الفوترة ثقافة غائبة وتطبيق ينتظر الفرج
تسمَّى «Tva» أو «ضريبة القيمة المضافة»، وهي الضريبة التي تُفرض على القيمة المضافة إلى السلع؛ أي على كلِّ زيادة في قيمة السلع، وعلى كلِّ عملية انتقال للبضاعة أو للسلعة المفروض عليها الضريبة من مرحلة إلى مرحلة.
وفي عالم الاستهلاك والمعاملات التجارية، يرتبط نظام الفوترة بضريبة القيمة المضافة؛ إذ لا يمكن اعتماد ضريبة القيمة المضافة دون الدخول من باب الفوترة..
وكما يقال: «ميت لا يحمل ميت»، فكيف من الممكن لنظام الفوترة الذي لم تبعث الروح فيه بعد، أن يحمل مسؤولية تطبيق هذه الضريبة، وهو الذي يعيش حتى اليوم مخاضاً صعباً لا يعلم أحد ما إذا كان سينتهي بإعطائه الحياة ليكون تطبيقه واقعاً، أم أنه سيبقى مجرد تعليمات نظرية تعدُّ الصعوبات ولا تتجاوزها..
في وقت مازال المستهلك فيه يعدُّ الفاتورة موضوعاً ثانوياً لا قيمة له، وينظر إليها التاجر بعين الإدانة له والتوثيق النظامي لمخالفاته، يحتاج التطبيق إلى الكثير من الإجراءات العملية والمباشرة، ابتداءً بخلق بيئة تشريعية جديدة ومناسبة تُحدث تغييراً جذرياً في التشريعات الحالية غير القادرة حتى الآن على مواكبة التقنيات التجارية الجديدة، وانتهاءً بنشر التوعية بثقافة الفوترة الغائبة كلياً عن مجتمعنا..
¶ تحديات
أصدرت رئاسة مجلس الوزراء القرار 5588 بتاريخ 18/10/2009، الذي شُكِّلت بموجبه لجنة مهمّتها وضع خطة لتطبيق نظام الفوترة وتحديد دور ومسؤوليات الجهات المعنية في تطبيق هذا النظام. كما وافقت اللجنة الاقتصادية في جلستها رقم 12 تاريخ 10/3/2010 على مشروع الخطة، وكلَّفت وزارتي المالية والاقتصاد والتجارة بمتابعة التنفيذ..
ولكن، هذه الجهات الثلاث لم تخطُ بخطى ثابتة نحو تطبيق نظام الفوترة، حيث شكَّل تطبيقه تحدياً للكثيرين، سواء كانوا تجاراً أم مؤسسات خاصة، في واقع تحدث فيه يومياً ملايين العمليات التجارية في الظلام، دون توثيق أو رقيب.. وما يزيد الأمر تعقيداً، أنَّ طرق تنظيم وإعداد الفوترة ما زالت تعتمد على آليات تقليدية ومتخلِّفة، ذلك أنَّ فواتيرنا قديمة ويدوية، ولم تصل بعد إلى مستوى المعاملات الضخمة والمعقَّدة في الكثير من الأحيان، ومعظم تجّارنا لا يعرفون شيئاً عن التوقيع الإلكتروني أو حتى المعاملات المؤتمتة.
¶ لا فوترة في سورية
حدَّدت وزارة المالية موعداً نهائياً لتطبيق نظام الفوترة بتاريخ 1/1/2011، والسؤال هنا: هل نحن فعلاً قادرون، بالمعطيات الحالية، على البدء بتطبيقٍ كامل لهذا النظام مع بداية العام القادم، أم أننا سنكتفي بتطبيق ناقص لن يصل إلى الأهداف المرجوَّة؟.
الخبير الاقتصادي، الدكتور أيهم أسد، الذي يؤكِّد الغياب الكامل لشيء اسمه فوترة في الاقتصاد السوري، ينظر إلى الفوترة باعتبارها نظاماً تكمن أهميته في أنّه يقدِّم الفائدة لجميع أطراف العملية التجارية، سواء كانوا مستهلكين أم تجاراً أم جهات حكومية.. مضيفاً: «إنَّ تطبيق هذا النظام بحاجة إلى مرونة في الجهاز المالي، وتطويره وإمكانية تخصيص رقم ضريبي للمكلفين، سواء كانوا أشخاصاً أم شركات، حتى يكون تطبيقه بالشكل الأمثل، كما يحتاج تطبيق نظام الفوترة إلى ضرورة طلب المستهلكين الفاتورة بشكل دائم، ووضع التجار القيمة الحقيقية للسلعة على الفاتورة، ما يضبط النظام الضريبي بشكل معقول»
¶ النظام الفاصل
قانون الفوترة الجديد الذي تسعى وزارة المالية إلى إصداره، سيوثق كافة المعاملات التجارية، وسيطبَّق على الجميع في مختلف المجالات، ابتداء من المؤسسات الكبيرة وانتهاء بالمحال التجارية المتواضعة، بحيث تكون الفاتورة هي الفاصل في أيِّ نزاع تجاري.
كما سيسهم وضع نظام للفوترة في رفع مستوى الخدمة المقدَّمة، بحيث يلتزم مقدِّمها بمضمون هذه الخدمة المسجَّل في الفاتورة، وتحدُّ الفوترة أيضاً من التهرب الضريبي، ما يؤدِّي إلى زيادة إيرادات خزينة الدولة.. وفي هذا السياق يؤكِّد مدير مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، عماد الأصيل: «إنَّ نظام الفوترة هو النظام الصحيح والأكثر فائدة للمواطن والبائع، وإنَّ تطبيقه سينعكس إيجاباً على المواطن بشكل واضح، فعندما تكون الفاتورة هوية السلعة فعلاً، سيكون في إمكان المستهلك الاستفادة من الكفالة ومن تبديل السلعة، بالإضافة إلى معرفة المصدر الأصلي للسلعة»..
ويتَّفق الدكتور أسد مع ما ذهب إليه عماد الأصيل في أنَّ: «نظام الفوترة يحافظ على ما يسمَّى الحقوق المالية للمتعاملين، وفي الوقت نفسه يحافظ على الحقوق المالية للدولة».
وتقوم وزارة المالية حالياً بحملة إعلانية تحثُّ المواطنين على طلب الفاتورة أثناء شراء السلع من كافة المحلات التجارية، وذلك ضماناً لحقوقهم وتنظيماً لعملية البيع، في خطوة تمهيدية، لكنها بطيئة، لإصدار قانون سيلزم الجميع باعتماد الفاتورة فيه.
تهرُّب ضريبي
النتائج المرجوَّة من تطبيق هذا النظام كبيرة، إلا أنَّ التحدِّيات التي من الممكن أن تواجه هذا التطبيق مازالت إلى الآن هي الأكبر، فوجود الفاتورة في حياتنا التجارية- بحسب عماد الأصيل- دليل على اقتصاد صحيح وسلعة نظامية معروفة تداول حلقات الوساطة..
لا ارتفاع في الأسعار
كثرت الأقاويل والمخاوف ممّا يمكن أن يحدثه نظام الفوترة من ارتفاع في الأسعار، وبالتالي انعكاسه السلبي على مصروف المواطن، والمساهمة في زيادة أعبائه، التي لم يعد قادراً على إضافة أعباء جديدة إليها. إلا أنَّ المعنيين والمختصِّين أكَّدوا أنَّ هذه الأقاويل لا أساس لها من الصحة، ولئن عمل تطبيق هذا النظام على إحداث خلل في الأسعار في بداية تطبيقه، إلا أنَّ هذا الحال سيكون لمدة قصيرة جداً تتحوَّل بعدها الأمور إلى مصلحة المواطن، فيكون هذا النظام ضابطاً للأسعار، لا رافعاً لها»..
وهنا يؤكِّد عماد الأصيل أنَّ: «نظام الفوترة لن يرفع الأسعار، وإنما سيوثق السعر الحقيقي للسلعة، سواء بالنسبة إلى السلع المحررة أم المحدّدة هوامش الأرباح»، متَّفقاً مع الرأي القائل بأنَّ «الفاتورة حق للجميع، وهي لن تؤدِّي إلى رفع أيِّ سعر.. بالعكس، عدم تداول الفاتورة يؤدِّي إلى عدم معرفة السعر الحقيقي للسلعة».
ومن أصحاب هذا الرأي، الدكتور أيهم أسد، الذي أكَّد أنَّ «نظام الفوترة لن يرفع الأسعار أبداً، بل سيجعل المستهلك مطمئناً إلى أنَّ الضريبة التي يدفعها ستتحوَّل بشكل أمين إلى وزارة المالية، دون تلاعب».
استرداد الضرائب غير المستحقّة
يرى الدكتور أيهم أسد، أنَّ «نظام الفوترة يخفِّف من التهرب الضريبي، ويوسع أماكن ضريبية جديدة، ففي القانون الضريبي هناك نسبة محدَّدة من الضرائب يتوجَّب على المواطن دفعها كلَّ عام، وهذه النسبة من الضرائب تتناسب مع دخل هذا المواطن ومصاريفه، وبالتالي في حال طُبِّق نظام الفوترة وضريبة القيمة المضافة، سيكون من الممكن للمواطن أن يراجع وزارة المالية إذا جمع فواتيره ووجد أنَّ نسبة الضرائب التي دفعها أعلى من النسبة المترتِّبة عليه، وفي هذه الحال من الممكن له أن يستردَّ ما دفعه من ضرائب غير مستحقّة، تماماً كما يحدث في الكثير من بلدان العالم»
حبر على ورق
العقوبات التي تفرض حالياً عند عدم إعطاء الفاتورة، تكون- بحسب ما أوضح الأصيل- «بتسجيل ضبط من قبل المديرية بحقّ المخالف، إلا أنَّ ثقافة الفوترة هي ثقافة يجب أن يتبنَّاها المواطن، وهذا الذي نسعى للوصول إليه»، مشيراً إلى أنَّ هناك ضبوطاً كثيرة تنظَّم في هذا الخصوص، وأنَّ غرامة هذه المخالفة من 10 آلاف ليرة إلى 30 ألفاً، بالإضافة إلى السجن أحياناً، ومصادرة البضاعة غير المسجّلة..
إذاً، العقوبات موجودة ومستمرَّة، ولكن لكي يتَّخذ التطبيق الشكل الأمثل، لابدَّ من أن يقوم المستهلك أو التاجر بطلب الفاتورة عند شرائه أيَّ سلعة، وأن يشتكي في حال لم تعطَ له، فالشيء المهم لنحصل على تطبيق فعلي لنظام الفوترة، هو نشر هذه الثقافة لتصل إلى أكبر شريحة، سواء بين المستهلكين أم التجار.
في هذا السياق، يقول الدكتور أيهم أسد: «الفاتورة مطلوبة من التجار منذ سنوات طويلة، ولكن- من أسف- يقوم الكثير من تجَّارنا باستخدام دفترين لحساباتهم؛ أحدهما تُسجَّل فيه الفواتير الحقيقية، والآخر تسجَّل فيه فواتير مزيّفة تقلِّل من الضرائب وتسمح بالتهرُّب والتلاعب.. أما عند تطبيق نظام الفوترة، فسيكون دفتر التاجر مختوماً من وزارة المالية، والفواتير مسجَّلة فيه بشكل لا يسمح معه بالتلاعب أبداً»..
لودي علي
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد