ابتداءً من العام القادم «لا شيكات لدعم المازوت»
علينا أن نقول وداعاً للطوابير التي وقفها الكثيرون للحصول إما على شيكات المازوت أو على القسائم. وهذا الوداع ليس لأننا وصلنا إلى آليةٍ أكثر حضارة لإعادة توزيع الدعم وإيصاله إلى مستحقيه، وليس لأنَّ الحكومة أعادت النظر في موضوع تحرير الأسعار، ولكن الأمر ببساطة هو رفع الدعم نهائياً، بعد محاولاتٍ لأن يكون هذا الرفع تدريجياً دون أن يشكل صدمةً للشرائح الأكثر فقراً في المجتمع.
وبحسب بعض الأوساط المطلعة، فإنَّ الدعم على المازوت غير مطروح على طاولة النقاش، ولن يكون هناك شيكات أو قسائم مازوت. وما دعم هذا الرأي هو تصريح نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري من حلب: «الحكومة لن تتكلف المزيد من الخسائر على دعم المحروقات، الذي كلف الخزينة 1350 ملياراً هذا العام». ويبدو أنَّ الحكومة تريد أن تنقل هذه الكتلة المالية لتدعم فيها قطاع التعليم، حيث يضيف الدردري: «سيكون من الأولى إنفاقها في المرحلة المقبلة على الاستثمار في قطاع التعليم، من حيث الجودة والبنية التحتية، حيث ستخصّص 95 مليار ليرة لإنهاء مشكلة الدوام الصيفي للمدارس. وهو ما يتطلَّب بناء 55 ألف شعبة صفية». ولن يعارض أحد دعم قطاع التعليم، ولكن ماذا عن شتاء الفقراء؟!.. وكيف سيمرّ هذا العام؟!..
معونة للفقراء
لا أعتقد أنَّ أحداً لم يدقّ ناقوس الخطر على الآليات التي اتبعت لتوزيع الدعم. ورغم الأصوات التي علت من قبة مجلس الشعب، والأصوات التي خرجت من الطوابير الواقفة بانتظار فرج الله والدعم المنتظر، إلا أنَّ القرار كان قد اتخذ باعتماد الشيكات في العام الماضي. وهو ما ضيع على الخزينة الكثير من الأموال، وجعل الدعم ينحرف عن مساره ليبتعد أكثر عن مستحقيه. ولكنَّ الأصوات هذا العام تبدو أكثر تشاؤماً، رغم أنَّ بعض المصادر أشارت إلى أنَّ الاعتماد هذا العام سيكون على المسوحات الاجتماعية التي أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من العام 2008 وحتى 2009 والتي تمَّت على ثلاث مراحل. وبالتالي لن يبقى أصحاب الدخل المحدود دون دعم. ولكن الأسلوب سيتغيَّر، ونتائج المسح الاجتماعي حسمت وعرفت الأسر الفقيرة ومن هو المحتاج. وبالتالي سيتمّ العمل بصندوق المعونة أو المسح الاجتماعي في العام 2011.
حماية اجتماعية
ورغم التفاؤل بالصندوق المذكور، إلا أنَّ غياب حزمة الإجراءات، التي تؤدي إلى إيصال الدعم إلى مستحقيه، سيفرغ الصندوق من محتواه؛ يقول الدكتور امطانيوس حبيب (وزير نفط سابق): «أنا مع إلغاء الدعم بشكلٍ كامل، ولكن ضمن حزمة من القرارات التي تُتخذ لحماية الفقراء وذوي الدخل المحدود. فهناك خريطة طريق يمكن اعتمادها في هذا المجال، من خلال إلغاء الدعم وجمع الأموال المحصلة من قبل الدولة في صندوق خاص لمساعدة الشريحة الأشد فقراً، ومساعدة المزارعين مثلاً، لا سيما بعد تضرر الزراعة بشكلٍ كبير من رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وتخصيص أموال الصندوق للاستثمارات الإنتاجية». ويرى حبيب أنَّ «الدعم عامل تشويهي لكل الاقتصادات. فنحن لا نستطيع مناقشة الحكومة في رأيها، ولكن إلغاء الدعم من دون وجود حزمة من الإجراءات التي تراعي الوضع الاقتصادي والاجتماعي للفقراء سيكون له تأثيرات سلبية. وإننا منذ البداية طلبنا توخي الحذر في الشيكات والقسائم لأنها آليات لا توصلنا إلى النتيجة المطلوبة».
النصف الممتلئ من الكأس
رفعُ الدعم مسألةٌ فتحت أبواب النقاش على مصراعيه، لاسيما تحت قبة مجلس الشعب، الذي كان له «صولات وجولات»؛ بهدف إعادة النظر في كل الإجراءات السابقة. ويبدو أنَّ الأبواب ستشرّع من جديد؛ يقول أنس الشامي (نائب في مجلس الشعب): «لن يكون هناك دعم العام المقبل. وهذا ما نبهنا إليه من العام الماضي. فالآلية المتبعة في توزيع الدعم كانت آلية خاطئة وضيعت على الخزينة الكثير من الأموال، ولم يصل الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين. والأمر فتح الأبواب على الكثير من المشاكل، التي نبهنا إليها نحن البرلمانيين. وحتى الآن نحن نطالب، تحت قبة المجلس، بالوصول إلى آلية جديدة لإيصال الدعم إلى مستحقيه». ويشير الشامي إلى ضرورة أن يكون المازوت ملوناً، واعتماد المازوت الأخضر ليكون بديلاً لأمور التدفئة وغيرها، وضرورة حثّ المواطنين على استخدامه. وأضاف الشامي: «إننا الآن في فترة عطلة للمجلس، الذي سيستأنف أعماله مع بداية فصل الشتاء». وتنبَّأ الشامي بأن تكون هناك مواجهة مع الحكومة؛ «فلن يرضينا نحن البرلمانيين أن يُلغى الدعم دون وجود آلية أخرى لإيصاله إلى الشرائح متدنية الدخل. والآليات السابقة التي تمَّ اتباعها تتحمل مسؤوليتها الحكومة». ورغم أنَّ المجلس لم يستطع في العام الماضي أن يغير آلية توزيع الدعم رغم اعتراضه عليها، إلا أنَّ الشامي يعتقد بأنه «علينا أن نتفاءل وننظر إلى ما تبقى من الكأس. ومصلحة المواطن هي أيضاً مسعى حكومي، ولكن البعض يخطئ والبعض يصيب».
مبدأ استراتيجي
ويلتقي معه عند هذا التفاؤل الدكتور محمد حبش (نائب في مجلس الشعب)؛ حيث يؤكد أنه «لا أحد قال إنه لا يوجد دعم. فهناك ما قيمته عشرة آلاف ليرة سورية سيتمّ تخصيصها للأسر الفقيرة. وهذا أمر قطعي ولا أحد طرح غير ذلك. ولا بدَّ أن تكون الحكومة بدأت بالعمل على هذا الأمر». ويتفاءل حبش في موضوع المسح الاجتماعي، الذي من المفترض أن يتمّ إنجازه قبل العام 2011، ويصفه بأنه «مبدأ استراتيجي».
أمر محسوم
نفي وجود الدعم يؤكده الكثيرون. ولكن البعض يُلقي باللائمة على عدم ترشيد استهلاك الطاقة من قبل المواطنين؛ يقول الدكتور زياد عربش (خبير طاقة): «الظروف تغيَّرت، فما هو واضح الآن أنه لا يوجد دعم، إلا إذا حدث أمر استثنائي». ويرى عربش أنَّ «البديل أمام المواطن هو في المازوت الأخضر وتقنين الاستهلاك. ومن ناحية الحكومة، فعليها إيلاء الاهتمام أكثر للجانب الاجتماعي، وتحقيق العدالة الضريبية». والمشكلة دائماً -وذلك في نظر عربش- تتركز في «زيادة الاستهلاك، وعدم الترشيد في استهلاك الطاقة. فلدينا طاقة شمسية تحرقنا ولا نستفيد منها». ويرى عربش أنَّ «الحلول دائماً غير كاملة، والقطاع الخاص لا يقوم بدوره، كما أنَّ استيراد المشتقات النفطية يشكّل عبئاً على الحكومة، وإنشاء مصفاة نفط جديدة تكلف 2 مليار دولار لا يمكن الحديث عنه قبل العام 2016».
توازنات غائبة
الحكومة، التي لا تملك الإيرادات الكافية لتغطية زيادة الرواتب ورفع مستوى المعيشة للمواطن في ظلّ بطالةٍ لا تنفع معها كل المحاولات، لم يعد أمامها إلا التخلي عن مزيدٍ من الخسائر تذهب لدعم المشتقات النفطية. ولكن هناك حلول أخرى لم يتمّ النظر إليها؛ يقول الدكتور نبيل مرزوق (خبير اقتصادي): «مسألة الدعم عموماً مسألة شائكة، ودائماً علينا النظر إليها من ناحية المهمة الموجهة إليها، على أساس الوظائف المخصص لها هذا الدعم. والمشكلة ليست في بقاء الدعم أو لا، ولكن الأهم هو الإجابة عن التساؤل التالي: هل يحقق إبقاء الدعم توازنات اقتصادية حقيقية في الاقتصاد الوطني ويحقق التنافسية المطلوبة؟.. والسؤال الآخر: هل تتناسب الأجور مع ارتفاع تكاليف المعيشة، فيجب على الإجراءات أن تحقق هذه التوازنات؟!..
لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ تراجع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي كان أحد أسبابه، وفقاً للتقارير الحكومية، زيادة أسعار المشتقات النفطية، التي أدَّت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج؛ يقول مرزوق: «التوازنات المطلوبة غير محققة في الاقتصاد. والدليل هو التراجع في الإنتاج الزراعي، وارتفاع تكاليف الصناعة والنقل، وخروج المنتجين الحديين من العمل الإنتاجي، وارتفاع أسعار المنتج الزراعي بسبب ارتفاع تكاليفه. وكل هذه المعطيات تؤدي إلى تراجع تنافسية الاقتصاد الوطني. فالمشكلة ليست آنية، كما أنها ليست في تحمل التكاليف أو تحقيق الدعم، وإنما تكمن في عجز الإيرادات وعدم القدرة على إيجاد نظام ضريبي عادل وقادر على زيادة إيرادات الخزينة. فإيرادات الحكومة قليلة، لذلك بدأ ضغط الإنفاق الحكومي». والحلّ، كما يراه مرزوق، هو في تطوير نظام جباية الضرائب لتحقيق الزيادة المطلوبة في الإيرادات.
المواطن والدعم
أما من ناحية المواطن-يقول مرزوق: «ليس هناك دراسة فعلية وحقيقية للأجور ومستويات المعيشة. ولكن بحسب الإعالة الموجودة في سورية وفق عدد السكان وقوة العمل، فالأجر يعيل 3.8 شخص، أي نحو أربعة أشخاص. أي أنَّ الأجر يجب أن يكفي أربعة أشخاص. وبالتالي لا يكون دون العشرين ألف ليرة سورية. ولكن الواقع الآن هو أنَّ وسطي الأجور هو عشرة آلاف ليرة سورية.. فكيف سيتدبَّر الفرد أموره بهذه الآلاف العشرة، ليعيش وفق الحد الأدنى. والمطلوب حالياً هو إعادة النظر في مستويات الأجور، والبحث فيها. وأما عن توجيه الكتلة التي كانت مخصصة للدعم إلى التعليم، فلو أننا نمتلك نظاماً ضريبياً صحيحاً لكان لدينا الموارد التي تغطي حاجة التعليم والصحة والدعم وغيرها، لا سيما أننا بحاجة إلى دعم التعليم، خاصةً أنَّ مستوى إنفاقنا على الصحة والتعليم متدنٍّ جداً ولا يقارن مع الدول الأخرى».
إباء منذر
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد