقرؤون أو يسمعون أو يشاهدون ويكفي الحديث أمامهم عن تخيلات لمرض قديم أو جديد ليبدؤوا بالتفكير والانشغال ومن ثم البحث عن هذه الأعراض لديهم، ولمتغير العمر والتقدم بالسن دور في تدعيم الأفكار المرضية حيث يثير الضعف والترهل في اجزاء الجسم مشاعر الخوف والقلق الوجودي ويهيئ الى التطرف في مراقبة عمل أجهزة الجسم .
ونختم بالقول ان اقرب العوامل الى تقبل وفهم توهم المرض هي العوامل الانفعالية والحالة النفسية لشخصية المريض ، فقد تكون أعراض القلق الفيزيولوجية بداية للاهتمام الذي لا يلبث ان يبتعد عن المألوف ويمهد للمبالغة في تحليل وتفسير الإحساسات والعلامات الفيزيولوجية وكذلك فقد يساعد الاكتئاب بما يسوده من أفكار عدم الجدوى الذاتية والقيمة الشخصية على تعزيز انشغال المريض بحالته وتوهم المرض كما ان الشخصية القهرية المشغولة - هي الأخرى - بأفكار قد يتركز معظمها حول الخوف على وجود الذات بالمعنى الواسع تشكل احد العوامل في هذا الاضطراب .
فردوس دياب
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد