الفاتورة .. الورقة الغائبة في لعبة «التجارة شطارة»!!
تنفَّس المستهلك الصعداء عندما صدر القانون (2) الخاص بحماية المستهلك في بداية العام الماضي، فظنَّ أنه لن يواجه أية ارتفاعات في الأسعار بعد الآن، وسيشتري حاجياته من الأسواق ضمن اللوائح التي ستضعها الحكومة، وضمن فاتورة روَّجت لها وزارة الاقتصاد في كلِّ المحافل الاقتصادية.لكن، لا الوزارة فعلت ما يجب لتعميم الفوترة، ولا المواطن يطالب بها؛ ذلك أنَّ القول الشائع بين الناس، أنَّ طالب الفاتورة هو شخص بخيل.. وبين الوزارة الغائبة والمواطن الغائب، تغيب ثقافة الفوترة في مجتمع مازال قانون «العيب والحرام» هو المحرك لمعظم تعاملاته الشرائية!!
«علي» المسافر دوماً بحكم عمله، يؤكِّد أنَّ: «الفاتورة من أساسيات الحياة في أيِّ مدينة في العالم؛ فسائق سيارة الأجرة يعطي فاتورة للراكب معه، وبائع السجائر يعطي فاتورة، وحتى إن أراد شراء زجاجة من الماء فإنَّ الفاتورة تكون في يده قبل أن يأخذ الزجاجة.. هذه الأمور الصغيرة والمستهلكة لها فواتير، بينما في حالتنا هنا، فإنك حين تطلب فاتورة من أيِّ مطعم، فكأنك طلبت منه سحب الرخصة أو أمسكت عليه دليلاً لإدانته».
لم يكن كلام علي مستغرباً في هذه الحال، والأمثلة كثيرة على عدم تقديم الفاتورة رغم أنَّ المادة /20/ من قانون حماية المستهلك تؤكِّد أنه: «على مُقدِّم الخدمة تقديم بيان أو فاتورة للمستهلك تتضمَّن تفاصيل الخدمة وبدلها وموعد تنفيذها».
وهذا ما شرحه عبد الخالق العاني، معاون وزير الاقتصاد موضحاً أنَّ: «مديرية حماية المستهلك لديها ثلاثة مسلمات هي: الإعلان عن السعر، تداول الفواتير، بطاقة البيان.. بالنسبة إلى عملية تداول الفواتير، هي عملية موجودة في وزارة الاقتصاد والتجارة منذ عام 1960، والآن صدر قانون جديد بالتعاون مع بعض الجهات المختصة في بداية العام 2009، أعاد دراسة جميع القرارات الناظمة لعملية الفواتير الموجودة، ويُطبَّق، لكن بشكل جزئي»..
وهذا ما أشارت إليه المادة /19/ من القانون (2): «على كل مصنع أو بائع أن يُقدِّم فاتورة للمستهلك يذكر فيها سعر مبيع المنتج وكميته».
الفوترة ليست حديثة العهد في القوانين السورية، بل بدأت منذ عام 1960 عبر قانون التموين والتسعير رقم 123 المعدل بالمرسوم التشريعي رقم 158 لعام 1969، بالإضافة إلى صدور القرار رقم 293 لعام 1964، الذي ألزم المستوردين وتجّار الجملة ونصف الجملة بإعطاء نسخة من فواتير البيع إلى المشتري، على أن تحمل تاريخ البيع واسم المحل وعنوانه واسم صاحبه ونوع البضاعة وكميتها وسعرها، مذيّلة بتوقيع البائع، على أن يحتفظ كلُّ تاجر أو بائع بفواتير الشراء وإبرازها إلى موظفي التموين عند الطلب.. وتلاه في عام 1970 صدور القرار 90 الذي يحدِّد الفئات المتوجِّب عليها تنظيم فواتير بمبيعاتها على نسختين بوساطة الكربون؛ نسخة للمشتري ويحتفظ بالثانية للرقابة التموينية عند الطلب، والفئات هي التي تنتج المواد المصنّعة محلياً على اختلاف أنواعها ومسمياتها عند البيع إلى الوسطاء على اختلاف صفاتهم التجارية. وشمل ذلك الوسطاء المتعاملين بتجارة الجملة أو نصف جملة أو الموزِّعين أو وكلاء أو تجار بيع بالأمانة، بالإضافة إلى إلزام القرار 840 لعام 1970 أصحاب الفنادق والمحال العامة من الدرجة الثانية وما فوق بتنظيم فواتير النفقات المترتِّبة على الزبائن مكتوبة بخطٍّ واضح وذات رقم متسلسل ومختومة من قبل المستثمر، الذي يجب عليه الاحتفاظ بنسخة عنها وتُعطى النسخة الأصلية للزبائن، وهي تتضمَّن أسعار المواد والخدمات المُقدَّمة بشكل إفرادي، وهذا ما أشارت إليه المادة /21/ من القانون 2 لعام 2008؛ أنه على الفنادق والمطاعم ودُور الملاهي والمقاهي والمسابح وغيرها، الإعلان عن الأسعار المعمول بها بشكل واضح وفق التعليمات الصادرة عن الوزارة المختصة، وحدَّد التعميم رقم 9 الصادر عن وزارة التموين والتجارة في عام 1979 مدة الاحتفاظ بأرومات الفواتير بسنة واحدة، تبدأ من تاريخ آخر فاتورة في دفتر الفواتير مع ضرورة الاحتفاظ بها في المحل نفسه.
وعاقب القانون رقم 22 لعام 2000 بالغرامة من عشرة آلاف ليرة سورية وحتى 30 ألف ليرة، كلَّ مَن امتنع عن إعطاء فاتورة نظامية أو مَن أعطى فاتورة غير نظامية بالمواد المباعة، سواء كان مستورداً أم منتجاً أم تاجر جملة أم تاجر نصف جملة.
عماد الأصيل، مدير حماية المستهلك يقول: «إنَّ الفاتورة هي هوية للسلعة، ويجب أن تُعطى لكلِّ المستويات، وستُطبَّق بالتدريج على جميع السلع والخدمات، حتى على سائقي التاكسي، وعلى كلِّ الناس، وربما نجد بعض الصعوبات في بداية الأمر، مثل عدم الاستجابة أو عدم المطالبة بها من قبل المستهلك، فنحن الآن نجده يخجل من المطالبة بأدنى حقوقه، مثل المطالبة بفاتورة أو السؤال عن السلعة، فنظام الفوترة ليس جديداً، بل هو قديم- جديد، ولكن القانون أكَّد على تطبيق هذا القانون، وفرض العقوبات على المخالفين، وشدَّد العقوبة على الممتنعين عن إعطاء فواتير.
وضمن العقوبات التي أشارت إليها المحامية رلى جنيد، أنَّ المادة /43/ ضمن قانون حماية المستهلك، عاقبت بالغرامة من عشرة آلاف إلى عشرين ألف ليرة سورية، كلَّ مَن يخالف أحكام المواد / 14/19/20/21/22/33 ب / وتخضع للتسوية وفق التعليمات التي تصدر لهذه الغاية، عملا بأحكام المادة /50/ من القانون، مبيِّنة أنَّ المادة /44/ نصَّت على أنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة، أو بالغرامة من مئة ألف إلى مئتي ألف ليرة سورية، كل مَن يخالف أحكام المادة / 17/ من هذا القانون.
منذ أن بدأت ورشات العمل والمؤتمرات التعريفية في بداية العام الماضي، ظنَّ الكثيرون أننا سننتقل من النظام العشوائي في البيع والشراء إلى النظام المُنظَّم الذي يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقه، لكن ما زال عبد الخالق العاني، معاون وزير الاقتصاد، غير متفائل.. يقول: «أنا لا أستطيع القول، إنَّ الفوترة مُطبَّقة بشكل كامل، لأنه بوجود 1000 مراقب تمويني من غير الممكن أن يوجدون في جميع أنحاء سورية، فوظيفة المراقب التمويني مراقبة تداول الفواتير بين التاجر (سواء الجملة أم نصف الجملة) وبين المستهلك، ولكن هناك حالات غير مطالبة بإبراز فواتير، مثل بائع الحليب المتجوِّل، أو «مصلِّح» خردة، فالفاتورة هوية وجواز سفر للسلعة، فأنا عندما أشتري سلعة وأُصاب وأتضرَّر بأيِّ شكل من الأشكال منها، يمكن إبراز هذه الفاتورة لمديرية حماية المستهلك..
الدكتور سعد بساطة، استشاري دولي، يُعرِّف الفاتورة على أنها: إعطاء فاتورة– التعبير إيطالي في الأساس– (وثيقة إيصال تسعير) لقاء مادة، سلعة، أو خدمة ما.. ويتساءل: هل أسواقنا الآن من الشفافية بحيث يسمح بتداول فواتير حقيقية لتغطية هذه الأمور؟.. ويسترجع حلقات التصنيع قبل البيع كالمادة الأولية الوسيطة، مثل الغزول التي قد تنطوي فاتورتها على مبالغ إضافية (فوق أو تحت الطاولة) بسبب تفضيل نِمَرٍ معيَّنة على غيرها، أثناء التحميل (أسلوب تلجأ إليه بعض مؤسسات القطاع العام أحياناً، لبيع سلعة رائجة، وعلى ظهرها سلعة كاسدة في المستودعات!).. متسائلا: ما هي كيفية منح الفاتورة؟! بالإضافة إلى المادة المستوردة، التي يلجأ التاجر «الشاطر» إلى تسعيرها برقم معيَّن (غير واقعي طبعاً)، كي تنخفض شرائح رسومه الجمركية (بالتعاون مع موظفي جمركيين يقظين للمصلحة– مصلحتهم الشخصية بالطبع) كيف يستطيع إعطاء فواتير لبيعها بهذه الأسعار الوهمية؟ ويؤكِّد الدكتور بساطة على أنَّ الأمثلة كثيرة، موضحاً أنه ما دامت مالية دمشق تخمِّن أنَّ سعر بيت- حقيقة- في منطقة «أبو رمانة» هو أربعين ألف ليرة سورية، فسنبقى أسرى انفصام الشخصية، وازدواجية الأرقام، وستصبح الكثير من نشاطات حماية المستهلك، بما فيها الفوترة، عبارة عن كذبة كبيرة.كثيرون يقولون إنَّ «الغلاء أصل البلاء»، وأقول- والقول للدكتور بساطة: «لا يعمل أحد بلا ربح، ولكن يجب– عرفاً وقانوناً وديناً– أن يبقى الربح في حدود المعقول، وأن لا ننجرَّ إلى مرحلة الربح الفاحش، وهذا بحاجة إلى بعض الحس بالمواطنة، بالإضافة إلى موضوع العقاب والثواب، وحل المشكلة بالتواصل ما بين الجهات الحكومية واتحاد غرف التجارة والصناعة»..
إلى الآن، هناك تجاوزات، وإلى الآن، هناك عشوائيات، ولا يوجد في الأفق ما يدلُّ على أنَّ هذا النظام سيتمُّ تطبيقه في المستقبل القريب، والمؤشرات تدلُّ على أنَّ السنوات المقبلة لن تنقل الاقتصاد السوري من الاقتصاد غير المفوتر إلى الاقتصاد المنظَّم المفوتر، والأسباب- كما ذكرها أيهم أسد الخبير الاقتصادي- مرتبطة بعوامل أخرى، وهذه العوامل برسم وزارة المالية، ووزارة المالية تنتظر أن تُطبِّق وزارة الاقتصاد هذا النظام، لكنها في المقابل، تنتظر التجَّار والمنتجين ليُقدِّموا هذه الفوترة، والفاتورة تحتاج إلى أوراق.. وهكذا سندور في حلقة مفرغة لن تفضي إلى أيِّ نتيجة..على الأقل في المدى المنظور!!
أيهم أسد، خبير اقتصادي، يرى أنَّ تطبيق نظام الفوترة يسهم في تصحيح النظام الضريبي، ويحسِّن من كفاءته ومردوديته، كما يسهم في الحدِّ من التهرُّب الضريبي والفساد المالي الذي يضيع مئات الملايين من الليرات على خزينة الدولة سنوياً، كما يحافظ نظام الفوترة على الحقوق المالية للدولة والمنتجين والتجّار والمواطنين على السواء، ويسهم في الوقت ذاته في نشر الشفافية المالية الغائبة تماماً عن النظام الضريبي في الاقتصاد السوري. ويبيِّن أسد، أنَّ الأهمية الأساسية لنظام الفوترة تكمن في أنه من المكونات الرئيسية للبنية التنظيمية للضريبة على القيمة المضافة المتوقَّع العمل بها العام القادم؛ إذ يساعد تطبيق نظام الفوترة بطريقة محكمة وصارمة، على رصد وضبط تغيُّر قيمة السلعة من المنتج إلى المستهلك النهائي، وبالتالي القدرة على ضبط قيم التحصيل الضريبي في كلِّ مرحلة من مراحل إنتاج وتوزيع السلعة، وتحميل كلِّ جهة ما تستحقُّه من ضرائب بشكل عادل، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك ضريبة ناجحة على القيمة المضافة ما لم يكن هناك نظام فوترة فعّال ومستخدم من قبل كافة أطراف الفاعلين في السوق. ويؤكِّد الخبير الاقتصادي أنَّ المستهلك النهائي يلعب دوراً أساسياً في تطبيق نظام الفوترة فيما لو طلب كلُّ مستهلك من البائع عند شراء أيِّ سلعة فاتورة نظامية بقيمة المشتريات ممهورة من الدوائر المالية المختصة؛ ما يلزم البائع على أقل تقدير بالتعامل مع فواتير نظامية وبأعداد كبيرة منها حتى ولو كان هناك تلاعب في القيمة الحقيقية للفاتورة.. كما يكشف نظام الفوترة مقدار الضرائب التي يتحمَّلها المستهلك النهائي عند كل عملية شراء؛ ما يوضح الموقف والحالة الضريبية للمواطن بشكل دقيق وشفاف وفوري.
عامر عبد السلام
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد