فضيحة في معامل الأدوية
أحدث قرار وزارة الصحة القاضي بتخفيض أسعار بعض الأصناف الدوائية اعتباراً من بداية الشهر القادم بنسبة 20 بالمئة من سعر المبيع للعموم ضجة وتذمراً واضحاً من قبل الصيدلانين، فبعضهم ألقى اللوم على نقيب الصيادلة لتوقيعه هذا القرار وآخرون طردونا من صيدلياتهم بمجرد أن استفسرنا عن تسعيرة الدواء وردود الفعل عليه، وفريق ثالث أسهب في الحديث عن الموضوع من باب "فشة الخلق" والتنفيس عن الهم الذي تسببه القرارات الجائرة وهي تحسب آلاف الحسابات لمعامل الأدوية رغم استغلالها لحاجة المواطنين خوفاً من أن "تحرد" وتمتنع عن التصنيع .
الحلقة الأضعف:
أمينة سر نقابة الصيادلة في دمشق الدكتورة "ماجدة الحمصي" بيَّنت لنا بأن التخفيض الذي طال أسعار الأدوية شمل حوالي ثلاثمائة صنف دوائي من أصل 1200 صنف, بسبب انخفاض أسعار المواد الأولية الداخلة في تركيب المستحضرات الدوائية عالمياً وبما يصبُّ في مصلحة المواطن
كما اعتبرت بأن الصيدلاني هو الحلقة الأضعف جراء هذا القرار الذي صدر منذ حوالي الأسبوع دون أن يعطي فرصة للصيدلاني حتى يصرِّف بضاعته، ومن هنا فستستمر خسارته عدة أشهر وسيبقى يبيع حسب التسعيرة القديمة وخاصةً أن معامل الأدوية لاتقبل رد منتجاتها.
ولفتت "الحمصي" إلى أن هناك نقص كبير في الأصناف الدوائية الوطنية الأمر الذي يفتح باب التهريب ورغم ذلك فإن وزارة الصحة تمنع هذا الأمر، دون أن تؤمن الدواء وبهذا تكون معادلتها فاشلة وجائرة بامتياز.
لامنّة للوزارة:
الصيدلاني حسّان النّاشف طردنا من صيدليته الكائنة في شارع الحمرا، رافضاً التصريح بأي كلمه فالموضوع لايعنيه على حد قوله وهو متبرأ من نقابته.
أما الصيدلاني هشام طهاوي صاحب صيدلية "الطهاوي" في منطقة الصالحية اختصر لنا بشكل مفيد كل ماشكاه الأطباء والصيادلة الذين التقيناهم قبله، فقال: تعزو وزارة الصحّة تخفيض أسعار الأدوية إلى عدة أسباب منها منح بونصات (تخفيضات أسعار) على بعض الأدوية، لكن هذا النظام موجود بكل دول العالم، و لامنّة للوزارة بمنح هذا البونص بل هو حق طبيعي للصيدلاني نتيجة تنافس الشركات.
وأضاف: السبب الأخر الذي تذرعت به وزارة الصحة لخفض أسعار الأدوية هو التماشي مع سعرها الذي انخفض عالمياً، ولكنها بالمقابل لا تصدّر قررارات بزيادة هذه الأسعار حينما ترتفع عالمياً، مبيناً بأن حجّة وزارة الصحة بالخوف على مصلحة المواطن وحماية جيبه من الاستغلال تعني أنه كان خارج حسابها فيما مضى ولعدة سنوات، لكن حقيقة ماجرى أن القرار الجديد بتخفيض سعر الدواء جاء ليحمي حوالي 50 شخص أثروا على حساب الصيدلانين، بغض النظر عن مصلحة المواطن، حيث يتراوح عدد العاملين في القطاع الصحي من مليون ونصف إلى مليونين شخص، بين موزعين وعمال وفنيين ومصنعين، و قد استفرد المالكون القلة بربح فاحش خلال 20 سنة عبر فرضهم لفروقات ربح خيالية، فمثلاً نراهم يبيعون الدواء الذي تكلفوا عليه 30 ليرة سورية بـ 100 ليرة سورية للصيدلاني، الذي يأخذ الفتات.
كما نقد نفسه قرار وزارة الصحة السابق والذي ربط أسعار الأدوية بتأرجحات اليورو وهذا الأمر أيضاً يخلق رد فعل عند الزبائن الذين لايدركون سبب تقلب سعر الدواء نفسه بين ليلة وضحاها.
ودٌّ اضطراري:
توقّع الصيدلاني "هشام طهاوي " توقف كتيراً من بنود القرار الجديد، خاصة بالنسبة للشركات التي لديها امتيازات أي التي تدعمها شركات أجنبية عالمية، فالأخيرة لاتقبل بأي شكل من الأشكال تخفيض أسعارها، وهي لن تتضرر في حال امتنع الشعب السوري كله عن شراء بضاعتها فعشرين مليون شخص لايشكلون شيئاً في حساباتها بينما يتضرر الصيادلة والمرضى فقط ، ومن هنا تحاول وزارة الصحة كسب ود هذه الشركات ويتعذر عليها محاسبتها أو إجبارها على شيء.
وردَّ نفسه سبب تفوق الدواء الأجنبي على الوطني إلى تقصُّد معامل الأدوية لهذا الأمر
حتى تحمي خمسين مليونير لايقبلون التنازل عن فارق السعر، وتزداد الحاجة إليهم كونهم الوحيدين ومن هنا يلجأ الصيدلاني إلى التهريب، مشيراً إلى أن شركة عمريت وضعت مؤخراً تسعيرة قدرها 100 ل.س لعشرين حبة من أحد أدويتها وبعد 15 سنة تبين أن الـ 100 ليرة هذه هي ثمن 30 حبة وليس 20 حبة فهنا ربحت الشركة بالاضافة لربحها الطبيعي ثلث الربح نتيجة التسعير الخاطئ دون أن يحاسبها أحد.
ولفت طهاوي إلى مسألة أخرى وهي أن كل دول العالم تبيع الدواء بنسبة ربح، بينما نقابة صيادلة دمشق تنفرد بنظام خاص تعتمد فيه على الشرائح، فمثلاً كل دواء يترواح سعره من 10 حتى 40 ل.س عليه نسبة ربح قدرها 30 أو 40% ، وكلما زاد السعر تنخفض نسبة الربح، فسواء بلغ ثمن الدواء ثلاثة آلاف ليرة سورية أو ثلاثين ليرة سورية فإن نسبة الربح المحددة عليه واحدة وفق نظام الشرائح المتبع، كما لا تأخذ وزارة الصحة - حسب الطهاوي ـ نفقات الصيدلاني بعين الاعتبار من أجور موظفين وتعب شخصي ورأس مال وشهادة علمية.
و سَخِرَ نفسه من قول وزارة الصحة بأنها قد رفعت مؤخراً أسعار الأدوية بنسبة 20% وهي الآن تسحب هذه الميزة ، ومن هنا فإنها تنفي خسارة الصيدلاني بعد قرارها الجديد.
وتساءل لماذا يتذرع أصحاب المناصب بالخوف على المواطن في أمور معينة بينما يتم غبنه في أمور أضخم وأعقد؟ ولماذا لايتم تخفيض أسعار عمليات القساطر وأجور المشافي؟ ولماذا يجبرون المواطن على التأمين بحجة الخوف على حياته بينما الواقع أنهم يريدون زيادة أربارح شركات التأمين التي تكلفت كثيراً حتى أسست نفسها ؟
أسئلة تركها الطهاوي باسمه واسم عدد كبير من الصيادلة بزمّة وزارة الصحة، التي لم تعرف كيف تحمي جيب المواطن والصيدلاني معاً من جشع أصحاب معامل الأدوية فصارت تُفَصِّلُ لأصحابها قرارات على مقاسهم وحسب رغباتهم بغطاء الحفاظ على مصلحة المواطن.
رغد البني
المصدر: كلنا شركاء
إضافة تعليق جديد